أقر جنرال إيراني كبير في خطاب مسجل، بـ”هزيمة ثقيلة”، لإيران بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ما يكشف عن تناقض صارخ مع تصريحات كبار القادة الذين قللوا من حجم الخسارة الاستراتيجية في سوريا الشهر الماضي، وفق ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، الأميركية.
وقالت الصحيفة، إن خطاب الجنرال بهروز إسباطي في مسجد بطهران، والذي نشره موقع “عبدي” ميديا الإخباري ومقره جنيف، الاثنين الماضي، ناقض تصريحات رئيس إيران مسعود بيزشكيان وغيره من كبار القادة.
وفي 31 ديسمبر الماضي، ألقى إسباطي كلمة بعنوان “الإجابة على أسئلة حول انهيار سوريا” في مسجد وسط طهران، خاطب فيها ضباط الجيش ورواد المسجد.
وبدأت الكلمة بإعلان إسباطي، أنه غادر سوريا على متن آخر طائرة عسكرية إلى طهران في الليلة التي سبقت سقوط نظام الأسد، وانتهت بإجابته على أسئلة الحاضرين، وقدم خلالها “تقييمه الأكثر جدية للقدرة العسكرية الإيرانية في محاربة إسرائيل والولايات المتحدة”.
وبحسب “نيويورك تايمز”، فإن إسباطي شغل منصباً في القوات المسلحة الإيرانية، مع سجل من الأدوار البارزة، بما في ذلك شغله لمنصب القائد العام لقسم الإنترنت في القوات المسلحة.
وأشرف إسباطي في سوريا، على العمليات العسكرية الإيرانية ونسق بشكل وثيق مع الوزراء السوريين ومسؤولي الدفاع ومع الجنرالات الروس، متفوقاً على القائد العام لفيلق القدس، الجنرال إسماعيل قاآني، الذي يشرف على شبكة الميليشيات الإقليمية المدعومة من إيران.
“علاقات متوترة مع الأسد”
وقال إسباطي في الخطاب المسجل: “لا أعتبر خسارة سوريا شيئاً يدعو للفخر. لقد هُزمنا، وهُزمنا بشدة، وتلقينا ضربة قوية للغاية وكان الأمر صعباً للغاية”.
وكشف إسباطي أن علاقات إيران مع الأسد كانت متوترة لعدة أشهر، ما أدى إلى الإطاحة به، قائلاً إن “الرئيس السوري رفض طلبات متعددة للميليشيات المدعومة من إيران لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا، في أعقاب الهجوم الذي قادته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023”.
وقال إسباطي: “قدمت إيران للأسد خططاً عسكرية شاملة حول كيفية استخدامها للموارد العسكرية الإيرانية في سوريا لمهاجمة إسرائيل”.
واعتبر إسباطي أن “سقوط نظام الأسد كان لا مفر منه في ضوء الفساد المستشري والقمع السياسي والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها البلاد”، وقال إن الأسد “تجاهل التحذيرات بالإصلاح”، فيما اتهم روسيا، التي تعد حليفاً رئيسياً لطهران، بـ”تضليل إيران بإخبارها أن الطائرات الروسية كانت تقصف الفصائل المسلحة، بينما كانت في الواقع تسقط قنابل على حقول مفتوحة”.
وقال في هذا الصدد: “في العام الماضي، عندما ضربت إسرائيل أهدافاً إيرانية في سوريا، أغلقت روسيا الرادارات، ما سهل هذه الهجمات فعلياً”.
وجود إيراني
وتابع إسباطي خطابه، قائلاً إن إيران “ستبحث عن طرق لتجنيد رجالها في أي شكل قد تتخذه سوريا الجديدة”، مضيفاً: “يمكننا تفعيل جميع الشبكات التي عملنا معها على مر السنين، كما يمكننا تفعيل الطبقات الاجتماعية التي عاش رجالنا بينها لسنوات؛ يمكننا أن نكون نشطين في وسائل التواصل الاجتماعي ويمكننا تشكيل خلايا مقاومة”.
