عاد دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة بانتصار كبير، وأحبط للمرة الثانية احتمالية وصول امرأة أميركية إلى المنصب، وهي عودة تاريخية و”غير متوقعة” للرئيس السابق، الذي ترك منصبه في عام 2021.
وهذه ليست المرة الأولى التي يهزم فيها ترمب مرشحة امرأة، فقد سبق أن فاز على هيلاري كلينتون في عام 2016، وبينما تسيطر هذه الرؤية على قطاع واسع من الديمقراطيين، الذين يميلون إلى إرجاع خسارة هاريس إلى كونها امرأة، يرى محللون وخبراء تحدثوا لـ “الشرق”، أن الأسباب أكثر تنوعاً ومن أهمها ضعف أداء هاريس مع بعض التركيبة السكانية للناخبين، والذي لعب دوراً رئيسيا في طريق عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض.
وجاء فوز ترمب “مدوياً”، إذ حصد الانتصارات في جميع الولايات المتأرجحة، وعزز من حصته في الأصوات الشعبية على مستوى الولايات المتحدة. وأظهرت نتائج الانتخابات تحولاً كبيراً لصالح ترمب، الذي رفع مستوى أدائه مقارنة بانتخابات 2020 و2016.
ونجح ترمب، ليس فقط، في الوصول إلى البيت الأبيض، بل في قيادة “موجة حمراء” ذات نطاق يتجاوز الرئاسة، مكبداً الحزب الديمقراطي خسائر حقيقية سُجلت في مختلف أنحاء البلاد، بتحقيق حزبه أغلبية في مجلس الشيوخ، مع احتمال توسيع الأغلبية في مجلس النواب بعد انتهاء الفرز.
لماذا خسرت كامالا هاريس؟
بعد الخسارة التاريخية التي تعرض لها الحزب الديمقراطي في الرئاسة والشيوخ وربما النواب، ألقى عدد من الديمقراطيين باللوم على الرئيس جو بايدن على هذه الخسارة.
وأرجع الكثيرون سبب الخسارة إلى قرار بايدن السعي لولاية ثانية، رغم تعهده في حملة 2020 بأنه سيكون رئيساً “انتقالياً” أو “جسراً” لجيل جديد من الديمقراطيين.
ويعتقد الديمقراطيون أنه لو اختار بايدن عدم الترشح لولاية ثانية بشكل مبكر، لكان بإمكان الحزب تنظيم انتخابات تمهيدية قوية، مما يسمح بظهور مرشح جديد قادر على خوض حملة انتخابية فعالة.
يؤيد الناشط الديمقراطي والمحامي الحقوقي، ألين أور، هذا الطرح، قائلاً لـ”الشرق” إن “هاريس أدرات حملتها الانتخابية في ظرف 100 يوم فقط، بعد تأخر بايدن في الانسحاب”، مضيفاً: “لا يجب تصنيف شخص لم يفز بترشيح حزبه، كأنه كان يترشح للرئاسة، إذ يُعتبر الفوز بترشيح الحزب هو الدور الأكثر أهمية داخل الحزب”.
يتفق أستاذ الإدارة السياسية ومدير الأبحاث في مركز الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، مع أور، في أن الرئيس بايدن يتحمل، أيضاً، المسؤولية عن تلك الهزيمة، قائلاً لـ”الشرق”، إن بايدن كان يجب أن يتنحي في وقت أبكر، بما يكفي لإعطاء الديمقراطيين الوقت الكافي لإجراء الانتخابات التمهيدية.
حتى الجمهوري والكاتب السياسي جون جيزي، تبنى الآراء السابقة. وقال لـ”الشرق”، إن اختيار هاريس المتأخر دون الحاجة إلى التنافس في عملية الترشيح كان سبباً رئيسياً في خسارتها.
وبينما اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعضو المنتسب لمركز الهجرة العالمية في جامعة كاليفورنيا ديفيس، براد جونز، خسارة هاريس غير مفاجئة، فإنه قال لـ”الشرق”، إن “خسارتها المدوية هي التي تثير الدهشة”.
