دفعت الأيام الأولى من الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الشركات لمحاولة فهم بنود غامضة في قوانين قديمة، وتعزيز دفاعاتها القانونية، وإيجاد طرق للتأقلم مع مشهد سياسي يشهد تغيرات جذرية، بحسب “فاينانشيال تايمز”.
وقالت الصحيفة البريطانية، الاثنين، إن التحركات المبكرة لترمب أظهرت أنه يخطط لاستخدام أدوات أوسع مما كان متوقعاً لتنفيذ أجندته، بينما يُبقي شركائه التجاريين في حالة ترقب حول كيفية وتوقيت تنفيذ تهديده بفرض رسوم جمركية عقابية.
ومع نهاية أسبوع محموم، بدأ بأكثر من 100 أمر تنفيذي وإجراء منذ تنصيب ترمب، يشير مستشارو الشركات الأميركية إلى وجود فرصة للتأثير على السياسات، لكنها تظل متاحة فقط لأولئك القادرين على مواكبة وتيرة التغيرات.
ورغم أن أجندة ترمب- التي تشمل دعم الوقود الأحفوري، وزيادة الرسوم الجمركية، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين- كانت معروفة مسبقاً، فإن بعض التفاصيل فاجأت الشركات، بحسب “فاينانشيال تايمز”.
قرارات مفاجئة
ووفق الصحيفة، من شأن الوعد بإلغاء اتفاق الحد الأدنى العالمي للضرائب التي تم التوصل إليه من خلال منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن يهدد بمضاعفة الضرائب الأميركية على المغتربين وبعض الشركات، بموجب قسم لم يستخدم من قبل من قانون الضرائب الذي يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية.
وقال بات براون من شركة PwC إنه القرار لقي إشادة واسعة النطاق من قبل الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية، التي لطالما اشتكت من الصفقة، وأضاف: “لكن أحد الأسئلة التي تلقيناها على الفور كان: رئيسي التنفيذي هو مواطن من دولة أجنبية ويصادف أنه يعيش ويعمل هنا. هل أحتاج إلى الذهاب لإخبار رئيسي التنفيذي بأن معدل الضريبة الخاص به قد يتضاعف؟”.
ووعد مستشارو ترمب “بإغراق المنطقة” بالإجراءات التنفيذية، جزئياً لإبقاء المعارضين في وضع دفاعي، ووضعت شركات الاستشارات وشركات المحاماة والبنوك الاستثمارية خططاً معقدة لمتابعة الإجراءات التنفيذية وتوضيح النقاط البارزة للعملاء.
واعتبر كيفن مادن، الاستراتيجي الجمهوري في شركة الاستشارات Penta Group أنه “حيثما توجد وفرة في المعلومات، غالباً ما يكون هناك فقر في الاهتمام”، مشيراً إلى أن “التحدي الذي يواجه قادة الشركات هو إعطاء الأولوية لكل هذه المعلومات”.
وكان أثر هذه الإجراءات أكثر وضوحاً في قطاع الطاقة، بعدما استعان ترمب بسلطات الطوارئ لإزالة القيود التنظيمية أمام مشاريع الوقود الأحفوري، وإلغاء العديد من الإجراءات التنفيذية لسلفه الرئيس السابق جو بايدن.
وفي المقابل، شكلت قرارات ترمب صدمة لقطاع الطاقة النظيفة، بإظهار كيف يمكن للسلطة التنفيذية تقويض التمويل الذي فرضه الكونجرس.
وأوقف أحد الأوامر التنفيذية القروض المقدمة للمطورين والمصنعين بموجب قانون خفض التضخم وقانون البنية التحتية الحزبي، وأصبح من غير الواضح كيف يمكن تحرير هذه الأموال الآن، كما أن هذا الملف قد يتداخل مع مفاوضات الكونجرس الأوسع لمراجعة قانون التقاعد الفردي.
وقال ويليام أوبلنجر، الرئيس التنفيذي لشركة الألمنيوم الأميركية “ألكوا”، إن مصاهر شركته المحلية قد تكون معرضة للتهديد إذا تم خفض الاعتمادات الضريبية.
وأوضح أن الدعم “سمح لهذه المرافق بمواصلة العمل في الظروف الحالية”، مضيفاً أن الشركة ستحدد مدى جدوى عملياتها على المدى الطويل عندما يتضح ما تعنيه أي تغييرات في حساب التقاعد الفردي وما إذا كانت هناك تأثيرات إضافية من التعريفات الجمركية.