وأضاف: “الآن يمكننا العمل هناك كما نفعل في الساحات الدولية الأخرى، وقد بدأنا بالفعل”.
وعلى الرغم من تأكيداته بشأن تفعيل الشبكات، فإنه لا يزال من غير الواضح ما الذي تستطيع إيران أن تفعله واقعياً في سوريا، نظراً للمعارضة الشعبية والسياسية التي تواجهها والتحديات التي تلقاها في الوصول إلى سوريا براً وجواً.
وعندما سُئل عما إذا كانت إيران ستنتقم لاغتيال إسرائيل الأمين العام لجماعة “حزب الله” اللبنانية حسن نصر الله، أجاب بأن إيران “فعلت ذلك بالفعل”، في إشارة إلى وابل الصواريخ الذي أطلقته في الخريف الماضي.
وحول ما إذا كانت إيران تخطط لتنفيذ جولة ثالثة من الضربات المباشرة على إسرائيل، قال إسباطي إن “الوضع الآن لا يحتمل التعامل مع هجوم آخر على إسرائيل”.
وعندما سُئل عن سبب عدم إطلاق إيران صواريخ على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، قال إن ذلك من شأنه أن يدعو الولايات المتحدة إلى شن هجمات انتقامية أكبر على إيران وحلفائها، مضيفاً أن “الصواريخ الإيرانية العادية وليس المتقدمة، لا تستطيع اختراق أنظمة الدفاع الأميركية المتقدمة”.
ورغم هذه التقييمات، قال إسباطي إنه “يريد أن يطمئن الجميع، بأن إيران وحلفاءها ما زالوا يتمتعون باليد العليا على الأرض في المنطقة”.
تساؤلات حول الخطاب
وبينما تتمتع إيران بخبرة العمل في العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، بما في ذلك زرع الاضطرابات، فإن الجغرافيا والمشهد السياسي في سوريا يختلفان، ما يطرح المزيد من التحديات، وفق “نيويورك تايمز”.
وفي السياق، قال مهدي رحمتي، وهو محلل بارز في طهران وخبير في الشؤون السورية، في مقابلة هاتفية مع “نيويورك تايمز” إن خطاب إسباطي “أظهر أن بعض كبار المسؤولين كانوا منفصلين عن الدعاية الحكومية ويتحدثون بصراحة مع الجمهور”.
وأضاف: “يتحدث الجميع عن الخطاب في الاجتماعات ويتساءلون لماذا قال هذه الأشياء، وخاصة في منتدى عام، لقد شرح بوضوح شديد ما حدث لإيران وأين تقف الآن. بطريقة ما يمكن أن يكون بمثابة تحذير للسياسة الداخلية”.
بدوره، قال عضو إيراني في الحرس الثوري قضى سنوات في العراق كإستراتيجي عسكري إلى جانب كبار القادة، لم تذكر الصحيفة اسمه، إن تصريحات إسباطي بشأن تجنيد إيران لخلايا في سوريا “ربما تكون أكثر طموحاً من كونها عملية في هذه المرحلة”.
وأضاف: “في حين اعترف إسباطي بهزيمته الخطيرة، فإنه سعى أيضاً إلى تعزيز الروح المعنوية وتهدئة المحافظين الذين يطالبون إيران بالتصرف بقوة أكبر”.
من جانبه، قال مسؤول في الحرس الثوري، طلب عدم ذكر اسمه، إن سياسة إيران في هذا الشأن، لم تحسم بعد، مضيفاً: “إيران ستستفيد إذا انزلقت سوريا إلى الفوضى، لأن طهران تعرف كيف تزدهر وتضمن مصالحها في بيئة مضطربة”.
يشار إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي، قال في خطابين منذ سقوط الأسد إن “المقاومة لم تمت في سوريا”، وأضاف أن “شباب سوريا سيستعيدون بلادهم من المتمردين الحاكمين، الذين وصفهم بأنهم عملاء لإسرائيل والولايات المتحدة”، وفق وصفه.
وكان الرئيس مسعود بيزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي أكثر ميلاً إلى المصالحة، حيث قالا إنهما “يفضلان الاستقرار في سوريا والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الجديدة”.