يحمل الفلسطينيون الكثير من الأمنيات للعام الجديد لكن الفرص تبدو قليلة، ومحدودة، والتحديات كبيرة، في ظل تداعيات استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
نهاية الحرب.. بداية الحياة
ويأمل الفلسطينيون أن يحمل لهم العام الجديد نهاية الحرب على قطاع غزة، والتي لا تتوقف عند حصد أرواح الآلاف، بل أيضاً جعلت من حياتهم جحيماً لا يطاق، بانعدام مقومات الحياة من مسكن، وغذاء، وماء، ودواء، وملبس، وهي الحرب التي وصفتها مؤسسات حقوق الإنسان الدولية مثل منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”وغيرها بأنها “حرب إبادة”، و”تطهير عرقي”.
أفق مظلم
لكن لا تبدو في الأفق نهاية للحرب، مع رفض الحكومة الإسرائيلية إعطاء أي تعهد بوقفها، حتى لو حصلت مقابل هذا التعهد على جميع من تبقى من الرهائن والأسرى المحتجزين في قطاع غزة.
وحسب مسؤولين في حركة “حماس” فإن الجولة الأخيرة من المفاوضات غير المباشرة التي جرت في العاصمة القطرية، الدوحة، فشلت بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية فقرة في الاتفاق تتضمن التعهد بوقف الحرب، والانسحاب من قطاع غزة في نهاية المرحلة الثالثة والأخيرة من المسار التفاوضي.
وتتضمن المرحلتان الأولى والثانية من هذا المسار إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل أعداد متفق عليها من الأسرى الفلسطينيين، ووقف إطلاق نار لمدة شهر ونصف لكل منهما.
وقالت مصادر قريبة من المفاوضات لـ”الشرق”، إن الاتفاق يتيح للحكومة الإسرائيلية إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل مثل هذا التعهد لكنها رفضت قبوله، حتى لو كان بإمكانها التراجع عنه في المرحلة الأخيرة تحت أية ذريعة كانت.
وشكل موقف الحكومة الإسرائيلية، إشارة كافية للفلسطينيين على أنها لا تنوي وقف الحرب، ولا الانسحاب التام من قطاع غزة في الزمن المنظور، ما يعني ليس فقط استمرار معاناة أهالي قطاع غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بل أيضا إعاقة إعادة إعمار القطاع.
وحسب العديد من الخبراء الإسرائيليين فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يخفي نيته مواصلة الحرب في غزة حتى القضاء على الوجود العسكري لـ “حماس”، وعلى إدارة الحركة ما يعني أن العمليات العسكرية ستستمر لفترة طويلة مقبلة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس زار محور فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومصر مؤخراً، وأعلن من هناك عن نية حكومته اقتطاع مناطق عازلة في القطاع، والبقاء فيها مستقبلاً.
ومن جانبها، فإن “حماس” تقول إنها ستواصل مقاومة أي وجود عسكري إسرائيلي على أرض القطاع، وقال مسؤول في الحركة لـ”الشرق”: “إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي فإن المقاومة حتماً ستستمر إلى أن يخرج الاحتلال من أرضنا، هذا ما حدث في الماضي وهذا ما يحدث اليوم وما سيحدث مستقبلاً”.
وقف الاستيطان
وفي الضفة الغربية يأمل الفلسطينيون بوقف الاستيطان، الذي يتسارع منذ بدء الحرب على نحو لا يترك فيه أرضاً متصلة لإقامة دولة مستقلة عليها مستقبلاً.
واستغلت إسرائيل الحرب للقيام بعملية ضم استيطاني متسارعة شملت مساحات واسعة من الأراضي الريفية التي أقامت فيها حوالي مائة بؤرة استيطانية جديدة، يجري العمل على تحويلها الى مستوطنات تتربع على أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية.