وبعيداً عن تأخر بايدن في الانسحاب من السباق الانتخابي، وضيق الوقت أمام هاريس، هناك عدة عوامل أخرى أدت إلى خسارة هاريس. أهمها انخفاض شعبية بايدن والذي ظهر قبل فترة طويلة من مناظرته الكارثية مع ترمب، في يونيو الماضي، بسبب الاقتصاد والهجرة والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
لفت جونز إلى أن هاريس لم تفصل نفسها وسجلها بشكل كافٍ عن بايدن “وهذا جعل من السهل جداً على حملة ترمب ربط الاثنين معاً بطريقة سلبية للغاية. لقد نجحت حملته في هذا”.
“الإبادة الجماعية” في غزة
انخفاض شعبية بايدن طال هاريس أيضاً، باعتبارها جزءاً من إدارته، حتى أنها خسرت أصوات العرب والمسلمين في مدينة ديربورن في ولاية ميشيجان بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
واعتبر المؤرخ في جامعة ميشيجان، ديريك أيدي، أن الإبادة الجماعية في غزة، كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى خسارة هاريس، رغم أن المعلقين الرئيسيين في الإعلام الأميركي نادراً ما يذكرونها.
وقال أيدي في حديث مع “الشرق”، إن هاريس حصلت على 69 مليون صوت، حتى الآن، أي أقل بحوالي 12 مليون عما حصل عليه بايدن في عام 2020 “وقد يقل هذا الفارق عندما تُعد أصوات كاليفورنيا المتبقية، وبينما صوت أكثر من 50% من الناخبين الشباب (من 18-29 عاماً) في 2020، فإن 42% فقط منهم ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 2024”.
واعتبر أيدي أن تراجع الأرقام يُظهر “الاحتقار” الذي شعر به الأميركيون، خاصة، الشباب بشأن الذهاب إلى مراكز الاقتراع للتصويت لمرشح كان متورطاً بشكل فعال في تمويل وتسليح وتوفير الغطاء الدبلوماسي للإبادة الجماعية في فلسطين.
وأضاف أنه في الوقت الذي تصاعدت فيه الاحتجاجات الجامعية بشأن قضية فلسطين، مع عدم وجود مرشح محتمل قادر على إنهاء المعاناة المستمرة في غزة، قرر العديد من الناخبين الشباب “التصويت بأقدامهم”، وهو مصطلح سياسي يعني أن الناخبين يعبرون عن اعتراضهم على سياسات معينة بعدم المشاركة أو التصويت والبقاء بعيداً عن صناديق الاقتراع.
وتابع أيدي أنه على الرغم من أن ترمب ظل شخصية معزولة عن هذه المسألة، فإن الناخبين كانوا محبطين بشكل خاص من دعم إدارة “بايدن-هاريس” المستمر للوحشية الإسرائيلية، لافتاً إلى مدينة ديربورن التي صوتت لصالح بايدن بنسبة 80% في 2020، حصلت، فيها، هاريس على 36% فقط من الأصوات، بينما جاء ترمب في المركز الأول، وصوت ما يقرب من 20% لصالح جيل شتاين، مرشحة حزب الخضر.
وبحسب أيدي، فإن ذلك لم يؤثر على هاريس فقط، بل أثر أيضاً على السياسيين المحليين والولائيين في المناطق التي تضم قاعدة انتخابية كبيرة من العرب،
الاقتصاد والهجرة يعززان ترمب
حرّك الاقتصاد الضعيف والهجرة العديد من الناخبين. ولم تعترف هاريس قط بخطأ إدارة بايدن في التعامل مع الملفين. وزعمت في أكثر من مقابلة أن الاقتصاد يعمل بشكل جيد، رغم غضب الأميركيين من ارتفاع الأسعار المتزايد، والآثار السلبية للتضخم التي تركت ظلالها عليهم. وألقت باللوم على ترمب لعدم دعمه مشروع قانون الهجرة الذي يحظى بموافقة الحزبين.
وفي هذا الصدد، أشار الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جيه مايلز كولمان، في حديثه مع “الشرق”، إلى أن الأميركيين يشعرون بالإحباط من الأسعار المرتفعة، وهو العامل الأكبر الذي ساهم في خسارة هاريس.
وأضاف في حديثه، أن الأميركيين عبروا عن غضبهم على الحزب الحاكم، وكان بإمكان هاريس أن تفعل بعض الأشياء الجيدة أثناء الحملة الانتخابية، لكن حقيقة الأمر هي أنها في نفس الحزب مع رئيس لديه نسبة موافقة أقل من 40%”.
