يواجه رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه، الأربعاء، تصويتاً بحجب الثقة من المرجح أن يطيح به وبمجلس وزرائه، ما يترك البلاد بدون حكومة أو ميزانية مع دخول العام الجديد، ما سيدفع ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
وقال بارنييه، المنتمي إلى يمين الوسط، أمام البرلمان، الاثنين، إنه سيدفع بميزانية الضمان الاجتماعي المقترحة من قبل الحكومة دون الحاجة إلى تصويت، باستخدام إجراء دستوري يُعرف بالمادة 49.3، وهو ما ترفضه المعارضة.
وقدم حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبان، إلى جانب تحالف يساري، اقتراحات، الاثنين، لعقد تصويت حجب الثقة ضد الحكومة. ولا تملك أحزاب الائتلاف الحاكم الذي يدعم بارنييه الأعداد الكافية لمواجهة تحرك جماعي من المجموعتين.
وما لم تحدث مفاجأة في اللحظات الأخيرة، سيكون ائتلافه “الهش” أول حكومة فرنسية تُجبر على الخروج من خلال تصويت بحجب الثقة منذ 1962.
وفي مقابلة تلفزيونية الثلاثاء، قال بارنييه إنه لا يزال يعتقد أن حكومته، يمكن أن تنجو من التصويت المقرر الأربعاء، بعد مناقشة تبدأ في الساعة الرابعة مساء بالتوقيت المحلي (15:00 بتوقيت جرينتش).
لكن حزب التجمع الوطني أوضح الأربعاء، أنه سيصوت للاطاحة ببارنييه إلى جانب الأحزاب اليسارية. ولدى اليسار واليمين المتطرف مجتمعين ما يكفي من الأصوات للإطاحة بالحكومة. ورداً على سؤال عما إذا كان حزب التجمع الوطني سيدعم تصويت حجب الثقة، قالت النائبة لور لافاليت لقناة “تي إف 1” التلفزيونية “بلا شك”.
ويعارض سياسيون من اليسار واليمين المتطرف ميزانية بارنييه التي تسعى لكبح العجز العام المتزايد في فرنسا من خلال توفير 60 مليار يورو عن طريق زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
المادة 49.3
استشهد بارنييه بالمادة 49.3 لتمرير قانون الموازنة دون موافقة البرلمان، وبينما تسمح هذه الآلية للحكومة بتجاوز التصويت البرلماني، فإنها تعرض إدارة بارنييه أيضاً لاقتراح بحجب الثقة.
وألمحت لوبان إلى أن حزبها سيدعم مثل هذا الاقتراح ما لم يتم تلبية مطالبه بالكامل، ما يزيد من الضغوط على رئيس الوزراء.
وتسمح المادة 49.3 من دستور فرنسا للحكومة بإقرار تشريع جديد دون موافقة البرلمان، ولكن في المقابل تمنح النواب فرصة الطعن في هذا القرار من خلال تقديم اقتراح بحجب الثقة في غضون 24 ساعة. يجب التصويت عليه في غضون 48 ساعة.
وقالت صحيفة “لوموند”، إن الاستعانة بالمادة 49.3 تؤكد على الأزمة السياسية والمالية الخطيرة التي تواجهها حكومة الأقلية بقيادة بارنييه في محاولتها تمرير ميزانية 2025، والتي تهدف إلى خفض العجز الوطني المتزايد في فرنسا.
وفي مقابلة مع قناتي TF1 وFrance 2، قال بارنييه: “إنها ليست مسألة بقاء سياسي بالنسبة لي”، وأضاف: “هذه هي المرة الأولى منذ عام 1958 التي لا توجد فيها أغلبية على الإطلاق. لا أغلبية ممكنة بين 3 مجموعات رئيسية. أعلم أن هذا وضع هش وزائل”.
