طور علماء أداة ذكاء اصطناعي تُدعى MELD Graph، يمكنها اكتشاف 64% من التشوهات الدماغية المرتبطة بالصرع التي تغفلها أعين الأطباء المختصين بالأشعة، ويؤكد باحثون أن هذه التقنية يمكن أن تحدث تغييراً جذرياً في رعاية ملايين الأشخاص حول العالم ممن يعانون من أحد أسباب الصرع الهيكلية.
وأظهرت الدراسة، التي نُشرت في دورية الجمعية الأميركية للأعصاب، وأجراها فريق من جامعتي “كينجز كوليدج- لندن”، و”يونيفرسيتي كوليدج- لندن”؛ أن هذه التقنية تساعد بشكل كبير في اكتشاف خلل التنسج القشري البؤري وهو أحد الأسباب الرئيسية للصرع.
وأكد الباحثون أن هذه الأداة يمكن أن تسرّع عمليات التشخيص، مما يسهم في وصول المرضى إلى العلاج الجراحي في وقت أسرع، وبالتالي تقليل عدد نوبات الصرع، وتقليل الزيارات إلى غرف الطوارئ، وتحسين جودة حياة المرضى.
كما يمكن أن تقلل التكلفة على هيئة الخدمات الصحية البريطانية بما يصل إلى 60 ألف دولار لكل مريض، نظراً لتجنب الفحوصات غير الضرورية والإجراءات العلاجية المكلفة.
تشوهات الدماغ
ويُعاني حوالي 1 من كل 100 شخص في المملكة المتحدة من الصرع، ويعود 20% من هذه الحالات إلى تشوهات هيكلية في الدماغ، بسبب خلل التنسج البؤري والذي يعتبر من أكثر الأسباب الهيكلية شيوعاً للصرع.
وغالباً ما يكون ذلك الخلل غير قابل للاكتشاف بالعين المجردة، حيث تُظهر الدراسات أن ما يصل إلى 50% من هذه التشوهات لا يلاحظها الأطباء عند مراجعة صور الرنين المغناطيسي التقليدية.
ويؤدي هذا التأخير في التشخيص إلى استمرار النوبات لسنوات، مما يزيد من معاناة المرضى، كما يؤدي إلى إعاقة سير حياتهم اليومية في المدرسة والعمل والحياة الأسرية.
ويمكن أن يكون العلاج الجراحي لإزالة التشوه حلاً فعالاً وآمناً، لكن العقبة الأساسية تكمن في القدرة على اكتشاف هذه التشوهات الدقيقة مبكراً.
ولتحسين الكشف عن هذه التشوهات، قام الباحثون بجمع بيانات 1185 مريضاً من 23 مركزاً طبياً حول العالم، تضمنت العينة 703 مرضى مصابين بتشوهات خلل التنسج البؤري، و482 شخصاً سليماً، مع مراعاة أن نصف العينة كانت من الأطفال.
بعد ذلك، تم تدريب أداة الذكاء الاصطناعي MELD Graph على تحليل صور الرنين المغناطيسي، لاكتشاف التشوهات الدماغية التي لم يتم رصدها من قبل.
وفي إحدى الحالات التي استفادت من هذه التقنية، تمكن MELD Graph من اكتشاف تشوه دماغي دقيق لم يلاحظه العديد من أخصائيي الأشعة التقليديين، وكان المريض، وهو طفل يبلغ من العمر 12 عاماً، يعاني من نوبات يومية، ولم يحقق أي تحسن رغم استخدامه تسعة أنواع مختلفة من أدوية الصرع.
ووفقاً للمؤلف المشارك في الدراسة، لوكا بالما، الطبيب في مستشفى بامبينو جيسو للأطفال في إيطاليا، فإن هذه التقنية يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في تحديد المرضى الذين يمكنهم الاستفادة من الجراحة، إضافة إلى تحسين التخطيط الجراحي وتقليل المخاطر المرتبطة بالإجراءات الجراحية.
ورغم أن الأداة لم تُعتمد بعد للاستخدام السريري، قام الفريق البحثي بإطلاقها كبرنامج مفتوح المصدر، كما ينظم الباحثون ورش عمل لتدريب الأطباء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في مستشفى جريت أورموند ستريت بالمملكة المتحدة وعيادة كليفلاند في الولايات المتحدة.
دعم الأطباء
يواجه المختصون بأقسام الأشعة ضغوطاً هائلة؛ بسبب الكم الكبير من الصور الطبية التي يتعين عليهم مراجعتها يومياً، مما يجعل عملية التشخيص أكثر تعقيداً.
ويرى المؤلف الرئيسي للدراسة “كونراد واجستيل” الباحث في “كينجز كوليدج- لندن”، أن استخدام أداة ذكاء اصطناعي مثل MELD Graph يمكن أن يكون دعماً مهماً للأطباء، إذ تساعدهم في اتخاذ قرارات أكثر دقة.
وقال “واجستيل” إن هذه التقنية لا تسهم فقط في تحسين كفاءة النظام الصحي، بل تسرّع أيضاً من وصول المرضى إلى العلاج المناسب، مما يقلل من الحاجة إلى اختبارات وفحوصات إضافية.
ولم يقتصر تأثير هذه الأداة على الحالات الفردية فقط، بل امتد ليشمل الأطباء في مختلف أنحاء العالم.
وأشارت المؤلفة المشاركة في الدراسة “ماتيلد ريبارت” إلى أن أحد أكثر الجوانب المثيرة في هذا المشروع كان سماع قصص الأطباء في المملكة المتحدة وتشيلي والهند وفرنسا، الذين تمكنوا من استخدام هذه الأداة لمساعدة مرضاهم.
ويوضح هذا التأثير العالمي مدى قدرة التقنية على إحداث تغيير حقيقي في طريقة تشخيص، وعلاج الصرع في مختلف البيئات الطبية.
من جانبها، أكدت رئيس الرابطة الدولية لمكافحة الصرع، هيلين كروس، وهي استشارية الصرع في مستشفى جريت أورموند ستريت، على أهمية هذا التطور، إذ قالت إن العديد من الأطفال يعانون لسنوات من النوبات والتشخيصات غير الحاسمة قبل أن يتمكن الأطباء من تحديد التشوهات المسببة للصرع.
وأضافت: “هذا التأخير في التشخيص يعني سنوات من المعاناة والاضطرابات اليومية للمرضى وعائلاتهم لذلك، فإن تقنيات مثل MELD Graph تقدم حلاً واعداً لتسريع التشخيص والعلاج، مما قد يكون خطوة كبيرة نحو تحسين حياة هؤلاء الأطفال”.