قصة خسارة هاريس، هي نفسها قصة فوز ترمب، تحديداً فيما يتعلق بالاقتصاد. ففي 2020 لجأ الناخبون إلى بايدن بسبب جائحة فيروس كورونا. وخلال العامين الماضيين، أظهرت استطلاعات الرأي المتتالية، أن غالبية الأميركيين يشعرون، بأن حالهم الأقتصادي أسوأ مما كان عليه قبل أربع سنوات عندما كان ترمب رئيساً. وبحثاً عن حال أفضل واقتصاد أقوى، لجأ الناخبون إلى ترمب مرة أخرى في 2024.
وكشف استطلاع رأي “واشنطن بوست”، الذي صدر في اليوم التالي للانتخابات، أن الاقتصاد كان القضية الأكثر أهمية عند التصويت، وأن 80% من 22205 ناخب، أُجريت المقابلات معهم بعد الاقتراع، صوتوا لصالح ترمب بسبب الاقتصاد.
في الوقت نفسه، أظهر استطلاع الرأي، الذي أجرته AP VoteCast مع 120 ألف من الناخبين المسجلين، وانتهى مع إغلاق صناديق الاقتراع في 5 نوفمبر، أن الرئيس السابق اكتسب أرضية كبيرة مع الناخبين اللاتينين، أكبر من عام 2020، في المقابل تراجع دعمهم للحزب الديمقراطي.
وحصلت هاريس على 56% من أصواتهم مقارنة بـ42% لترمب في هذه الانتخابات. وتعكس هذه الأرقام تحولاً كبيراً عن عام 2020، عندما حصل بايدن على 63% من أصواتهم مقابل 35% لترمب.
وجاء ذلك التحول نحو ترمب في تصويت اللاتينيين، الذين كانوا تقليدياً يدعمون الديمقراطيين، مدفوعاً بجهود حملته الانتخابية التي استهدفت هذه الفئة عبر إنشاء تحالف “الأميركيين اللاتينيين من أجل ترمب” لتعزيز التواصل مع الناخبين من أصول إسبانية. كما لعب اقتراحه بإلغاء الضريبة على الإكراميات في قطاع الخدمات والفنادق دوراً بارزاً في كسب تأييد العاملين منهم، الذين يشكل اللاتينيون النسبة الأكبر منهم، والذين تأثروا بشدة خلال جائحة كورونا.
الإجهاض.. سلاح هاريس ذو الحدين
في انتخابات التجديد النصفي 2022، توقعت العديد من التحليلات حدوث “موجة حمراء”، بسبب التضخم والمخاوف من الركود الاقتصادي.
ومع ذلك، لم تحدث تلك الموجة بشكل واسع كما كان متوقعاً. بدلاً من ذلك، حقق الحزب الجمهوري مكاسب محدودة في مجلس النواب، بينما احتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ.
وكان الاجهاض من أبرز العوامل التي أثرت في نتائج تلك الانتخابات، خاصة بعد قرار المحكمة العليا في قضية دوبس ضد جاكسون الذي ألغى الحكم التاريخي في قضية “رو ضد وايد”.
أدى هذا القرار إلى تعبئة الناخبين، خاصة النساء والشباب، وحاولت حملة هاريس في عام 2024، اللعب على تلك القضية مرة أخرى لتحفيز النساء للتصويت بكثافة لها، لكن تلك النظرية كانت خاطئة تماماً، على حد قول جونز، مشيراً إلى أنه، وبعد عامين، كانت حملة هاريس لا تزال تعتقد أن قضية الاجهاض مؤثرة إلى تلك الدرجة “واستنزفت الكثير من طاقتها على هذه القضية”.
تدعم الأرقام، رأي جونز، إذ لم ترتفع نسبة النساء اللواتي شاركن في التصويت إلا بشكل طفيف، مقارنة بعام 2020، ولم ترتفع نسبة الدعم الذي حصلت عليه هاريس بينهن عن تلك التي حصل عليها بايدن.
في المقابل، تعامل ترمب بسلاسة في ذلك الملف. ومع إدراكه أن القضية التي قلصت تقدُم الجمهوريين في الكونجرس 2022 قادرة على إغراق حملته بعد عامين منها. أعلن ترمب أنه سيترك قضية الإجهاض للولايات، ولن يحدد عدد الأسابيع التي يعتبرها مناسبة، وهو ما قطع الطريق على الديمقراطيين لاستخدام هذه القضية ضده. وربما ساهم ذلك، في تحقيقه آداءاً قوياً بين النساء بشكل عام.
