تستعد أوكرانيا لمواجهة شتاء قارسٍ، مع تفاقم أزمة نقص الطاقة بسبب الهجمات الروسية المستمرة، بينما يسابق آلاف الأوكرانيين الزمن لإعادة بناء وحماية وتطوير نظام الطاقة الذي فقد نصف طاقته الإنتاجية، وفق مجلة “بوليتيكو”.
وذكرت النسخة الأوروبية من المجلة، الاثنين، أن الهجمات الجوية الروسية جعلت التحدي أكثر صعوبة، إذا جعلت أوكرانيا تعتمد بشكل أساسي على البنية التحتية النووية، التي لا تزال غير محمية من الضربات الصاروخية، في ظل عدم وجود وقت كافٍ لإصلاح هذا الوضع.
وتستعد أوكرانيا لأعنف شتاء منذ بداية الحرب، بعدما دمر القصف الروسي بعيد المدى ما قال مسؤولون إنه قرابة نصف قدرتها على توليد الطاقة، فيما تقول روسيا إن منشآت الطاقة “أهداف مشروعة”، عندما تكون جزءاً من البنية التحتية العسكرية الأوكرانية.
ترشيد استهلاك الطاقة
ويتوقع خبراء تطبيق إجراءات لترشيد استهلاك الطاقة من شأنها أن تجبر الناس على العيش بدون كهرباء لفترات طويلة خلال اليوم.
وإذا تزامن ذلك مع موجات برد قارس وضربات مدمرة على منشآت نووية، ربما تصل فترات انقطاع الكهرباء في أوكرانيا إلى 20 ساعة يومياً، حسبما قال أوليكساندر خارشينكو، المدير التنفيذي لمركز أبحاث صناعة الطاقة، ومستشار الحكومة الأوكرانية في هذا المجال، للصحيفة.
وسيترتب على ذلك انعدام التدفئة في المنازل، وغياب الطاقة عن المصانع الحيوية خلال فترة الحرب، ومغادرة العديد من الأوكرانيين البلاد بحثاً عن ملاذ آمن، وفق “بوليتيكو”.
بدورها، قالت فيكتوريا جريب، النائبة المستقلة ورئيسة اللجنة الفرعية لأمن الطاقة في البرلمان الأوكراني، للصحيفة: “أنا قلقة للغاية”.
وأضافت: “الوضع حرج جداً، وآمل أن يقدم لنا الشركاء الدوليون المساعدة في أقرب وقت ممكن”، معربة عن اعتقادها بأن “المزيد من الناس سيغادرون أوكرانيا كلاجئين وسيذهبون إلى أوروبا”.
وأشارت “بوليتيكو” إلى أن حلفاء أوكرانيا يتشاركون هذا التقييم، بينما تناشدهم كييف بسرعة تقديم المساعدة. ونقلت عن مسؤول كبير في الولايات المتحدة، طلب عدم كشف هويته: “نتوقع شتاءً قاسياً للغاية. الناس سيموتون في منازلهم لأن روسيا تستهدف البنية التحتية للطاقة”.
تدمير محطات الكهرباء
ومنذ بداية حرب أوكرانيا في فبراير 2022، كان فصل الشتاء يُشكل تحدياً لأوكرانيا، لكن الشتاء المقبل سيأتي بعد شهور طويلة من الضربات الجوية الروسية، التي استهدفت البنية التحتية للطاقة في البلاد.
وحتى أواخر أغسطس الماضي، أطلقت موسكو أكثر من 200 صاروخ وطائرة مُسيرة على منشآت إنتاج الطاقة في أوكرانيا، ما ساهم في حملة أدت إلى تقليص قدرة أوكرانيا على توليد الكهرباء بأكثر من 9 جيجاوات، وفقاً لجينادي ريابتسيف، كبير الباحثين في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، والخبير في أسواق الطاقة.
وأشار ريابتسيف إلى تدمير 8 محطات كهرباء وأكثر من 800 منشأة تدفئة، متوقعاً أن “السيناريو الأكثر واقعية” الذي تواجهه البلاد هذا الشتاء، يتضمن إجراءات لتحديد “إمدادات الكهرباء للصناعة والمنازل لفترات تتراوح بين 8 إلى 14 ساعة يومياً”.
وتابع: “من الواضح أن الضربات الروسية ستستمر، ولا شيء يضمن حماية المنشآت التي أُعيد بنائها بعد تضررها من الهجمات، بسبب نقص أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي متعددة المستويات”.
وحذّر أوليكساندر خارشينكو، المدير التنفيذي لمركز أبحاث صناعة الطاقة، من أن شن هجمات على محطات الطاقة النووية في أوكرانيا سيكون أمراً “بالغ الخطورة”.
وأوضح أن المفاعلات في كييف، توفر حالياً 60% من إجمالي إنتاج الطاقة في البلاد، وأي ضربات صاروخية على البنية التحتية الداعمة لتلك المحطات ربما تعطل عملها بالكامل.
أزمة إنسانية
والشهر الماضي، حضت أوكرانيا الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة، خشية أن تستهدف روسيا قريباً بنيتها التحتية النووية. وحذر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في كلمته أمام الأمم المتحدة من أن مثل هذه الهجمات ربما تؤدي إلى “كارثة نووية”.
وتزداد خطورة المسألة النووية جزئياً بسبب تراجع احتياطيات أوكرانيا الأخرى من الوقود.
وقالت آورا سابادوس، الخبيرة في أسواق الطاقة في أوروبا الشرقية لدى شركة ICIS للاستشارات، إن “إمدادات الغاز في البلاد ربما لا تكفي لتلبية الطلب هذا الشتاء”، مضيفة أن كييف “غير واثقة” في قدرتها على تحقيق أهداف ملء مخزون الغاز.
وأضافت سابادوس، أن غياب التجار والشركات الغربية هذا العام، أدى إلى تفاقم الوضع، إذ أبدوا “تردداً في ضخ الغاز في المخازن بسبب الهجمات الروسية المتكررة وهامش الربح الأقل جاذبية”.
وفي أسوأ السيناريوهات، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 10 درجات مئوية تحت الصفر، وتتعرض محطات الطاقة النووية في البلاد للتعطيل من قبل موسكو، ربما تواجه أوكرانيا انقطاعاً في الكهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة يومياً، بحسب خارشينكو.
وقالت “بوليتيكو”، إن هذا من شأنه أن يخلق أزمة إنسانية أخرى في أوروبا، لافتة إلى أن أوكرانيا وشركاءها يسعون الآن إلى تجنب أسوأ النتائج.
وأشار المدير التنفيذي لمركز أبحاث صناعة الطاقة، أوليكساندر خارشينكو، إلى أنه في أبريل الماضي، أمرت كييف الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بحماية منشآت توليد الطاقة في البلاد.
وأوضح خارشينكو، أن هذه التدابير تتضمن استخدام أكياس الرمل وجدران الحماية المعدنية المملوءة بالحصى على مستوى الحماية الأدنى، وأغطية خرسانية سميكة على مستوى الحماية الأعلى.
وأضاف أن الدفاعات “تعمل بشكل جيد” ضد الطائرات المُسيرة وبعض الصواريخ، لكنها لا تستطيع تحمل الضربات المباشرة من الصواريخ الكروز الأكثر قوة مثل صاروخ “كيه إتش-101”.