أعلنت الخارجية الإسرائيلية، الاثنين، أنها أخطرت الأمم المتحدة رسمياً بإلغاء الاتفاقية التي تنظم علاقاتها مع “الأونروا” منذ عام 1967، وذلك بعدما أقرت في أكتوبر الماضي قانوناً يحظر على الوكالة العمل في البلاد، ويمنع السلطات الإسرائيلية من التعاون معها.
ولا يحظر التشريع بشكل مباشر عمليات “الأونروا” في الضفة الغربية وغزة، وكلاهما يعتبر بموجب القانون الدولي خارج إسرائيل ولكن تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ودأبت إسرائيل على انتقاد “الأونروا” واتهمتها بالتحامل على إسرائيل، قائلة إنها تعمل على إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال الإبقاء على الفلسطينيين في وضع لاجئ دائم.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر من العام الماضي، قالت إسرائيل إن الوكالة تعرضت لاختراق كبير من حركة “حماس”، واتهمت بعض موظفي الوكالة بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، لكن دون أن تقدم أدلة على ذلك.
التأسيس والتفويض
تأسست “الأونروا” بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (IV) بتاريخ 8 ديسمبر 1949 “لتنفيذ برامج الإغاثة المباشرة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من مايو 1950.
تتمتع وكالة “الأونروا” بتفويض إنساني وتنموي لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في انتظار “حل عادل ودائم لمحنتهم”. تستمد “الأونروا” تفويضها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الجهاز الأم للوكالة، والجمعية العامة وحدها هي التي يمكنها تحديد تفويض “الأونروا”. ولا يتم تحديد تفويض الوكالة في مصدر أو وثيقة واحدة. بل إن تفويض الوكالة مستمد في المقام الأول من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تطور تفويض الوكالة على مر السنين، كما هو منصوص عليه في قرارات مختلفة للجمعية العامة، ليشمل تقديم خدمات الطوارئ للأشخاص في منطقة عملياتها الذين نزحوا حالياً ويحتاجون بشدة إلى المساعدة المستمرة نتيجة للأعمال العدائية التي اندلعت في عام 1967 وما تلاها.
كما تطورت ولاية “الأونروا” لتلائم الاحتياجات المتغيرة والوضع السياسي للاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك ما يتعلق بأنشطة الحماية، حسبما أورد الموقع الرسمي للوكالة الأممية.
خدمات الوكالة
تقدم وكالة “الأونروا” المساعدات الإنسانية وتساهم في حماية اللاجئين من خلال تقديم الخدمات الأساسية، في المقام الأول في مجالات التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية، والرعاية الصحية العقلية، والإغاثة، والخدمات الاجتماعية، والتمويل الأصغر، والمساعدة الطارئة، بما في ذلك في حالات النزاع المسلح، لملايين اللاجئين الفلسطينيين المسجلين الموجودين في مناطق عملياتها الخمسة (الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة). ولا تملك الوكالة تفويضاً للمشاركة في المفاوضات السياسية أو الحلول الدائمة.
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً، ضرورات عمل الوكالة، وشددت على دورها “الأساسي” و”الحيوي”. ومنذ إنشاء “الأونروا” في عام 1949، جددت الجمعية العامة تفويض الوكالة بشكل روتيني، ومؤخراً لمدة ثلاث سنوات أخرى حتى 30 يونيو 2023 بدعم ساحق من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وتؤكد “الأونروا”، وفق موقعها الرسمي، أنها ستستمر في الوفاء بولايتها المتمثلة في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين حتى يتم إيجاد حل عادل ودائم لمحنتهم. وتقول إن مسؤولية المساعدة في إيجاد هذا الحل، تقع على عاتق المجتمع الدولي.
من هم اللاجؤون الفلسطينيون؟
واحدة من أبرز خصائص وكالة “الأونروا”، هو التزامها الطويل الأمد تجاه مجموعة واحدة من اللاجئين. فقد ساهمت في رعاية وتنمية شؤون أربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين.
وبحسب تعريف الأمم المتحدة، فإن اللاجئين الفلسطينيين، هم “الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم المعتاد خلال الفترة من 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم نتيجة لحرب 1948”. كما يحق لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذكور، بما في ذلك الأطفال المتبنين قانونياً، التسجيل ضمن لوائح “الأونروا”.
وخدمات “الأونروا” متاحة لجميع أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين يستوفون هذا التعريف، والذين تم تسجيلهم لدى الوكالة والذين يحتاجون إلى المساعدة.
وعندما بدأت الوكالة عملياتها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات حوالي 750 ألف لاجئ فلسطيني. واليوم، هناك حوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مؤهلون للحصول على خدمات “الأونروا”.
اتفاق “الأونروا” مع حكومة إسرائيل
بعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة في حرب الأيام الستة في يونيو 1967، طلبت من “الأونروا” مواصلة عملياتها هناك.
