مع اقتراب حفل تنصيب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لولاية رئاسية ثالثة، الجمعة، بعد فوز مثير للجدل على منافسه إدموندو جونزاليس أوروتيا، أكد مستشار مرشح المعارضة، في مقابلة مع “الشرق”، إصرار جونزاليس على العودة إلى كاراكاس، فيما تتصاعد التوترات بسبب احتجاجات أنصاره على نتيجة الانتخابات، التي تزعم فوز الأخير في انتخابات يوليو الماضي.
وفي هذه الأثناء، عاد جونزاليس، الذي طلب اللجوء في إسبانيا بعد صدور مذكرة اعتقال في كاراكاس، إلى الأميركيتين، حيث قام بجولة بدأها في 3 يناير، وشملت الأرجنتين، حيث اجتمع مع الرئيس اليميني خافيير ميلي، الداعم للمعارضة الفنزويلية.
ثم سافر إلى أوروجواي للقاء الرئيس لويس لاكالي بو، وتلا ذلك زيارة إلى الولايات المتحدة، حيث استقبله الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض. كما وصل الثلاثاء إلى بنما، بينما يخطط لزيارة الدومينيكان قبل محاولة العودة إلى فنزويلا.
وتأتي هذه الجولة مع إعلان جونزاليس نيته العودة إلى فنزويلا في 10 يناير الجاري؛ لتولّي الرئاسة، ومواجهة حكم مادورو بشكل مباشر.
وفي 29 يوليو الماضي، أعلنت لجنة الانتخابات في فنزويلا، فوز مادورو بولاية ثالثة في انتخابات الرئاسة، موضحة أنه حصل على أكثر من 51% من الأصوات.
9 رؤساء سابقين يرافقون جونزاليس
دعم 9 رؤساء سابقين من دول مثل المكسيك، وباراجواي، وكولومبيا، وبوليفيا، عودة جونزاليس، متعهدين بمرافقته. ومع ذلك، صرّحت الحكومة الفنزويلية بأن “هؤلاء القادة السابقين غير مرحب بهم وسيتم التعامل معهم كغزاة إذا دخلوا البلاد”.
وأصبح جونزاليس، الدبلوماسي السابق، رجلاً مطلوباً في فنزويلا بعدما نشر موقع معارض على شبكة الإنترنت تقارير تزعم فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وحذرت حكومة مادورو من أن الشرطة ستنتظر جونزاليس في المطار لاعتقاله إذا حاول العودة، وخلق هذا الموقف المتوتر أجواء من الترقب والمخاوف من توترات يتوقع أن تشهدها البلاد، الجمعة.
ودعت الحكومة أنصار مادورو لحضور أداء اليمين خارج الجمعية الوطنية (البرلمان) و”الدفاع عن الأمة”. وفي الوقت نفسه، لا يزال من غير الواضح كيف يخطط زعيم المعارضة، البالغ من العمر 75 عاماً، العودة إلى فنزويلا.
جونزاليس مُصر على العودة
عضو الكونجرس الفنزويلي السابق ريتشارد بلانكو، ومستشار جونزاليس أكد، خلال زيارته إلى الأرجنتين، في مقابلة مع “الشرق”، أن “رئيس الجمهورية (جونزاليس) سيدخل فنزويلا”. وأضاف: “تم التغلب على الخوف بين الفنزويليين”.
ورفض بلانكو، الذي يعيش في الأرجنتين منذ عام 2019، الكشف عن استراتيجية جونزاليس للعودة، مستشهداً بأخطاء سابقة في الكشف عن الخطط قبل الأوان. موضحاً: “لقد فوجئنا من قبل وفشلنا في تحقيق أهدافنا”.
وعندما سُئل عن خطر اعتقال جونزاليس، كما هددت حكومة مادورو، زعم بلانكو أن “مثل هذه المحاولة تتطلب حملة قمع واسعة النطاق”. وقال: “سيتعين عليهم إعداد السجون في الملاعب الرياضية والجامعات والمدارس لسجن غالبية الفنزويليين لأن الشعب اختار بالفعل إدموندو جونزاليس أوروتيا”، وفق تعبيره.
وخلال زيارة جونزاليس إلى الولايات المتحدة، قال إن صهره، رافائيل توداريس، تم اعتقاله في كاراكاس. ووفقاً لزعيم المعارضة، “كان توداريس يأخذ أطفاله إلى المدرسة عندما اعترضه رجال ملثمون واختطفوه. ولا يزال مكانه غير معروف”.
بدورها، ذكرت زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو أن “منزل والدتها كان محاطاً بقوات الأمن الحكومية”.
وفي بوينس آيرس، تجمع مهاجرون فنزويليون خارج كاسا روسادا، القصر الرئاسي في الأرجنتين، لرؤية جونزاليس، السبت الماضي، وأعربوا عن “أملهم في عودته بنجاح إلى فنزويلا”.
