في ديسمبر الماضي، وخلال الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أمهلت لجنة الأوراق المالية والبورصات الملياردير إيلون ماسك عدة أيام، للمطالبة بدفع تسوية، أو مواجهة اتهامات مدنية تتعلق بانتهاكات أوراق مالية مزعومة أثناء استحواذه على شركة “تويتر” عام 2022 مقابل 44 مليار دولار.
وأعلن ماسك الخبر بنفسه في منشور عبر منصته للتواصل الاجتماعي “إكس”، قائلاً: “رباه جاري، كيف يمكنك أن تفعل هذا بي؟”، في إشارة إلى رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات جاري جينسلر.
وأضاف ماسك وجهاً تعبيرياً مبتسماً، كما أرفق خطاباً قانونياً يدين الإنذار النهائي “غير اللائق”، وتساءل: “نطالب بمعرفة من وجه هذه الإجراءات؛ سواءً كنت أنت أو البيت الأبيض”.
ورفض متحدث باسم لجنة الأوراق المالية والبورصات التعليق على الواقعة، ولم يرد البيت الأبيض على طلب “رويترز” التعليق.
ولجنة الأوراق المالية والبورصات ليست وكالة التحقيق الوحيدة التي تحداها ماسك واتهمها بـ”التحرش السياسي”، فلطالما انتقد الملياردير الرقابة الحكومية، مصوّراً نفسه على أنه ضحية للمتعصبين البيروقراطيين الذين يخنقون ابتكارات شركاته التي يمكن أن تنقذ الأرواح.
وفي وقت قريب سيعود إلى البيت الأبيض الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي أنفق ماسك أكثر من ربع مليار دولار للمساعدة في انتخابه، بدلاً من الرئيس جو بايدن، الذي عين جينسلر.
واختار ترمب بالفعل رئيساً جديداً للجنة الأوراق المالية والبورصات ليحل محل جينسلر، الذي يخطط للاستقالة عند تنصيب ترمب.
تساؤلات بشأن مصير التحقيقات
وتثير إمكانية تمتع ماسك بنفوذ استثنائي مع الإدارة الجديدة، تساؤلات بشأن مصير التحقيقات الفيدرالية، والإجراءات التنظيمية التي تؤثر على إمبراطوريته التجارية، والتي لا يزال 20 منها على الأقل جارية، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على عمليات شركتي “سبيس إكس” وتسلا، وتعاملها مع الحكومة الأميركية، بالإضافة إلى 5 مسؤولين حاليين وسابقين لديهم اطلاع مباشر على التحقيقات الفردية في شركات ماسك.
وتشمل التحقيقات فحص انتهاكات أوراق مالية مشتبه بها؛ وتساؤلات بشأن سلامة أنظمة “السائق الآلي” (Autopilot)، والقيادة الذاتية الكاملة (FSD) لسيارات تسلا؛ وانتهاكات محتملة لقوانين الرفق بالحيوان في تجارب شريحة الدماغ التي أجرتها نيورالينك (Neuralink)؛ ومشكلات تلوث، وتمييز في التوظيف، وترخيص في “سبيس إكس”.
ولم يرد ماسك وشركات “تسلا”، و”سبيس إكس”، و”نيورالينك” على طلبات “رويترز” للتعليق.
وكان إيلون ماسك كتب على منصة “إكس” قبل الانتخابات: “لم أطلب من (ترمب) أي خدمات، ولم يعرض علي أياً منها”.
وقال متحدث باسم الفريق الانتقالي لترمب، إن ماسك رجل أعمال “رائع”، وإن إدارة ترمب ستضمن سيادة القانون والنظام “بمعاملة جميع الأميركيين على قدم المساواة”.
ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن القضايا المتعلقة بماسك، ربما تظل عالقة أو إسقاطها من قبل رؤساء الوكالات والإدارات المعينين من قبل ترمب.
وقال مسؤول حالي و3 مسؤولين سابقين في وزارة العدل إن اختيارات ترمب في وزارة العدل تشمل على سبيل المثال المحامين الذين دافعوا عنه في محاكمات جنائية، ومحاكمات المساءلة بغرض العزل، ومرشح لمنصب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، دعمه ماسك بشكل واضح، والذي تعهد مراراً بملاحقة أعداء ترمب.
