على غير المتوقع كان الجو دافئاً، حين انفتحت أبواب معرض القاهرة الدولي للكتاب 56 أمام الجمهور، وبحسب بيان هيئة الكتاب الجهة المنظّمة، تردّد عليه أكثر من 400 ألف شخص في يومه الأول فقط، وتخطى المليون زائر خلال الأيام الثلاثة الأولى.
وأكد وزير الثقافة أحمد فؤاد هَنّو، “أن المعدلات الجماهيرية الكبيرة التي شهدها المعرض، في غضون ثلاثة أيام، تمثّل انطلاقة حيوية جادة تجسّد قيمة الثقافة لدى المصريين، وتعكس مدى شغفهم بالمعرفة”، وتوقّع أن تشهد الدورة الحالية “معدلات متفرّدة”.
مع ذلك، ثمة من يعتقد أن معارض الكتب أصبحت “كرنفالاً ثقافياً”، أكثر من كونها سوقاً لبيع الكتب، مقابل من يرى أن الكتاب الورقي مازال صامداً في عصر “الصورة”.
فهل حقاً هناك رواج، وهل حصول الكتب على جوائز يسهم في انتشارها وشرائها، وماذا اشترى الجمهور في الأيام الأولى؟ أسئلة نكتشف من خلالها مزاج وانطباعات الجمهور وأحوال الناشرين.
حول تأثير الجوائز على المبيعات قال محمود حربي (دار تنمية): “تُحدث الجوائز فرقاً واضحاً، خصوصاً إذا كانت جائزة مرموقة ولجنة التحكيم لها ثقلها. مثلاً لو لدينا رواية جيدة وحقّقت مبيعات ألف نسخة، ثم نالت جائزة، يرتفع توزيعها إلى عشرة آلاف”.
أضاف: أذكر أن “موت صغير” لمحمد حسن علوان، تخطّت سبعين طبعة. والأمر ينطبق على بعض الروايات العالمية، مثل “قواعد العشق الأربعون” التي تجاوزت تسعين طبعة في ترجمتها العربية”.
من جانبه يؤكد عمرو مغيث (بيت الحكمة)، “أن ترشيحات الكتب لقوائم طويلة أو قصيرة، يفيدنا كناشرين أيضاً، وقبل عام تقريباً، حصلنا على جائزة أفضل كتاب في النقد الأدبي مناصفة بين كتابي “النقد الثقافي” و”التماسك النصي في الشعر العربي”.
تابع: “ومنذ خمس سنوات نحصل على جائزة أفضل كتاب مترجم سواء للطفل أو الكبار، منها كتاب “موسوعة تاريخ الصين”، الذي حصل على جائزة الشيخ حمد للترجمة، وكتاب “الفتى الذي يشبه السندباد”، تمّ ترشيحه لجائزة الشيخ زايد، لذلك الجائزة أو الترشيح بمثابة تكريم معنوي للناشر وتقدير لجهده في تقديم مُنتج جيد، وجهد المؤلف أيضاً”.
أما الروائي أحمد القرملاوي (دار ديوان) فيقول: “ليس للجوائز الأهمية ذاتها، وهنا لا أتحدث عن القيمة المادية، لأنها قد تكون كبيرة جداً، لكن الجائزة التي لا تهتم بالجانب الإعلامي والتسويقي لا تترك تأثيراً ملموساً. وربما تفيد الكاتب أكثر من الناشر كتقدير مادي”.
وأوضح أن الدار “طبعت دواوين شعرية فازت بجوائز، مع ذلك لم تحقّق رواجاً. أما أكثر الكتب مبيعاً حالياً فهي “الرواية المسروقة” بسبب ترشيحها لجائزة “بوكر” التي تحظى بمتابعة إعلامية مميزة، لذلك ارتفع فوراً مؤشّر مبيعاتها”.
علي راشد (دار المحرر)، يرى أن الجوائز “دائماً مثيرة للاهتمام، وبعضها يشكّل دعاية سلبية، لذلك هناك من يتعامل معها كمصدر ثقة لجودة الكتاب، والبعض الآخر يحرّكه الفضول لمعرفة مدى الاستحقاق بالفوز”.
يضيف: “بالنسبة لنا لا نتوقف كثيراً عند مسألة الجوائز على الرغم من أهميتها، ونراهن على عناوين كثيرة حظيت برواج، سواء الروايات أو الكتب التي تهتم بتاريخ الفنون، ومنها كتاب “سايكو سينما”، بينما الشعر والمسرح والدراسات الأدبية، فلا يوجد اهتمام كبير بها”.
