قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن المحادثات التي جرت مع روسيا، في العاصمة السعودية الرياض، كانت “جيدة جداً”، متوقعاً عقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية فبراير الجاري.
وامتلأت شاشات القنوات والشبكات العالمية، الثلاثاء، بلقطات اللقاء المنتظر في الرياض بين الوفدين الأميركي، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، والروسي بقيادة نظيره سيرجي لافروف، بعد سنوات من القطيعة والخلافات الحادة التي تصاعدت منذ اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير 2022.
ويمثل الاجتماع الذي استمر 4 ساعات ونصف الساعة في الرياض، لحظة مهمة كونه المرة الأولى التي يجري فيها مسؤولون أميركيون وروس محادثات لبحث ترميم واستعادة العلاقات بين الدولتين عبر تسوية عدد من الملفات العالقة بينهما، مثل الطاقة وإعادة إحياء الحد من سباق التسلح، والأمن الأوروبي (الذي يشمل كذلك حرب أوكرانيا، وتحديات الأمن والسلام في الشرق الأوسط.
فماذا نعرف عن هذه المحادثات؟ وماذا جرى في الرياض؟
متى انطلقت فكرة محادثات الرياض؟
أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ أشهر، رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن استعداده للحوار مع ترمب.
وعقب تنصيبه ودخوله البيت الأبيض في 20 يناير، كرر ترمب الحديث عن رغبته في لقاء بوتين والبدء بمحادثات سلام وعودة موسكو إلى مجموعة السبع، لكن مساعيه تلك أثارت قلق كييف والحلفاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين قالوا إنهم يخشون أن يتوصل البيت الأبيض إلى اتفاق بدونهم.
وتحدث ترمب وبوتين لأكثر من ساعة، الأربعاء، في أول اتصال مباشر معروف بين رئيسين أميركي وروسي منذ أن أجرى بوتين مكالمة مع الرئيس السابق جو بايدن قبل وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
واتفق ترمب وبوتين حينها على “وقف ملايين الوفيات التي تحدث في الحرب مع الروسية-الأوكرانية”، والعمل معاً “عن كثب”، بما يشمل تبادل زيارات البلدين. كما تم الاتفاق على بدء الفرق التفاوضية المعنية بالعمل فوراً.
وعقب ذلك أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أول اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، السبت، حيث بحثا سبل إنهاء الصراع في أوكرانيا، بالإضافة إلى استعادة الحوار الدولي القائم على الاحترام المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة.
واتفق الجانبان حينها على “إجراء اتصالات دورية”، و”التحضير” لقمة بوتين وترمب المرتقبة، كما تم الاتفاق على “إبقاء قناة اتصال مفتوحة لحل المشكلات المتراكمة في العلاقات الروسية الأميركية، بهدف إزالة الحواجز الأحادية الجانب الموروثة من الإدارة الأميركية السابقة، أمام التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري المتبادل المنفعة”، بحسب الخارجية الروسية.
وأفادت موسكو حينها بأن البلدان “ستقومان في أقرب وقت بتنظيم اجتماع للخبراء لإزالة العقبات أمام عمل الممثليات الخارجية”.
لماذا تم اختيار السعودية لاستضافة المحادثات الروسية الأميركية؟
بعد ساعات من المحادثات مع بوتين، توقع ترمب، الذي أجرى اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو الأول مع مسؤول أجنبي بعد توليه المنصب، أن يعقد لقاءً مع الرئيس الروسي في السعودية.
كما أعلن ترمب، الخميس، أن مسؤولين أميركيين وروس سيلتقون بالسعودية، لبحث عودة العلاقات بين الدولتين ومسألة إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأشادت السعودية، التي لديها علاقات مميزة مع كل من الولايات المتحدة روسيا، بالمكالمة الهاتفية، وما أعقبها من إعلان عن إمكانية عقد قمة تجمع بينهما في المملكة.