وبعد الانتخابات البرلمانية في يونيو ويوليو، انقسمت الجمعية الوطنية (البرلمان)، إلى 3 كتل رئيسية: ائتلاف يساري يُعرف باسم “الجبهة الشعبية الجديدة”، وحلفاء ماكرون الوسطيين وحزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف. لم يفز أي منهم بأغلبية صريحة.
وفي حال سقوط الحكومة، يقدم دستور فرنسا عدة سيناريوهات قد تبقي شؤون البلاد في حالة من النظام إلى حد ما، على الأقل في الأمد القريب. فالمؤسسات الفرنسية قوية نسبياً، وتنص قوانين البلاد على الاستمرارية في غياب الحكومة والميزانية، حسبما نقلت “واشنطن بوست”.
ولكن هناك ثمن قد تدفعه فرنسا، فالمستثمرون يبيعون بالفعل الأسهم والسندات الفرنسية، ما يرفع تكاليف الاقتراض في البلاد، كما أن الاضطرابات السياسية التي عصفت بفرنسا، منذ دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة في الصيف الماضي، تتفاقم.
وفي مقابلة تلفزيونية الثلاثاء، أعرب بارنييه عن أمله في أن يظهر المشرعون “حساً وطنياً” للحفاظ على حكومته، وحذر من ارتفاع أسعار الفائدة والفوضى إذا لم يتم تمرير الموازنة.
“تأثيرات عاصفة”
وإذا ما انهارت الحكومة الفرنسية فإن ذلك سيحدث فراغاً في قلب الاتحاد الأوروبي، في وقت تعيش فيه ألمانيا على وقع انقسام حكومي، قبل أسابيع فقط من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وقد يطلب ماكرون من بارنييه البقاء في دور القائم بأعمال رئيس الوزراء بينما يسعى إلى رئيس وزراء جديد، وهو ما قد يحدث العام المقبل فقط.
ومن المرجح أن يتجنب مستثمرو السندات فرنسا “العاصفة” المالية التي حذر منها بارنييه، لكن تداعيات الأزمة السياسية ستضر بالشركات والمستهلكين ودافعي الضرائب، كما قال خبراء اقتصاديون لـ”رويترز”.
وقال كريستيان كوبف، رئيس الدخل الثابت والعملات الأجنبية في “يونيون إنفستمنت”: “هذه أزمة بطيئة الاشتعال ستؤدي إلى اتساع مستمر للفروق وتدهور مستمر للجدارة الائتمانية السيادية”.
ماذا بعد؟
ومع استعداد الساسة المعارضين لتقديم اقتراح بسحب الثقة، فإن الأيام المقبلة سوف تحدد مصير حكومة بارنييه. وإذا نجح في الصمود في مواجهة الاقتراح، فسوف تستمر إدارته ولكنها ستواجه تحديات سياسية واقتصادية متزايدة.
وإذا سقطت الحكومة، فسوف تدخل فرنسا فترة من عدم اليقين السياسي، ومن المرجح أن تكون هناك حاجة إلى تدابير دستورية طارئة لإدارة ميزانية عام 2025.
ويملك ماكرون مجموعة من الخيارات. لكنه مقيد دستورياً بحقيقة أنه نظراً لأنه حل البرلمان في يونيو، فلا يمكنه القيام بذلك مرة أخرى حتى يونيو 2025.
ويمكن للرئيس إعادة تعيين بارنييه كرئيس للوزراء، وهو ما قد يراه البرلمان استفزازياً ويعتبره معظم المراقبين غير مرجح. يمكنه أيضاً أن يطلب من الأحزاب السياسية محاولة بناء ائتلاف جديد، هذه المرة بدعم أكبر.
وقد يقرر ماكرون أيضاً تعيين حكومة تكنوقراطية للإشراف على إدارة فرنسا لمدة 6 أشهر أخرى. كما قد يستقيل هو نفسه، ما يؤدي إلى انتخابات رئاسية جديدة، ولكن في الوقت الحالي يُنظر إلى ذلك على أنه غير مرجح، وفق “الجارديان”.