وتبلغ مساحة الضفة الغربية أقل من 6000 كيلومتر مربع يعيش فيها 3.5 مليون فلسطيني وأكثر من 750 ألف مستوطن، وينحصر وجود الفلسطينيين على مساحة 40% من مساحة الضفة الغربية، فيما تسيطر إسرائيل على الباقي، وتسخرها لمشاريع التوسع الاستيطاني.
أفق الحل السياسي
أغلقت الحكومة الإسرائيلية أفق الحل السياسي قبل وقوع الحرب، وبعد الحرب ظهرت دعوات من قلب هذه الحكومة لحل السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية، ومنح الفلسطينيين صفة مقيم دون حقوق وطنية وسياسية.
ويرى الفلسطينيون في قدوم ساكن جديد إلى البيت الأبيض، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، فرصة ما لوقف الحرب وإعادة إطلاق العملية السياسية، مستندين إلى تصريحات سابقة قال فيها إنه سيعمل على إنهاء الحروب المشتعلة في أكثر من مكان بالعالم.
ولكنهم في ذات الوقت لا يخفون قلقهم من تقديم ترمب مزيداً من الدعم السياسي والمالي والقانوني لإسرائيل، لمواصلة هذه الحرب حتى تحقيق ما تبقى من أهدافها خاصة تخليص الرهائن الإسرائيليين، والقضاء على من تبقى من مقاتلي وقادة حركة “حماس”، وإنهاء حكم الحركة.
فرصة وتحدٍ
في السلطة الفلسطينية يرون في قدوم دونالد ترمب فرصة وتحدٍ في آن واحد، فمن جهة، لا يخفي الرئيس الأميركي المنتخب تطلعه لإقامة علاقة خاصة مع المملكة العربية السعودية التي يعلقون عليها الآمال بأن تعيد وضع قضيتهم على أجندة المنطقة من جديد، بعد أن غابت بصورة شبه تامة في عهد الإدارة الأميركية الراحلة.
ومن جهة أخرى يرون في ذلك تحدٍ كبير لمعرفتهم بمدى انحياز ترمب لإسرائيل، ولوجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل لا تخفي تطلعها إلى “حسم الصراع” بدلا من إدارته، وذلك من خلال فرض الوقائع على الأرض من تطهير عرقي وإبادة، واستيطان، وضم وتهجير.
مسار لإنهاء الاحتلال
ويرى مسؤولون فلسطينيون أن هناك فرصة لإطلاق عملية سياسية ترسم مساراً لإنهاء الاحتلال، وقال مسؤول رفيع مقرب من الرئيس محمود عباس: “لقد بدأنا اتصالات مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي قبل وبعد انتخابه، ونقلنا له رغبتنا في عملية سياسية جدية تقوم على حل الدولتين”.
وأضاف: “الاتصالات تجري من خلال المبعوث الخاص للرئيس الأميركي مسعد بولس، وهو عربي لبناني يفهم المنطقة، ويفهم أسس الحل السياسي القابل للحياة والاستمرار”.
وقال المسؤول إن الرئيس عباس زار المملكة العربية السعودية أكثر من مرة في العام الأخير، وأجرى مباحثات معمقة مع القيادة السعودية بشأن تحرك مشترك في المرحلة المقبلة، لحل إقليمي يتضمن حل القضية الفلسطينية.
وأوضح أن حل الدولتين ما زال ممكناً، لكنه يتطلب وبصورة فورية عملية سياسية تبدأ بوقف الاستيطان الذي يقوض أسس الدولة الفلسطينية.
إعادة الإعمار
ومن التحديات الكبرى أمام الفلسطينيين في العام الجديد، إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب، ويقول مسؤولون فلسطينيون إن إعادة إعمار غزة يشكل أولى مقومات تعزيز بقاء أهل غزة على أرضهم، وإفشال خطط إسرائيل الرامية إلى تهجيرهم بغية إفراغ القطاع، والاستيطان فيه، ولكن إعادة إعمار القطاع تتطلب وقف الحرب أولاً، ثم دعماً دولياً سخياً لا يبدو في الأفق دون حل سياسي.