عاشت كوريا الجنوبية ليلة دراماتيكية بعد إعلان رئيسها يون سوك يول، المعروف بمواقفه المحافظة، فرض الأحكام العرفية، وبدأ الجيش تحركاته لحظر جميع الأنشطة السياسية بما في ذلك أنشطة الجمعية الوطنية (البرلمان) الذي مرر مشروع قانون بالأغلبية يطالب بـ”رفع الأحكام العرفية”.
وبعد ساعات من الإعلان تراجع الرئيس الكوري عن قراره الذي وصفته المعارضة بـ”الانقلاب”، كما أعلن مجلس الوزراء قراره برفع الأحكام العرفية، في خطوة أثارت تساؤلات عن سبب اتخاذ يون هذا الإجراء المفاجئ، وسط تصاعد الخلافات مع الأحزاب المعارضة له.
تحديات وفضائح
ويواجه يون فترة رئاسية مليئة بالتحديات والفضائح منذ انتخابه عام 2022، إذ فاز حينها بفارق أقل من 1% من الأصوات، وهي نتيجة اعتبرها البعض رفضاً لسلفه التقدمي لي جاي-ميونج أكثر من كونها دعماً له شخصياً، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وارتبط يون خلال فترة حكمه، بموجة من المشاعر المناهضة للنسوية، مما زاد من الانقسامات داخل المجتمع الكوري الجنوبي.
واعتبرت صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية أن رئاسة يون اتسمت بـ”انخفاض الشعبية” و”الخلل السياسي”، لافتةً إلى أنها بلغت ذروتها، الثلاثاء، بإعلانه الأحكام العرفية في البلاد لأول مرة منذ أكثر من 4 عقود.
وأوضحت أن يون واجه منذ بداية ولايته “تحديات خطيرة”، إذ تولى السلطة مع انخفاض معدلات التأييد، وهمينة المعارضة على البرلمان.
ومنذ توليه منصبه، وجد رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول نفسه في مواجهة سياسية شبه دائمة مع المعارضة التي تسيطر على البرلمان، في ظل تراجع حاد في شعبيته، وفقاً لأخر استطلاعات الرأي.
وتتهم المعارضة بشكل دائم يون، الذي يُنظر إليه كرئيس مثير للانقسام في كوريا الجنوبية، بالتآمر لشن “تمرد” و”محاولة الإطاحة بالديمقراطية الحرة”.
ودخل يون في معارك مختلفة مع المعارضة في مجالات حاسمة منها التعليم، إذ اضطر إلى التخلي عن خطة لجعل الأطفال يبدأون الدراسة قبل عام واحد من السن المحدد، وكذلك في مجال الصحة، حيث نفذ الأطباء إضراباً لمدة طويلة بسبب انخفاص الأجور وتفاقم الظروف المعيشية، بحسب الصحيفة البريطانية.
ومنذ انتخابه قبل قرابة عامين، استخدم يون الدعاوى القضائية والجهات التنظيمية الحكومية والتحقيقات الجنائية للحد من الخطاب الذي وصفه بـ”المعلومات المضللة”، إذ استهدفت هذه الجهود بشكل كبير المؤسسات الإعلامية، وداهمت الشرطة وممثلون للادعاء العام منازل ومكاتب صحافيين اتهمهم مكتبه بنشر “أخبار كاذبة”.
وواجه الرئيس الكوري الجنوبي كذلك اتهامات باستغلال سلطته لتعزيز مصالحه الشخصية، كما وجهت إليه هذا العام تهمة الضغط على وزارة الدفاع لتعديل نتائج تحقيق في وفاة أحد جنود البحرية الكورية الجنوبية عام 2023.
تحول مثير
ومر الرئيس الكوري، قبل توليه هذا المنصب، بتحول مثير من مدعٍ عام في عهد الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جيه-إن إلى الرئيس المعارض، الذي خلف مون متعهداً بإقامة مجتمع عادل يقوم على الفطرة السليمة وحكم القانون.
وبرز يون، البالغ من العمر 63 عاماً، بعد تحقيقه، وهو مدعٍ بالنيابة، في قضايا الفساد رفيعة المستوى في ظل إدارة الرئيسة المحافظة السابقة المعزولة بارك كون-هيه، بما في ذلك فضيحة الفساد الهائلة التي أطاحت بها من السلطة وأدت إلى سجنها.
وفي عهد مون، تم تعيين يون في منصب المدعي العام، لكنه سرعان ما تدهورت العلاقة بينه وبين الإدارة الليبرالية لاستهدافه الدائرة المقربة من الرئيس السابق مون في تحقيقاته.
ومع تنامي الاستياء العام من إدارة مون، برزت الدعوات إلى ترشح يون عن حزب المعارضة الرئيسي، حزب سلطة الشعب.
وقبل عام واحد فقط على انتخابات 2022، استقال يون من منصبه في النيابة العامة بعد صراع مرير مع الإدارة. وعقب ذلك بمدة وجيزة، أطلق حملته الرئاسية وانضم إلى الحزب المعارض، وفاز بترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية.
زوجة يون
واعتبرت “نيويورك تايمز” أن زوجة الرئيس، كيم كيون هي، محوراً لبعض المشكلات التي واجهها يون، ففي أواخر العام 2023، ظهرت لقطات مصورة تُظهر كيم وهي تتلقى حقيبة “ديور” بقيمة 2200 دولار كهدية.
وأثارت هذه الحادثة جدلاً كبيراً داخل حزبه السياسي، وأصبحت قضية مهمة قبيل الانتخابات البرلمانية.
وحصل الحزب الديمقراطي المعارض على 175 مقعداً في الجمعية الوطنية المكونة من 300 مقعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أبريل.
كما واجهت كيم اتهامات بالتورط في قضية تلاعب بأسعار الأسهم قبل انتخاب زوجها، فيما مرر البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، العام الماضي، مشروع قانون يلزم تعيين مدعٍ خاص للتحقيق في تلك الادعاءات، إلا أن يون استخدم حق النقض “الفيتو” لإيقافه.
العلاقات مع بيونج يانج
وشهدت العلاقات بين الكوريتين تدهوراً غير مسبوق منذ تولي الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول منصبه. فعلى مدى عقود، كانت العلاقة بين الكوريتين، اللتين لم توقعا معاهدة سلام بعد انتهاء الحرب الكورية (1950-1953) بهدنة، تتأرجح بين محاولات التهدئة والتصعيد العسكري.
ومع ذلك، اتسم زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون بسلوك غير متوقع وعدائي، حيث استمر في تطوير الأسلحة النووية، وتزويد روسيا بالذخائر والقوات لدعمها في حربها ضد أوكرانيا.
وتبنت كوريا الشمالية موقفاً أكثر تشدداً، إذ أوقفت جميع أشكال الحوار مع سول وواشنطن، وكثّفت تجاربها على صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. كما أعلنت أن كوريا الجنوبية ليست شريكاً لإعادة التوحيد، بل عدواً يجب ضمه في حال اندلاع حرب.
وفي المقابل، اتبع الرئيس يون نهجاً تصادمياً مع بيونج يانج، داعياً إلى نشر مفهوم الحرية في كوريا الشمالية بهدف كسر التعتيم الإعلامي هناك، كما وسّع نطاق التدريبات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة واليابان.