يدخل سباق انتخابات الرئاسة الأميركية يومه الأخير في الولايات المتحدة، بينما يعمل مسؤولو الولايات على تعزيز الجهود الأمنية، استعداداً لاجتماعات المجمع الانتخابي المرتقبة في ديسمبر، وسط مخاوف من “إرهاب داخلي” يعطل هذه الفعالية، ما يعكس تحولاً كبيراً في كيفية تنظيم هذه الاجتماعات التي عادةً ما كان يُنظر إليها باعتبارها “احتفالية مفتوحة”.
بحسب صحيفة “بوليتيكو”، يستعد المسؤولون في جميع أنحاء الولايات المتحدة لاحتمالية أن يحاول محتجون عنيفون أو متطرفون مسلحون عرقلة اجتماعات المجمع الانتخابي الشهر المقبل، والتصدي لأي تهديدات محتملة، وذلك بعد أن شهد مبنى الكابيتول أحداث شغب في 6 يناير2021.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أحداث الكابيتول، لم يعد العديد من مسؤولي الولايات يشعرون أن من الممكن اعتبار الجوانب الاحتفالية لعملية انتقال السلطة أمراً مفروغاً منه، كما كان الحال سابقاً.
وعمل هؤلاء المسؤولين على مدى عدة أشهر مع سلطات إنفاذ القانون المحلية والفيدرالية على تأمين اجتماعات المجمع الانتخابي، والتي تُعقد في الوقت نفسه بجميع عواصم الولايات الـ50 وواشنطن العاصمة في 17 ديسمبر، كما يعملون على الحد بشكل كبير من فرص حضور الجماهير، وهو ما اعتبرته “بوليتيكو” يمثل تغييراً حاداً من الروح الاحتفالية التي كانت تميز هذه الفعاليات في السنوات الماضية.
استراتيجيات جديدة
وتشير هذه الاستعدادات إلى أن محاولة الرئيس السابق دونالد ترمب تقويض انتخابات 2020، دفعت بالعمليات الأساسية للديمقراطية الأميركية إلى دائرة الضوء، ما زاد من أهميتها وجعلها أهدافاً أكثر وضوحاً لأولئك الذين يسعون إلى تعطيل التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وذكرت “بوليتيكو” أن كبار مسؤولي الانتخابات وكذلك الحكام في ولايات أريزونا ونيو مكسيكو ومينيسوتا وبنسلفانيا وواشنطن، وجميعهم من الديمقراطيين أو كانوا جزءاً من الإدارات الديمقراطية، أخبروها عن بعض الطرق التي يعملون بها مع السلطات المحلية والفيدرالية، مثل وزارة الأمن الداخلي، لوضع استراتيجيات جديدة للحفاظ على سلامة أعضاء المجمع الانتخابي، قائلين إنه لم يظهر تهديد محدد حتى الآن، لكنهم يريدون أن يكونوا مستعدين في حالة حدوثه.
وفي حين أن كل اجتماع من الاجتماعات الـ51 له خصوصيته وتحدياته الأمنية، إلا أن مسؤولي الولايات الذين يقومون بإجراء هذه التغييرات يتحدثون عن تحول مشترك، وهو هيمنة العقلية الأمنية والعمل بشكل أوثق مع سلطات إنفاذ القانون والمدعين العامين في الولايات بشكل أكثر من المعتاد.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت حذرت فيه سلطات إنفاذ القانون، على المستوى المحلي والفيدرالي، من تصاعد التهديدات ضد العاملين في الانتخابات ومرافق فرز الأصوات وحتى المشاركين في عمليات المجمع الانتخابي، حتى أن وزراء الخارجية في الولايات وموظفي مراكز الاقتراع يقولون إنهم باتوا يتعرضون للمضايقات والتهديدات بشكل روتيني.
حرص ديموقراطي واحتياطات جمهورية
ونقلت الصحيفة عن سكرتير عام ولاية أريزونا، الديمقراطي أدريان فونتيس، قوله: “نأخذ هذا الأمر بجدية كبيرة، صحيح أننا قد نعود يوماً ما إلى أوقات الاحتفال بالأعلام والبالونات، لكن هذا العام، يبدو تهديد الإرهاب الداخلي كبيراً للغاية”.
بدوره، قال وزير خارجية ولاية مينيسوتا، الديمقراطي ستيف سيمون: “كان هذا في يوم من الأيام احتفالاً يتم إجراؤه في مبنى الكابيتول في الولاية، وكانت الفعالية مفتوحة للحضور العام، حيث كانت تأتي مجموعات من الأميركيين لمشاهدة العملية، وكان كل شيء مفتوحاً تماماً، لكن هذا الوضع ليس عملياً اليوم، بالنظر إلى البيئة الحالية”.
وأضاف سيمون، الذي أشرف على دورتين انتخابيتين سابقتين، أنه يتطلع إلى إيجاد غرفة في مبنى الكابيتول في الولاية يمكن مراقبتها والتحكم في وصول الآخرين إليها بسهولة، مشيراً إلى أنه يخطط للتنسيق مع الحملة الفائزة بشأن أي مخاوف أمنية لديهم، بما في ذلك كيفية وصول أعضاء المجمع الانتخابي إلى مبنى الكابيتول في الولاية في 17 ديسمبر. وتابع: “لا شك أن هذا يمثل انحرافاً عن الطريقة التي كانت عليها الأمور حتى قبل الأعوام الـ12 الماضية”.