“أمل المنفيين”
بدوره، قال أليخاندرو لابرادور، وهو رجل أعمال فنزويلي يعيش في الأرجنتين منذ 9 سنوات، لـ”الشرق”، إن “جونزاليس الأمل الأخير للعديد من المنفيين”.
وأضاف: “نحن لا نعرف استراتيجيته، لكننا نعلم أن لديه خطة.. إذا لم يحدث ذلك في 10 يناير.. لن يكون إزاحة مادورو عن السلطة بالأمر السهل، لكننا جميعاً ننتظر دخوله إلى فنزويلا”.
وقال طالب جامعي يُدعى ماركو زامبرانو، الذي كان وسط تجمع مع عائلته الفنزويلية، لـ”الشرق”، إن “حكومة مادورو تخشى عودة جونزاليس، وهو ما يتضح من مكافأة قدرها 100 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه”.
وأعرب زامبرانو، الذي يعيش في الأرجنتين منذ عام 2017، عن رغبته في العودة إلى فنزويلا إذا تمت الإطاحة بمادورو. وقال: “أود العودة إلى فنزويلا، هذا ما نأمله جميعاً. كل الفنزويليين يريدون العودة”.
ومع ذلك، تظل حكومة مادورو حازمة في موقفها، إذ أصدر الرئيس مرسوماً، الثلاثاء، ينص على عقد وتفعيل “هيئة الدفاع الشامل”، وحشد القوات المسلحة والشرطة والجماعات المدنية المسلحة لتأمين تنصيبه، وقال مادورو خلال تجمع حاشد: “سنصنع التاريخ مرة أخرى في فنزويلا ونضمن السلام”.
حزب مادورو يتوعد جونزاليس
وأكدت النائبة “التشافيزية” ديفا جوزمان، من الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموّحد، لـ”الشرق”، خطط الحزب لحشد جماهيري في الأيام المقبلة، خارج الجمعية الوطنية لدعم أداء مادورو للقسم. ورفضت وعد جونزاليس بالعودة باعتباره “تكراراً لمحاولة خوان جوايدو الفاشلة للمطالبة بالسلطة في 2019″، ووصفتها بأنها “محاولة جوايدو 2”.
و”التشافيزية” هي أيديولوجية سياسية يسارية تقوم على الأفكار والبرامج وأسلوب الحكومة المرتبط بالرئيس السابق لفنزويلا هوجو تشافيز.
وكانت ديفا جوزمان تشير إلى المعارض جوايدو، الذي كان يرأس البرلمان في فنزويلا، في ذلك الحين الذي أعلن نفسه في 23 يناير عام 2019، رئيساً بالوكالة، على الرغم من أن مادورو كان الرئيس الفعلي، قبل أن يغادر البلاد، حيث يفترض أنه لجأ الولايات المتحدة في أبريل عام 2023، لا سيما أن كاراكاس أصدرت في حقه مذكرة توقيف بتهم استخدام أموال “شركة النفط والغاز” المملوكة للدولة لتمويل مصروفاته.
وقالت النائبة الفنزويلية: “تسعى المعارضة إلى إعادة تمثيل استراتيجية سياسية مضللة”، متهمة جونزاليس بـ”تمثيل قوى دولية يمينية متطرفة لسرقة موارد فنزويلا”.
وأعربت عن اعتقادها بأنه سيكون هناك “مشهد إعلامي” يحيط بمحاولة جونزاليس دخول فنزويلا، مشيرة إلى أن الأخير “كان في فنزويلا، لكنه اختار مغادرة البلاد والهروب من العدالة.. وأن تعهده الآن سيكون مخيباً للآمال لأتباعه لأنه لن يفي به”.
وأدانت جوزمان ما وصفته بمحاولة التدخل “من قبل الرؤساء السابقين (الذين وعدوا بمرافقة جونزاليس) وأولئك الذين يسعون إلى السيطرة على مواردنا.. نحن نواجه عدواً قوياً، لكننا نؤكد على أن الدستور سيظل متمسكاً به.. في 10 يناير، سيتولى مادورو ولايته الثالثة، وما ينتظرنا هو السلام والتنمية والنمو الاقتصادي لأمتنا”.
سيناريو العودة مستبعد
بالنسبة إلى المحللة السياسة، ماريسيلا بيتانكورت، فإن الاحتجاج الذي نظمته زعيمة المعارضة ماتشادو عشية التنصيب، ووعد جونزاليس بالعودة إلى بلاده يبدو “غير معقول”.
وترى بيتانكورت أنه “من غير المرجح للغاية أن يدخل فنزويلا ويتولى منصبه في هيئة تشريعية تسيطر عليها الحكومة، في ظل سياق القمع المنهجي على مدى الأشهر القليلة الماضية”.
وتحدثت عمّا وصفته بـ”عمليات اختفاء جديدة”، حصلت الثلاثاء فقط، “بما في ذلك مدير منظمة غير حكومية ومرشح رئاسي يساري سابق. وتنسب المعارضة هذه الاختطافات، التي نفذها أفراد مجهولون، إلى حكومة مادورو”.