وقالت باربرا ماكوايد، وهي محامية أميركية سابقة في ديترويت خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي عملت أيضاً مدعية عامة فيدرالية خلال إدارتي الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، إن مسؤولين من المستوى الأدنى في وزارة العدل يمكنهم أيضاً ممارسة سلطة تقديرية في الملاحقات القضائية، لتجنب ملاحقة شركات ماسك بقوة في ظل علاقته بترمب.
وأضاف: “أعتقد أنهم يعرفون كيفية القيام بذلك، بقدر ما يرغبون في إرضاء الزعيم (ترمب)”.
“أدلة غير كافية”
مع ذلك، قلل بعض الخبراء القانونيين من خطر التدخل السياسي من جانب ماسك، مشيرين إلى أن عدم إحراز أي تقدم في التحقيق، ربما يشير إلى “عدم كفاية الأدلة”.
وقال خبراء قانونيون، إنه من الممكن أيضاً أن يواصل المدعون العامون الذين يعتقدون أن لديهم قضايا قوية، المضي قدماً بغض النظر عن دور ماسك.
وقال روبرت فرينشمان، محامي الدفاع عن ذوي الياقات البيضاء (الموظفين الإداريين) في شركة “ديناميس” للمحاماة في نيويورك: “لا أعتقد أن ثمة خطر بقدر كبير من تدخل ماسك للتأثير على القضايا. أغلب المدعين العامين يحركون الدعاوى القضائية التي يعتقدون أنهم قادرون على الفوز بها”.
ولم يعلق ممثلو وزارة العدل وجميع الإدارات والوكالات، التي لديها تحقيقات عالقة بشأن ماسك أو شركاته، على التحقيقات أو قدرتها على تطبيق لوائح ضد حلفاء ترمب خلال ولايته الثانية.
من جانبهما، قالت وكالة حماية البيئة (EPA)، والإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة (NHTSA) إنهما، ستواصلان الوفاء بمسؤولياتهما القانونية والتنظيمية.
“الصديق الأول”
منذ إجراء الانتخابات، أطلق ماسك على نفسه لقب “الصديق الأول” لترمب، وتردد على منتجعه “مار إيه لاجو” في فلوريدا، وشارك في عيد الشكر مع عائلة الرئيس المنتخب، وأبدى رأيه بشكل علني في تعييناته الوزارية.
وعين ترمب ماسك ليقود “وزارة الكفاءة الحكومية” الجديدة، وهي كيان خاص يقدم المشورة بشأن خفض الميزانيات وتسهيل اللوائح التنظيمية. ولا يزال من غير الواضح ماهية الصلاحيات التي سيحملها المنصب.
وأشاد ماسك بنفوذه المكتسب حديثاً، وأعطى أمثلة محددة لكيفية استخدامه. وقبل الانتخابات، قال ماسك إنه سيسعى إلى استغلال منصبه باعتباره “قيصر الكفاءة” لإصدار لوائح وطنية للمركبات ذاتية القيادة، والتي ستفيد “تسلا” بالتأكيد، وتلغي القواعد “غير العقلانية” مثل تلك التي أدت إلى فرض غرامة تلوث على “سبيس إكس”.
وفحص مسؤولون في الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة (NHTSA)، “تسلا” بشكل متكرر لمدة عقد تقريباً، ما أثار غضب ماسك في بعض الأحيان.
وخلال اتصال هاتفي في عام 2016، صرخ ماسك موجهاً ألفاظاً نابية إلى مسؤولي جهات تدقيق بدأوا أول تحقيق من بين العديد من التحقيقات في نظام مساعدة السائق Autopilot لمركبات “تسلا” بعد حادث تصادم مميت، بحسب شخصين على إطلاع بالأمر.
وفي الوقت الراهن، تجري الإدارة الوطنية لسلامة المرور 5 تحقيقات تغطي تقنية مساعدة السائق، وغيرها من العمليات في مركبات “تسلا”.
فيما ألقت شركة “تسلا” باللائمة على سائقي المركبات، للدفاع عن نفسها في مواجهة دعاوى قضائية، وتحقيقات بشأن حوادث ترتبط بأنظمة “القيادة الذاتية الكاملة” (FSD)، و”السائق الآلي” (Autopilot)، قائلة إنها نصحت السائقين بضرورة الانتباه.
ويعد التحقيق الذي تجريه وزارة العدل في ما إذا كان ماسك وشركته “تسلا”، بالغا في قدرات القيادة الذاتية للمركبات، واحداً من بين تلك التحقيقات التي واجه المحققون فيها تحديات.