إمرأة VS رجل
لم تمنع تعليقات ترمب المتكررة والسيئة عن النساء من زيادة حصته من تأييدهن له مقارنة بعام 2020، بل ازداد هامشه معهن وجلبت تعليقاته له المزيد من الناخبين الذكور.
ارتفع تأييد ترمب بين النساء في فئة 45 عاماً العمرية وما فوق تحديداً، وفق استطلاع رأي AP VoteCast. وصوتت له 46% مقابل 53% لهاريس. ويعد هذا الفارق أقل مقارنة بفوز بايدن، الذي حصل على دعم 55% من النساء مقابل 43% لترمب. وظل دعم ترمب ثابتاً بين النساء البيض، إذ حصل على تأييد أكثر من نصفهن بقليل، وهو نفس مستوى الدعم الذي تلقاه في عام 2020.
أستاذ التاريخ السياسي بجامعة بينجهامتون في نيويورك، والخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، قال لـ “الشرق”، إن الخطاب الجنسي لترمب يبدو أنه كان ناجحاً في زيادة هامشه بين الرجال، بما في ذلك الشباب والرجال اللاتينيين. حتى أن ترمب زاد حصته من دعم الشباب إلى نسبة 46% مقابل 36% في عام 2020.
كانت حملة ترمب مليئة بتعليقات وُصِفت بأنها متحيزة على أساس الجنس. في المقابل، قللت هاريس من أهمية كونها مرشحة إمرأة ولم تذكر ذلك إلا مرة بشكل عابر.
ورغم الفرضية التي تقول إن تركيز هاريس على طبيعتها الرائدة كان من الممكن أن يجعلها ليس فقط أول امرأة تجلس في المكتب البيضاوي ولكن أيضاً أول امرأة من أصول إفريقية وجنوب آسيوية تتولى هذا المنصب، فإن الديمقراطي ألين أور، لفت إلى أن طبيعتها كإمرأة كانت هي السبب الرئيسي في خسارتها. وقال أور “لقد فشلت الأحزاب السياسية الأميركية باستمرار في اختيار امرأة للترشح للرئاسة، لا سيما لو كانت ملونة”.
اتفق أستاذ التاريخ السياسي نيمان، مع وجهة نظر أور تلك، قائلاً إنه لا يزال هناك الكثير من الأميركيين، رجالاً ونساءاً، الذين لن يصوتوا لإمرأة. مشيراً إلى استطلاعات الرأي التي أجرتها You Gov، والتي كشفت أن نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن البلاد جاهزة لرئاسة تقودها إمرأة، انخفضت من 67% إلى 57% بين عامي 2015 و 2024.
تمرد ضد الحزب الديمقراطي
السبب الأخير في خسارة هاريس يرجع إلى تمرد الأميركيين بشكل عام ضد سياسات الحزب الديمقراطي، التي تُعتبر جوفاء وتركز على التنوع والشمول والمساواة (DEI) وسياسات “اليقظة”، على حد قول المؤرخ أيدي.
لفت أيدي إلى أنه يُنظر إلى هاريس على أنها مرشحة غير حقيقية “بلاستيكية” تسعى لتحقيق طموحاتها المهنية بأي ثمن وتفتقر إلى المصداقية. وعلى عكس ترمب “الفظ”، على حد وصف أيدي، تتمتع هاريس بأناقة، لكنها “تبدو كمرشحة مصطنعة تعلمت الشعارات والخطابات دون مضمون حقيقي”.
واعتبر أيدي أن ترشح هاريس، في الأساس، يُظهر مشاكل الحزب الديمقراطي بشكل أوسع. موضحاً أنه يُنظر إلى الحزب على أنه غير ديمقراطي “لم تفز هاريس أبداً بأي انتخابات أولية، ويملك الحزب تاريخاً طويلاً في تهميش مرشحين مثل بيرني ساندرز”.
المشكلة الأخرى في الحزب، تتلخص في أن الديمقراطيين استبدلوا مطالب الطبقة العاملة بمطالب تمثيلية، وبذلك فقدوا الكثير من أصوات الطبقة العاملة في تلك الانتخابات.
وقال أيدي إن فوز ترمب، يمكن إرجاعه إلى إخفاقات الديمقراطيين، وليس إلى إنجازاته الكبيرة “لم يحقق ترمب أرقاماً قياسية في الإقبال على التصويت، ولم يوسع قاعدته بشكل كبير عن أرقامه السابقة، على الرغم من أنه زاد من تنوعها”.