تقليل التكاليف
وحول ارتفاع الأسعار نسبياً، قال محمود حربي: “أي ناشر من مصلحته أن يبيع كتبه وتكون في متناول الجميع، لكن هناك أمور معقّدة تتدخل في سعر الكتاب، لها علاقة بأسعار الورق وتصميم الأغلفة والتدقيق اللغوي وحقوق الترجمة والتوزيع، وتعرض بعض الكتب للتزوير. لذلك هناك فجوة بين سعر الكتاب والقدرة الشرائية للقارئ المصري”.
وأشار إلى عامل مهم يسهم في تقليل التكاليف ويضاعف الرواج، وهو “الطبعات المشتركة” بين أكثر من دار، “ومثلاً نشرنا طبعة مصرية من رواية “قناع بلون السماء” لباسم خندقجي، الصادرة عن دار الآداب، والحائزة على جائزة “بوكر”، وحتى الآن بعنا منها ثلاث طبعات.
بينما لفت أحمد القرملاوي إلى دور الكلاسيكيات في إنعاش سوق الكتاب، نتيجة استمرار الطلب عليها وقال: “بالنسبة لنا نعتمد في “ديوان” على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ ورقياً. صحيح أنها متاحة إلكترونياً، وأحياناً يتم تزويرها، ومع ذلك مازالت مطلوبة وهناك جمهور جديد من القرّاء يبحث عنها”.
وأوضح أن الدار “أخذت مساراً مغامراً بإعادة تقديم روايات محفوظ بأساليب مبتكرة “الجرافيك” أو “الكوميكس”، أو ما يسمى الرواية المصوّرة التي تحظى باهتمام اليافعين والكبار . وحتى اليوم نراهن على أعمال محفوظ لتحقيق جدوى من عملية النشر”.
وعلى الرغم من إقراره بارتفاع تكلفة الكتاب، أكد عمرو مغيث، “أن الخصومات كبيرة وتصل إلى 35% لتحفيز الناس على الشراء”.
إصدارات فكرية
يبدو أن الرواية تستأثر بحصّة الأسد في المبيعات، لكن هذا لا ينفي رواج أنواع أخرى من الكتابة. وبحسب محمود حربي، “فإن كتاب “أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي”، باع أربع طبعات حتى الآن، وهو يتناول جانباً من سيرة كوكب الشرق وجهدها في دعم وطنها عقب النكسة”.
كما أكد عمرو مغيث، “أن الأعمال الفكرية مازالت تحظى باهتمام القرّاء أكثر من الروايات، لأن جمهورها أوسع، ومهما مرّ الزمن عليها فهي تبقى مرغوبة. لكن ما نفخر به في المعرض إصدار “بورتريهات” الكاتب الراحل خيري شلبي في سبع مجلدات”.
ترشيحات
الروائي الشاب كريم علي، حدّثنا وهو يلتقط بعض الكتب التي اشتراها قائلاً: “حالياً أنا مهتم بعصر المماليك وخصوصاً ما كتبه هاني حمزة، وكذلك السير الذاتية ومنها سيرة دوستويفسكي”.
الكاتب الشاب أحمد صلاح، أطلعنا على أهم العناوين التي اقتناها قائلاً: “اشتريت الكثير من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب، لأنها متنوّعة ما بين روايات ومسرح ونقد فني وسينما، والأعمال الكاملة للشاعر فؤاد حداد، وكلها بأسعار مقبولة للجميع. اشتريت من دار الشروق كتاب عاطف معتمد “صوت المكان”، وكتاب محمد أبو الغار “الفيلق المصري” من دار العين.
علي يوسف طالب آداب لغة عربية قال: “اشتريت “من هم اليهود” للمسيري، وكتب الشيخ عبد المتعال الصعيدي باعتباره من المجددين”.
الطالبة الجامعية تقى أحمد قالت: “أركز على كتب التنمية وتطوير الذات وكتب العلاقات، ومنها كتب غادة كريم في دار دوّن، وروايات الجريمة والغموض”.
عوالم موازية
إلى جانب أربع صالات كبيرة، يقام في الساحة المفتوحة أمام “صالة “1 مسرح حافل بالعروض والفرق الموسيقية، وغير بعيد عنها منطقة المطاعم العامرة بالجمهور، بينما خصّصت إدارة المعرض أكثر من قاعة لمناقشة الروايات والكتب الفكرية والأمسيات الشعرية.
أمام الصالات الأربع نصبت خيمتان كبيرتان، الأولى عليها ازدحام شديد لأنها خاصة بسور الأزبكية وبيع الكتب المستعملة، والأخرى شبه خاوية وخاصة بالكتب الأجنبية مرتفعة السعر نسبياً.
وفي جميع الطرقات والأروقة، يسير أطفال مع عوائلهم، شباب وباحثون، وكرنفال ملابس لزوّار من الخليج ومن آسيا، خصوصاً ممن يدرسون في الأزهر الشريف، وطوابير ممتدة لبعض الكُتّاب من ذوي الشهرة الواسعة في “السوشال ميديا”.