أعرب عدد من زعماء أوروبا عن رفضهم القاطع لتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب باستخدام القوة العسكرية لضم جرينلاند، معتبرين أن المساس بسيادة الأراضي الدنماركية يمثل “انتهاكاً للقانون الدولي”، فيما كانت ردود الدنمارك أكثر حذراً.
وجرينلاند، التي تُعد أكبر جزيرة في العالم، هي إقليم ذاتي الحكم تابع للدنمارك، لكنها ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ورفض ترمب استبعاد العمل العسكري أو الضغط الاقتصادي في محاولاته لضم الجزيرة، وهي التصريحات التي أدلى بها في مؤتمر صحافي الثلاثاء، بينما كان ابنه دونالد ترمب جونيور في زيارة لعاصمة جرينلاند، نوك.
ونقلت شبكة NBC الأميركية عن المستشار الألماني أولاف شولتز قوله للصحافيين في برلين، الأربعاء، إن قادة دول الاتحاد الأوروبي “لن يتسامحوا مع انتهاك حدود الأراضي الدنماركية، والتي تعد السيادة عليها مبدأ من مبادئ القانون الدولي”.
وأضاف: “في مناقشاتي مع شركائنا الأوروبيين، ظهر نوع من عدم الفهم بشأن التصريحات الأخيرة من الولايات المتحدة. مبدأ عدم المساس بالحدود ينطبق على كل الدول، بغض النظر عما إذا كانت إلى الشرق أو الغرب منا”.
وينُص بند الدفاع المشترك في معاهدة الاتحاد الأوروبي على أن جميع أعضاء الكتلة ملزمون بتقديم المساعدة “بكافة الوسائل الممكنة” إذا تعرض أي عضو للهجوم.
رد أوروبي حازم
وذكرت NBC، أن عدداً من كبار المشرعين الأوروبيين تبنوا رداً حازماً على ترمب مماثلاً لشولتز، على الرغم من أنهم أشاروا إلى أن التهديد بالغزو الأميركي للأراضي الدنماركية يعد أمراً “غير موثوق”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في مقابلة مع إذاعة “فرانس إنتر”، الأربعاء، إن انتهاك حدود جرينلاند من قبل دول أخرى هو أمر “غير وارد، ولن يتم التسامح معه”، لكنه أضاف: “إذا سألتني عما إذا كنت أعتقد أن الولايات المتحدة ستغزو جرينلاند، فإن إجابتي هي لا”.
بدوره، أشار المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن هيبسترايت إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية الدفاع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تنُص على أنه “لا يجب تغيير الحدود بالقوة”.
من جانبها، قالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، أنيتا هيبر، في مؤتمر صحافي، إن المفوضية “تتطلع إلى العمل نحو أجندة قوية عبر الأطلسي مع الإدارة الأميركية الجديدة”.
أما الدنمارك، فقد اتخذت نهجاً مزدوجاً بشأن تصريحات ترمب، حيث أكدت التزامها السياسي والاقتصادي إزاء جرينلاند من ناحية، فيما سعت إلى تهدئة أي خلاف محتمل مع إدارة ترمب المقبلة من ناحية أخرى.
وقال وزير الخارجية الدانماركي لارس لوكه راسموسن، إن مخاوف ترمب الأمنية في القطب الشمالي، وهي أحد الأسباب التي ذكرها لرغبته في ضم جرينلاند، تبدو مشروعة في ضوء النشاط المتزايد للصين وروسيا في المنطقة، رافضاً فكرة أن هذه القضية قد أصبحت أزمة في السياسة الخارجية.
وذكرت مورييل دوميناك، السفيرة السابقة لفرنسا لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في منشور كتبته على حسابها على منصة “إكس”، أن “تشاور الدنمارك مع حلفائها في الناتو بشأن الرد على تهديدات ترمب سيكون مُبرَراً من الناحية النظرية”.
“أضرار دائمة”
ويرى الخبراء أن نهج ترمب في التعامل مع الدبلوماسية الخارجية، سواءً كان جاداً أم لا، قد يتسبب في أضرار دائمة.
وفي الإطار، قال جون رابك كليمنسن، من معهد الدراسات الاستراتيجية والحربية في الدنمارك، إن تعليقات ترمب “ستزيد من عدم ثقة الأوروبيين في الولايات المتحدة، كما أنها قد تؤدي أيضاً إلى دفع القادة الأوروبيين للحصول على مزيد من الاستقلالية الاستراتيجية”.
وأضاف أن “الحقيقة البسيطة هي أن أوروبا تعتمد على الولايات المتحدة في المستقبل المنظور، ولذا فإنه سيتعين عليها أن تتعايش مع ترمب بغض النظر عن أي شيء”.
وتابع: “تريد كوبنهاجن تجنب المواجهة العلنية مع ترمب، والتي قد تضر بالعلاقات الأميركية-الدنماركية على المدى الطويل. يأمل الدنماركيون أن تنتهي هذه الأزمة بمرور الوقت”.
وكان ترمب أبدى اهتمامه بجرينلاند منذ فترة ولايته الأولى، وفي الشهر الماضي أخبر الصحافيين أن ضم الولايات المتحدة للجزيرة يعد أمراً ضرورياً للأمن الاقتصادي للولايات المتحدة، وذلك جزئياً بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها من الموارد الطبيعية.
وتعهد ترمب بفرض “رسوم جمركية على الدنمارك بمستوى عالٍ جداً”، ما لم تتخل عن السيطرة على الجزيرة.
وفي حين أن رئيس وزراء جرينلاند موتي إيجيدي كان قد دفع منذ فترة طويلة نحو استقلال الجزيرة عن كوبنهاجن، كما أن وزير خارجيته ترك الباب مفتوحاً لهذا الاحتمال في حديثه مع الصحافيين الأربعاء، فإن إيجيدي رفض في السابق اقتراح ترمب بضمها.