يعتبر البنميون يوم 31 من ديسمبر عيداً وطنياً بامتياز، له قدسيته ومكانته الكبيرة، حيث استلمت حكومة بلادهم في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً إدارة قناة بنما بشكل كامل من الولايات المتحدة، وذلك بعد توقيع اتفاقية توريخوس-كارتر عام 1977 والتي انتهى بها التواجد الأميركي عام 1999.
لكن احتفالية هذا العام جاءت باهتة، إذ أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب مخاوف البنميين من إعادة فتح ملف تدخل الولايات المتحدة في القناة. فقد صرّح خلال مشاركته في أحد التجمعات بولاية أريزونا: “إذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة من العطاء، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأميركية بالكامل، بسرعة ودون سؤال”. وحذر من تأثير صيني محتمل على الممر المائي.
ما أصل المشكلة؟
تعتبر قناة بنما مسؤولة عن قرابة 6% من حركة التجارة العالمية، حيث تبلغ قيمة البضائع التي تعبر القناة حوالي 270 مليار دولار سنوياً.
وتُعد الولايات المتحدة أكثر الدول اعتماداً على القناة. ففي عام 2024 عبرت القناة شحنات باتجاه أميركا بحجم 160 مليون طن، تليها الصين مباشرة بـ45 مليون طن.
وقال أبديل دي ليون، وهو صحافي بنمي متخصص في شؤون القناة، إن “تهديدات ترمب الأخيرة لم تستند إلى أي سبب منطقي، فهو انتقد ارتفاع تكلفة الشحن في القناة، لكن الجميع يعلم السبب وراء زيادة الأسعار، وهو الجفاف الذي ضرب البلاد خلال العامين الماضيين، والذي أثّر على مخزون البحيرات التي تمد القناة بالمياه، مما أجبر بنما على خفض حركة الشحن عبر القناة بشكل كبير ورفع رسوم الاستخدام”.
وأضاف: “ناهيك عن زيادة عدد السفن في قائمة الانتظار لدخول القناة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى 120 سفينة، وأصبحت تكلفة عبور السفن تتراوح بين 600 ألف دولار إلى 4 ملايين دولار، وذلك بحسب حجم السفن وكمية حمولتها”.
وأشار إلى أنه “على الرغم من عودة هطول الأمطار، فإن زيادات الرسوم في المستقبل قد تكون ضرورية بهدف إجراء تحسينات لتلبية احتياجات الشحن الحديثة”.
ويرى دي ليون، أن “إدارة القناة شهدت تحت إشراف الحكومة البنمية تطوراً ملحوظاً مقارنة بفترة إدارتها من قبل الولايات المتحدة، حيث ارتفعت حركة المرور عبر القناة بنسبة 17% بين عامي 1999 و2004”.
وأوضح الصحافي البنمي، أنه “في عام 2006، صوّت الناخبون في بنما بالموافقة على استفتاء أتاح تنفيذ مشروع توسعة كبير للقناة، وخلق ممرات إضافية بهدف استقبال سفن ذات حجم أكبر لتلبية متطلبات الأسواق العالمية”.
ولفت إلى أن “هذه التوسعة، التي انتهت عام 2016، وصلت تكلفتها إلى قرابة 6 مليارات دولار، لذلك كانت هناك حاجة لزيادة الرسوم”.
وأردف: “الواقع أن التواجد الصيني في بنما هو ما يزعج ترمب بشكل رئيسي. فلعدة سنوات، تدير شركة مقرها هونج كونج، وهي (سي كيه هاتشيسون القابضة)، ميناءين عند مدخلي القناة”.
واعتبر دي ليون، أن “هذا يثير مخاوف تنافسية وأمنية بالنسبة للولايات المتحدة”، كما أن “الإدارة الأميركية تخشى أن تقوم الشركة بجمع المعلومات الاستخباراتية لصالح الصين”.
وتنفي الصين عبر المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماو نينج هذه المزاعم، وتقول إن “بكين ستحترم كما هو الحال دائماً سيادة بنما على القناة”.
الموقف القانوني
وقال ماريو جاليدوريز، أستاذ سابق لمادة القانون الدستوري في جامعة بنما لـ”الشرق”، إن “الدستور البنمي واضح بهذا الشأن، فلا توجد أي مادة تمنح الحق للولايات المتحدة بإعادة السيطرة على القناة”.
ورأى أن “المعاهدات التي تم توقيعها سابقاً نصّت على الحياد الدائم للقناة لضمان تشغيلها بشكل مفتوح وآمن لجميع الدول”، لافتاً إلى أن “مجلس الشيوخ صادق على معاهدات قناة بنما عام 1978”.
واعتبر جاليدوريز، أن هذه “الاستفزازات هي مجرد جزء من تكتيك تفاوضي يتبعه ترمب لخفض رسم الشحن”، مشيراً أن “السبيل الوحيد للسيطرة على القناة هو شن حرب على بنما، وهذا الأمر مستبعد كلياً”.
ترقب في أميركا اللاتينية
ولم تحمل عودة ترمب الكثير من الأنباء السارة لاقتصاد دول أميركا اللاتينية، فمنذ إعلان انتصاره بالانتخابات في نوفمبر الماضي، بدأ الرئيس المنتخب بالتلويح بفرض السياسة الحمائية على صادرات الدول اللاتينية، وعلى رأسها المكسيك.
ووعد ترمب بفرض رسوم تصل إلى 25% على المنتجات التي تدخل من المكسيك.
وقال فرناندو برانكولي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة UFRJ، إن “المكسيك تعد شريكاً تجارياً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة، إذ تصدّر المكسيك نحو 80% من بضائعها إلى جارتها الشمالية، وتستورد منها 16% من إجمالي صادراتها، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين عام 2024 حوالي 800 مليار دولار”.
ويرى أن “فرض ترمب رسوماً جمركية بنسبة 25% على المنتجات المكسيكية، تحت ذريعة معالجة مخاوف تتعلق بالهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي للبلدين”.
مضى برانكولي قائلاً: “بالنسبة لباقي الدول، وعلى رأسها البرازيل، فستصبح العلاقات الثنائية أكثر تحدياً بالنظر إلى وجود إيلون ماسك ضمن الحكومة الجديدة. فقد شهدت الأشهر الماضية صراعات قانونية مباشرة بين ماسك وحكومة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، أدت إلى حجب منصة (إكس) وتجميد أرصدة شركة (ستارلينك) التابعة لماسك، وتغريمه بعشرات الملايين من الدولارات”.
وتوقع أستاذ العلاقات، أن “يمارس إيلون ماسك دوراً في الضغط على الحكومة الحالية، مما قد يؤثر على قطاعي الاقتصاد والتكنولوجيا في البرازيل”.
وأضاف: “ترمب هدّد كذلك بشكل مباشر دول بريكس بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول المجموعة وهي (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) في حال قامت بإنشاء عملة جديدة تهدف إلى تقويض الدولار الأميركي”.
وذكر أن “هذه الرسوم تهدد الاقتصاد البرازيلي بشكل مباشر، حيث إن الولايات المتحدة تُعد ثاني أهم شريك تجاري للبرازيل. ففي عام 2024، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين 70 مليار دولار”.