وبعد أيام قليلة من انتهاء الحرب، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، في المحاضر الختامية لاجتماع للحكومة الإسرائيلية في 19 يونيو 1967:
“800 ألف لاجئ أصبحوا الآن تحت مسؤوليتنا، بعد سنوات من نداءات العالم في الدول العربية للقيام بشيء حيال ذلك (..) إنها ليست قضية الآن، دعونا لا نثيرها. سوف نتعامل معها لاحقاً… يجب أن نكون شاكرين لحقيقة أن الأونروا لا تزال تعتني بهم”.
مباشرة بعد حرب الأيام الستة، في 14 يونيو، تبادل المفوض العام لـ “الأونروا” حينها، لورانس ميشيلمور، والمستشار السياسي لوزير الخارجية الإسرائيلي، مايكل كوماي، رسائل، شكلت منذ ذلك الحين الأساس للعلاقة بين إسرائيل و”الأونروا”.
وتعتبر الرسائل التي يشار إليها عادةً بـ Comay-Michelmore Exchange of Letters، بأنها توثيق لمحادثة شفوية بين الطرفين.
وجاء في رسالة كوماي:
“بناءً على طلب حكومة إسرائيل، ستواصل الأونروا مساعدتها للاجئين الفلسطينيين، بالتعاون الكامل من السلطات الإسرائيلية، في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن جانبها، ستسهل حكومة إسرائيل مهمة الأونروا بأفضل ما في وسعها، مع مراعاة القواعد أو الترتيبات التي قد تقتضيها اعتبارات الأمن العسكري.
وفي رده، كتب ميشيلمور:
“أوافق على رسالتك، وهذا الرد يشكل اتفاقاً مؤقتاً بين الأونروا وحكومة إسرائيل، ويظل سارياً حتى يتم استبداله أو إلغاؤه”.
وخلال مناقشات للجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة (اللجنة الخاصة للشؤون السياسية وإنهاء الاستعمار)، والتي تعود إلى 1 نوفمبر 2011، وأجريت في مقر المنظمة الأممية في نيويورك، أكدت الحكومة الإسرائيلية التزامها بالمهمة الإنسانية التي تضطلع بها الوكالة (الأونروا)، وبالتفاهمات التي تم التعبير عنها في الرسائل المتبادلة بين إسرائيل والأونروا عام 1967 بين كوماي وميشيلمور، حسبما أورد أرشيف الخارجية الإسرائيلية.
أسئلة قانونية
تعتبر الأمم المتحدة غزة، أرضاً محتلة من قبل إسرائيل، ويتطلب القانون الدولي من القوة المحتلة الموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها وتسهيل ذلك “بكل الوسائل المتاحة لها”.
وفي رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى استمرار عمليات “الأونروا”، وقال إن إسرائيل لا يمكنها استخدام القانون الوطني الذي يحظر الوكالة “كمبرر لعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.
وفي رسالته، كتب جوتيريش أيضاً، أن المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي تتطلب من إسرائيل أن “تقدم للأمم المتحدة كل المساعدة” في عملها.
كما أشار إلى مسألة قانونية أخرى تتعلق وهي اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي اعتمدتها الجمعية العامة في عام 1946، وتتناول الامتيازات والحصانات الدبلوماسية الممنوحة لعمليات الأمم المتحدة.
ولفت إلى وجود خلاف في تفسير أو تطبيق الاتفاقية بين الأمم المتحدة وإسرائيل، وأن مثل هذه الحالات يمكن إحالتها إلى محكمة العدل الدولية.
وفي هذا الصدد، أعلنت النرويج، اعتزامها التقدم بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل.
باعتبارها أكبر المانحين للوكالة، فإن قوانين الولايات المتحدة لها تأثير على هذه القضية، خصوصاً في الجانب المتعلق بعلاقات واشنطن بتل أبيب.
وبموجب قانون المساعدات الخارجية الأميركي، لا تستطيع واشنطن تقديم مساعدات عسكرية لدول تعرقل بشكل مباشر أو غير مباشر إيصال المساعدات الإنسانية الأميركية.
وقالت الولايات المتحدة لإسرائيل في رسالة 13 أكتوبر 2024، إنها يجب أن تتخذ خطوات خلال 30 يوماً لتحسين الوضع الإنساني في غزة، أو ستواجه قيوداً محتملة على المساعدات العسكرية الأميركية.
وحذرت إسرائيل أيضاً في الرسالة من إقرار حظر “الأونروا” بسبب التأثير الإنساني على غزة والضفة الغربية المحتلة، لكن ذلك لم يكن مدرجاً كشرط لتجنب التحرك الأميركي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، للصحافيين، الأسبوع الماضي: “قد تكون هناك عواقب بموجب القانون الأميركي والسياسة الأميركية لتنفيذ هذا التشريع”.