بدورها، قالت وزيرة خارجية ولاية نيو مكسيكو، ماجي تولوز أوليفر، إنها تعمل الآن مع الهيئة التشريعية للولاية ومكتب الحاكم لوضع خطة لتطويق مبنى الكابيتول بالولاية خلال الاجتماع، كما تدرس فرض مستوى جديد من الحماية لأعضاء المجمع الانتخابي.
وسألت “بوليتيكو” كبار مسؤولي الانتخابات في العديد من الولايات التي يقودها الجمهوريون عما إذا كانوا يقومون باستعدادات أمنية مختلفة لاجتماعات المجمع الانتخابي هذا العام، قائلة إن بعضهم رفض التعليق أو أحالها إلى سلطات إنفاذ القانون في الولاية، والتي لم ترد على طلباتها للحصول على تعليق.
فيما كان مسؤولو الحزب، الذين لعبوا دوراً محورياً في تنسيق جهود تأمين أعضاء المجمع الانتخابي في عام 2020، مترددين في مناقشة التفاصيل، لكن بعض مسؤولي الولايات قالوا إنهم ببساطة “غير قلقين” بشأن التهديدات في ولاياتهم.
وقالت ميشون ليندستروم، مديرة الاتصالات في فريق وزير خارجية ولاية كنتاكي مايكل آدامز: “نتخذ الاحتياطات المعتادة ونتواصل مع رجال إنفاذ القانون، لكننا لم نتلق، ولا نتوقع، أي تهديد أمني لاجتماع المجمع الانتخابي في الولاية”.
تهديدات متوقعة
وفي عام 2020، تظاهر مجموعة من حلفاء ترمب زوراً بأنهم من أعضاء المجمع الانتخابي في 7 ولايات فاز بها الرئيس جو بايدن، واجتمع هؤلاء الأعضاء المزيفين ووقعوا على أوراق وكأنهم الأعضاء الحقيقيين في تلك الولايات المتأرجحة، في محاولة لفرض صراع كان يأمل أن يحله الجمهوريون في الكونجرس لصالحه، بحسب الصحيفة.
لكن “بوليتيكو” تتوقع أن يكون الوضع مختلفاً هذه المرة، لأن الدور الحاسم الذي يلعبه أعضاء المجمع الانتخابي في حسم النتائج حظي بمزيد من التدقيق في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2024، إلا أنه حتى لو لم يحاول ترمب التدخل بنفس الطريقة، يتوقع المسؤولون بيئة تهديدات أكثر كثافة وخطورة من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة في كل مرحلة من مراحل إجراءات ما بعد يوم الانتخابات.
وأوضحت الصحيفة أنه إذا لم يتمكن أي عضو في المجمع الانتخابي من الإدلاء بصوته بحلول الموعد النهائي في 17 ديسمبر، فإن ذلك سيثير تساؤلات قانونية كبيرة حول ما إذا كان من الممكن احتساب أصواتهم على الإطلاق، ولهذا السبب لا يقتصر التحدي الأمني على الولايات المتأرجحة التي من المتوقع أن تحسم انتخابات عام 2024، وذلك لأنه في حال منع أي عضو في المجمع الانتخابي بأي ولاية من حضور الاجتماعات، فقد يكون لذلك تأثير كارثي.
ويتردد المسؤولون الفيدراليون في الحديث عن خططهم لمرحلة ما بعد يوم الانتخابات، بما في ذلك تلك المتعلقة باجتماعات أعضاء المجمع الانتخابي في ديسمبر، إذ قال الناطق باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إن “الوكالة أنشأت ما أطلقت عليه مركز قيادة الانتخابات الوطنية”، مشدداً على أنها ستظل منخرطة في العملية الانتخابية حتى نهايتها.
وقال متحدث آخر باسم FBI: “على الرغم من أن يوم الانتخابات هو الخامس من نوفمبر، فإن عمل الوكالة مع شركائها على المستوى المحلي والفيدرالي في تأمين الانتخابات بدأ قبل ذلك بكثير، وسيستمر بعد ذلك التاريخ بكثير أيضاً، إذ نشارك في استعدادات مكثفة في الأشهر التي تسبق يوم الانتخابات، وكما هو الحال دائماً، نعمل بشكل وثيق مع شركائنا على كافة المستويات”.
وذكرت الصحيفة أن عملية تعزيز تأمين اجتماعات المجمع الانتخابي لها عيوبها أيضاً، موضحة أنه بينما أقامت نيو مكسيكو حفلاً متواضعاً في عام 2016، تقول تولوز أوليفر إنها كانت تأمل في إقامة بعض الاحتفالات الكبيرة مثل تلك التي كان تجريها الولايات الأخرى قبل جائحة 2020، لكنها الآن تستعد، بدلاً من ذلك، لنقل فعاليات الاجتماع من خلال بث مباشر بدلاً من السماح للجمهور بالحضور بشكل شخصي.