ما الهدف من محادثات الرياض؟
حددت الولايات المتحدة وروسيا في بيانات مختلفة الأهداف العامة من الاجتماع، والتي شملت بحث مسألة إنهاء الحرب الأوكرانية، وترتيب لقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي.
وعقب اتصال لافروف وربيو، ذكرت موسكو، أنه تم الاتفاق على إزالة “العوائق” التي فرضتها إدارة بايدن، والعمل لاستعادة “الحوار القائم على الاحترام المتبادل”.
كما اتفق الجانبان على “مواصلة الاتصالات لحل المشكلات في العلاقات الثنائية بهدف إزالة العوائق أحادية الجانب التي تعرقل التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري المتبادل التي خلفتها الإدارة السابقة”، و”كيفية تحسين الشروط اللازمة لعمل البعثات الدبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة على نحو سريع”.
من شارك في محادثات الرياض؟
مثل الوفد الروسي خلال محادثات الرياض وزير الخارجية سيرجي لافروف، ومساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف.
وشارك في المفاوضات من الجانب الأميركي، وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.
أما السعودية فمثّلها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني مساعد العيبان.
ما أبرز محاور الاجتماع؟
تضمنت محاور الاجتماع الذي استمر أكثر من 4 ساعات، بحث مسألة تطبيع العلاقات المتوترة بين البلدين، وتعزيز التعاون الاقتصادي، والتوصل إلى تسوية بشأن الحرب في أوكرانيا، إلى جانب ملفات الأمن الدولي، والحد من سباق التسلح، وقضايا فلسطين وسوريا وإيران والعلاقات مع الصين.
ما أبرز مخرجات محادثات الرياض؟
اتفقت موسكو وواشنطن خلال محادثات الرياض التي وصفت بـ”الناجحة” و”الإيجابية”، على عدة مبادئ أساسية سيعمل عليها الجانبان خلال الفترة المقبلة من أجل تحقيقها.
الولايات المتحدة وروسيا تتفقان على 4 مبادئ أساسية
- اتفق الطرفان على الإسراع بتعيين السفراء وبدء المشاورات على مستوى نواب وزراء الخارجية لإزالة القيود على أنشطة البعثات الدبلوماسية في البلدين.
- تعيين الولايات المتحدة لفريق رفيع المستوى للمساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا تتفق عليه جميع الفرق المشاركة في المفاوضات.
- البدء بمناقشة التعاون الجيوسياسي والاقتصادي الذي قد توفره نهاية الحرب في أوكرانيا.
- التزام جميع المشاركين في المحادثات بالتشاور حتى ضمان إحراز تقدم مثمر.
وقال روبيو إن الجانبين اتفقا بصورة أولية على تشكيل فرق من المسؤولين “للعمل بسرعة كبيرة على استئناف عمل البعثتين الدبلوماسيتين”، الروسية في واشنطن، والأميركية في موسكو.
وأضاف روبيو لوكالة “أسوشيتد برس”: “سوف نحتاج إلى بعثات دبلوماسية فعالة وقادرة على العمل بشكل طبيعي، حتى نتمكن من مواصلة هذه القنوات”، لافتاً إلى أنه “لن يتحدث علناً بشأن كيفية استئناف البعثتين عملهما”.
ووفقاً للخارجية الروسية، تم التوافق أيضاً على “استئناف قنوات الاتصال بشأن القضايا الدولية الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية الخاصة التي تتحملها روسيا والولايات المتحدة في مسائل السلام والأمن باعتبارهما قوتين نوويتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، بحسب وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك”.
وقال الكرملين، عقب ذلك، إن الولايات المتحدة اختارت مبعوث الرئيس دونالد ترمب إلى أوكرانيا، كيث كيلوج، ممثلاً لها في المحادثات بين أميركا وروسيا بشأن أوكرانيا.
هل تم بحث مسألة رفع العقوبات عن روسيا في محادثات الرياض؟
لم يبد وزير الخارجية الأميركي، خلال تصريحاته للصحافيين، أي التزام بشأن رفع العقوبات عن روسيا، لكنه قال: “هناك أطراف أخرى فرضت عقوبات، وسيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون على طاولة المفاوضات في مرحلة ما، لأنه فرض عقوبات أيضاً” على موسكو.