فوز رغم قضايا جنائية
واصل ترمب هيمنته على الناخبين البيض من الطبقة العاملة، الذين شكلوا الجزء الأساسي من صعوده السياسي لأول مرة. وحقق، أيضاً، مكاسب متواضعة في الضواحي والمدن، وبين الناخبين السود واللاتينيين.
ويقول الخبراء الذين تحدثوا إلى “الشرق”، إن ترمب دفع في اتجاه تحالف متعدد الأعراق من الناخبين من الطبقة العاملة، ساهمت في تحقيقه الفوز.
وفي هذا الصدد، لفت أستاذ العلوم السياسية، براد جونز، إلى أن كل التركيبة السكانية تقريباً، تحركت إلى حد ما نحو ترمب. وفي جميع الولايات، كان أداء هاريس أقل من أداء بايدن في عام 2020.
وفسر جونز كيف استطاع ترمب الفوز رغم أعبائه القانونية ولوائح الاتهام التي تطارده، قائلاً إن ترمب تمكن في عام 2015 من جمع قاعدة جماهيرية كبيرة بين الذين يشعرون بالاستياء من النظام السياسي. “هذه القاعدة أصبحت أشبه بحركة أو طائفة تلتف حول ترمب، وتعتبر ولاءها له جزءاً أساسياً من هويتها السياسية”.
وأضاف جونز، أن “هذه الطائفة ازدادت نمواً خلال رئاسة بايدن، كما أن هناك شريحة كبيرة من هذه القاعدة تعتبر أن ترمب لا يمكن أن يقوم بأي شيء يُعتبر خارجاً عن المقبول، حتى إذا كان يواجه إدانات أو اتهامات قانونية”، “والأكثر من ذلك، أن بعض المؤيدين المتحمسين يؤمنون بأنه بريء من الجرائم التي أُدين بها”.
من جانبه، لفت مدير الأبحاث في مركز الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، إلى أن جزءاً من الناخبين الذين صوتوا لصالح ترمب فعلوا ذلك لأنهم وجدوا في سلوكياته وتصرفاته تحدياً للمؤسسة السياسية التقليدية، مما جعلهم يشعرون بأنه يمثل صوتاً مضاداً للطبقة الحاكمة أو النظام السياسي القائم، “هذه الفئة من الناخبين رأت في تصرفاته نوعاً من التمرد على الوضع السياسي الراهن”.
أما الجمهوري جون جيزي، فقال إن الإدانات والمشكلات القانونية لم تؤثر على ترمب تماماً، كما لم تؤثر عليه اللغة السيئة التي استخدمها ضد النساء في عام 2016، مضيفاً أن الناس يتوقعون تصرفات كهذه من ترمب، “رجل أعمال قوي وشرس نشأ في شوارع كوينز بنيويورك”، وبالتالي لم يعد سلوكه مفاجئاً أو صادماً لأحد، “لو كان الأمر يتعلق بميت رومني المحافظ، لكان الأمر مختلفاً، وكان الناس سيشعرون بالدهشة والغضب. ولكن ليس مع ترمب”.
وشبّه جيزي ترمب بالملياردير السياسي الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني، قائلاً “كان برلسكوني يتردد على المحاكم طوال فترة رئاسته للوزراء، وكان معروفاً بعلاقاته غير المشروعة، ومع ذلك شعر الناس بأنه أنجز أموراً جيدة، وتغاضوا عن الجوانب السيئة”.
لكن أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة ميشيجان، مايكل تراجوت، لفت إلى استراتيجية ترمب الذكية المتمثلة في “التأخير”.
وقال تراجوت إن الإدانات التي واجهها ترمب كانت مقتصرة على محاكم نيويورك وتتعلق بمسائل شخصية وتجارية، وليس على المستوى الفيدرالي، حيث لم تصل القضايا الفيدرالية التي كان يواجهها إلى المحاكمة بسبب استراتيجية التأخير التي اتبعها، والتي كانت ناجحة في تأجيل الإجراءات القانونية.
وأضاف تراجوت “يبدو الآن أن قضاياه الفيدرالية من المحتمل أن تُغلق دون الذهاب إلى المحاكمة، نظراً لتغير القيادة في وزارة العدل خلال إدارته”.