وواجه المدعون العامون صعوبات لإثبات أن ماسك و”تسلا” تجاوزا الحد الفاصل بين البيع القانوني، والترويج لادعاءات غير صحيحة عن علم، ضلّلت المستثمرين وأضرت بالمستهلكين. وقال شخص مطلع على التحقيق إن التحقيق توقف قبل الانتخابات بشكل جزئي بسبب العقبات القانونية.
ويتعلق تحقيق آخر، يجريه مكتب المدعي العام الأميركي في مانهاتن، بمسافة سير مركبات “تسلا” في أعقاب تحقيق أجرته “رويترز” كشف أن شركة صناعة السيارات تلاعبت بشاشات العرض المدمجة داخل لوحة القيادة لإعطاء السائقين توقعات “وردية” بشأن عدد الأميال التي يمكنهم قيادتها باستخدام طاقة البطارية، ولم يكن من الواضح إلى أي مدى تقدم التحقيق.
وقالت “تسلا” في إقرارات ربع سنوية مقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات: “على حد علمنا، لم تستنتج أي وكالة حكومية في أي تحقيق جارٍ حدوث أي مخالفات”.
كانت “رويترز” أول من نشر أن بعض مستشاري سياسة السيارات في إدارة ترمب، أوصوا بإلغاء شرط يُلزم شركات صناعة السيارات بالإبلاغ عن البيانات المتعلقة بالحوادث التي ترتبط بأنظمة القيادة الآلية، وهو إجراء ربما يعرقل قدرة الإدارة الوطنية لسلامة المرور على التحقيق وتنظيم سلامة التقنية الجديدة.
الصواريخ وناسا
وتواجه “سبيس إكس” بالفعل القليل من التدقيق من الجهات التنظيمية، لأن الحكومة أسندت العديد من مهامها الفضائية لشركة ماسك للصواريخ والأقمار الاصطناعية، وفقاً لمسؤولين سابقين في “سبيس إكس”، ومسؤول حكومي حالي مطلع على تعاملات الشركة مع وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، ووكالة حماية البيئة (EPA)، وإدارة الطيران الفيدرالية (FAA).
وخلال قمة في سبتمبر، وصف ماسك تحقيق لوكالة حماية البيئة بـ”الجنوني”، أسفر عن موافقة “سبيس إكس” على دفع غرامة مقترحة قدرها 148 ألفاً و378 دولاراً بسبب إلقاء ملوثات، قال ماسك إنها في الواقع “مياه شرب”.
وفي سبتمبر، اقترحت إدارة الطيران الفيدرالية بشكل منفصل تغريم “سبيس إكس” 633 ألف دولار بحجة عدم التزامها باتباع متطلبات الترخيص، وعدم الحصول على موافقة على إجراء تغييرات خلال عمليتي إطلاق صواريخ في عام 2023.
وفي الشهر نفسه، دعا ماسك رئيس إدارة الطيران الفيدرالية مايك ويتاكر، إلى الاستقالة، بعد وقت قصير من تغريم الإدارة لشركته، وتأخير إحدى عمليات إطلاقها.
وقال ويتاكر الشهر الماضي، إنه سيترك منصبه قبل فترة ولاية ترمب.
في أكتوبر الماضي، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن ماسك كان على اتصال منتظم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واستبعدت 3 مصادر مطلعة على تعاملات “سبيس إكس” مع الحكومة، احتمال إجراء أي تحقيق في اتصالات ماسك مع خصوم للولايات المتحدة في ظل إدارة ترمب، الذي اختار الملياردير في قطاع التكنولوجيا جاريد إيزاكمان لإدارة وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، وكان إيزاكمان مول وشارك في مهمتين فضائيتين خاصتين تتضمنان “سبيس إكس”.
ورفضت وكالة “ناسا” الإدلاء بأي تعليق، ولم يرد إيزاكمان، وممثل إعلامي لشركته على طلب “رويترز” التعليق.
ولم يرد ماسك على طلبات التعليق بشأن ما ورد في التقرير عن إجراء اتصالات مع بوتين، لكن في إحدى المرات، رد برمزين تعبيريين أحدهما ضاحك والآخر باكي على منشور على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” يشير إلى أن منتقدين لماسك كانوا يحاولون تصويره على أنه “عميل روسي”.