وفي ذات السياق، أفاد رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي كيريل دميترييف، لشبكة CNN، بأن مسألة تخفيف العقوبات على روسيا “لم تتم مناقشتها بالتفصيل” خلال محادثات الرياض.
وذكر أن المحادثات كانت تهدف “لتحديد كيفية المضي قدماً، وبحث بعض الخطوات الاقتصادية المشتركة التي يمكننا القيام بها أيضاً في المستقبل، وحل القضايا السياسية المختلفة”.
وشدد دميترييف، على أن روسيا والولايات المتحدة “لا تزالان في بداية الحوار بشأن قضية العقوبات”، مضيفاً أن “الشركات الأميركية خسرت 300 مليار دولار بعد مغادرتها روسيا”، معرباً عن اعتقاده بأن “شركات النفط الكبرى الأميركية ستعود إلى روسيا في وقت ما”.
ماذا قالت روسيا بعد محادثات الرياض؟
اعتبر وزير الخارجية الروسي أن “الوصول إلى توافق كلي مع الولايات المتحدة غير ممكن، لكن الحوار مهم ومفيد جداً”، مشدداً على ضرورة ألا تخرج الخلافات بين موسكو وواشنطن عن الأطر العامة، لافتاً إلى أن العمل جار على تحديد موعد لعقد لقاء بين بوتين ترمب.
وأعلن لافروف، في مؤتمر صحافي بختام محادثات الرياض، عزم بلاده تشكيل مسار خاص مع أميركا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، بعد تحديد فريقي التفاوض بين الجانبين.
وأشار الوزير الذي وصف الاجتماع بـ”الإيجابي”، إلى أن موسكو تنتظر من واشنطن أعضاء وأسماء الوفد الأميركي المنتظر أن يشارك في المفاوضات بشأن أوكرانيا، مستدركاً: “لم يتم تحديد موعد بدء مفاوضات وقف الحرب”.
وأردف: “عقدنا في الرياض مناقشات مثمرة مع الوفد الأميركي، استمع كل طرف إلى الآخر، في أقرب وقت ممكن سيتم الاتفاق على لقاء لمناقشة العديد من المعوقات التي تؤدي إلى صعوبة في العلاقات الثنائية”.
كما اعتبر رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي أن التواصل بدأ بين الوفدين، لكن من السابق لأوانه الحديث عن حلول وسط، واصفاً الاجتماع بأنه “إنجاز ضخم بعد سنوات من العداء”.
وأعرب دميترييف عن اعتقاده أن “من السابق لأوانه الحديث عن حلول وسط. يمكننا القول إن الجانبين بدأ كل منهما التواصل مع الآخر، وبدأ كل منهما الاستماع إلى الآخر، وبدأ الحوار بينهما”.
ماذا قالت الولايات المتحدة بعد محادثات الرياض؟
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، إن المحادثات التي جرت مع روسيا، في العاصمة السعودية الرياض كانت “جيدة جداً”.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان على ثقة من إمكانية التوصل إلى اتفاق مع روسيا عقب محادثات الرياض، أجاب ترمب للصحافيين عقب التوقيع على أوامر تنفيذية: “أنا أكثر ثقة، كانت (المحادثات) جيدة جداً، وروسيا تريد القيام بشيء ووقف الحرب”.
ورأى وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة وروسيا “بدأتا في الانخراط في تحديد الفرص الاستثنائية المتاحة في حال انتهى الصراع في أوكرانيا إلى نهاية مقبولة”، مشيراً إلى أن هناك “فرصاً” للولايات المتحدة من أجل “المشاركة” مع روسيا في “قضايا ذات اهتمام مشترك، ومنها الاقتصادية”.
ماذا بعد محادثات الرياض؟
من المتوقع أن تمهد محادثات الرياض الطريق أمام قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب، الذي توقع إجراء اللقاء بالسعودية قبل نهاية فبراير الجاري.