وتلقت طاقة الرياح ضربة قوية بشكل خاص نتيجة للأوامر التي جمدت الموافقات على التأجير وأثارت مراجعة فورية للتصاريح، والتي تغطي المشاريع القائمة.
دور شركات الضغط
وتتسابق بعض الشركات لتعيين شركات الضغط المرتبطة بالجمهوريين والتي تأمل أن تحظى باهتمام الإدارة، وتُظهر الإفصاحات الفيدرالية أن مطوري الطاقة المتجددة EnergyRe، وNextEra استعانوا بخدمات شركة Polaris Government Relations الشهر الماضي.
وكانت الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب المتعلقة بقطاع الطاقة، بمثابة خريطة طريق من خمس نقاط اقترحها الصيف الماضي معهد البترول الأميركي، وهي مجموعة الضغط لمنتجي الوقود الأحفوري.
وقال مايك سومرز، الرئيس التنفيذي للمعهد البترول الأميركي، إن المعهد يتحرك الآن للتأثير على تنفيذ السياسة.
وأضاف: “الكثير من هذه الأوامر التنفيذية توجه الوكالات (الحكومية) للقيام بأشياء، لكن العديد من هذه الوكالات ليس لديها حتى مسؤولين الآن”، وتابع: “ما نحاول القيام به هو ملء الفراغات لرؤساء الإدارات الجدد، حتى يعرفوا على وجه التحديد كيفية تنفيذ رؤية الرئيس”.
وفي حين لم يف ترمب بوعده بفرض تعريفات جمركية جديدة على شركاء الولايات المتحدة التجاريين في “اليوم الأول”، أمرت مذكرة تنفيذية بمراجعة الإدارات للممارسات التجارية الحالية، مع تحديد الموعد النهائي في الأول من أبريل المقبل، كما أشار ترمب في مؤتمر صحافي إلى أنه قد يفرض تعريفات جمركية على المكسيك وكندا والصين في الأول من فبراير.
وقال إيفان جيزمان، المستشار الضريبي والتجاري في EY، للعملاء في ندوة عبر الإنترنت يوم الأربعاء: “بينما لا شيء مع الرئيس ترمب نهائي حتى يتم تنفيذه.. لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية على مدى اتساع آثار هذه المذكرة، والتي تظهر مدى جديته في إجراء تغييرات هيكلية على سياساتنا التجارية وبسرعة معقولة”.
مخاوف من آثار عكسية
وفي بعض الأوساط، بلورت هذه الإجراءات التنفيذية المخاوف من أن التعريفات الجمركية الجديدة، إلى جانب الترحيل المحتمل لجزء من القوة العاملة الأميركية، قد تؤدي إلى تأجيج التضخم وتحد من قدرة البنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.
وتشتبه كارول سترايشر، رئيسة الاستشارات التجارية لشركة KPMG في الولايات المتحدة، في أن القلق كان وراء الارتفاع هذا الأسبوع في المكالمات الواردة من شركات الأسهم الخاصة حول بدء عملية البيع.
وقالت سترايشر: “يتلخص الحديث الآن في ما إذا كانت هناك نافذة قصيرة للأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، إذ ستكون أسعار الفائدة عند مستواها الحالي، ونحن بحاجة إلى إجراء المعاملات قبل إغلاق هذه النافذة”.
ويبدو أن الإجراءات التنفيذية من المرجح أيضاً أن تعمل على تسريع إعادة صياغة الشركات لبرامج التنوع والمساواة والشمول.
وقالت جيني يانج، المفوضة السابقة في لجنة تكافؤ فرص العمل، والشريكة الآن في شركة الاستشارات Working Ideal: “إنهم يرهبون أصحاب العمل الأميركيين للتراجع عن الجهود القانونية بالكامل”.
وقالت يانج إن العديد من الشركات فحصت سياسات التنوع والمساواة والشمول الخاصة بها للتحقق من أنها قانونية، لكن شركات المحاماة كانت ترسل نشرات عاجلة للعملاء تقدم تدقيقات قانونية، وأصبحت شركة التجزئة Target، يوم الجمعة، أحدث شركة تتراجع عن التزامات التنوع والمساواة والشمول السابقة.
وقال كروجر من TD Cowen إن الإجراءات التنفيذية هذا الأسبوع جاءت “بسرعة قياسية وحجم قياسي”، مع الكثير مما لا يزال يتعين استيعابه والعديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها.