اشتعلت حرب قضائية بين عملاقي الرقائق الذكية ARM وكوالكوم، بعد أن أقامت اﻷولى دعوى تتهم خلالها الأخيرة بانتهاك براءات اختراع تتعلق بتكنولوجيا تصنيع المعالجات.
ووفقًا لتقرير صادر عن “بلومبرغ”، قامت شركة ARM البريطانية العملاقة في مجال تصميم البنية المعمارية للمعالجات بإلغاء ترخيص كانت قد منحته لشركة كوالكوم الأميركية.
وسمح هذا الترخيص للشركة الأميركية بتصنيع معالجات Snapdragon المستخدمة في مجموعة واسعة من الأجهزة الذكية، مثل الحواسيب التي تعمل بتقنية Copilot+ من مايكروسوفت وهواتف جلاكسي من سامسونج، وقد يمتد هذا إلى أحدث معالجات الشركة للهواتف الذكية Snapdragon Elite 8.
تاريخ النزاع وتفاصيله
يعود النزاع بين الشركتين إلى عام 2021، عندما استحوذت كوالكوم على شركة تصميم الرقائق “نيوفيا” Nuvia.
وتصمم “نيوفيا” مكونات دقيقة داخل رقائق المعالجات، تُعرف باسم اﻷنوية Microprocessors أو Cores، والتي تُعد النواة الرئيسية لتطوير معالجات كوالكوم من خلال الاعتماد على فريق “نيوفيا” لتطوير أنوية “أورايون” Oryaon.
وبمجرد إعلان كوالكوم عن أنوية معالجاتها الجديدة، خرجت ARM لتدّعي أن صفقة الاستحواذ تُمثل انتهاكاً للاتفاقيات السابقة التي كانت تربط “نيوفيا” بشركة ARM.
لذلك تدّعي الشركة البريطانية أن نظيرتها الأميركية انتهكت شروط الترخيص من خلال الاستحواذ على Nuvia دون الالتزام بالشروط التعاقدية، والتي تفرض ضرورة إعادة التفاوض حول بنود التراخيص وقيمتها التعاقدية.
في المقابل، ردت كوالكوم برفع دعوى مضادة، مدّعية أن شروط الاتفاقية لا تتطلب إعادة التفاوض، ما أثار المعركة القانونية.
وعندما فشل الطرفان في التوصل إلى تسوية تحل الدعاوى بينهما، بادرت ARM بإلغاء ترخيصها لـ”نيوفيا” باستخدام براءات اختراع تقنياتها في فبراير 2023، وبالتالي أصبحت الأخيرة محرومة من تقنيات الشركة البريطانية، بينما تبقى لدى كوالكوم ترخيصها الخاص، وهو ما تسعى ARM وراء إلغائه قبل الموعد المحدد في 16 ديسمبر المقبل.
ووصف المتحدث باسم كوالكوم دعوى ARM بأنها محاولة للضغط عليها لزيادة رسوم الترخيص، مضيفاً: “هذه ليست سوى تهديدات غير مبررة، تهدف إلى تعطيل أداء معالجات كوالكوم المتفوقة وزيادة الإتاوات بشكل غير عادل.. والشركة واثقة من أن المحكمة ستؤيد حقوقها في الاتفاقية. وتصرفات ARM تعكس سلوكاً غير تنافسي”.
فيما ردّت ARM ببيان يقول إن كوالكوم ارتكبت انتهاكات متكررة لاتفاقية الترخيص، ما دفعها إلى اتخاذ خطوات قانونية لحماية منظومتها التي أسستها مع شركائها على مدى أكثر من 30 عاماً.
تجهيز العُدة للنزاع
وتحت قيادة الرئيس التنفيذي، رينيه هاس، اتجهت شركة ARM إلى تقديم تصاميم أكثر تكاملاً يمكن للشركات اعتمادها مباشرة لدى مصانع التصنيع التعاقدي.
ويرى هاس أن شركته، التي ما تزال مملوكة بشكل رئيسي لمجموعة “سوفت بنك” اليابانية، تستحق مكافأة أكبر مقابل جهودها الهندسية.
وهذا التحول يقترب من مجال عمل العملاء التقليديين لـARM، مثل شركة “كوالكوم”، التي تعتمد على تقنيات الأولى في تصميم الرقائق النهائية الخاصة بها.
وبينما يحاول كريستيانو آمون، الرئيس التنفيذي لـ”كوالكوم” الابتعاد عن استخدام تصاميم الشركة البريطانية والتركيز على تطوير منتجات الشركة الخاصة، وهو ما قد يجعلها أقل أهمية كعميل لـARM.
كما يتوسع آمون في مجالات جديدة، أبرزها الحوسبة، إذ تسعى ARM بدورها لتعزيز حضورها في هذا السوق، ومع ذلك، لا تزال تقنيات الشركتين مترابطة.
وتعتمد ARM على نوعين من العملاء، وهما الشركات التي تستخدم تصاميمها كأساس لرقائقها، وتلك التي تصنّع أشباه الموصلات الخاصة بها وتكتفي بترخيص مجموعة التعليمات البرمجية من الشركة البريطانية.
ولا تُعد “كوالكوم” غريبة عن النزاعات المتعلقة بالتراخيص، إذ تحقق الشركة جزءاً كبيراً من أرباحها من بيع حقوق استخدام تقنياتها الخاصة، والتي تشكل عنصراً أساسياً في الاتصالات اللاسلكية المحمولة.
وتضم قائمة عملاء “كوالكوم” كلاً من “سامسونج” وأبل، وهما أكبر مصنّعين للهواتف الذكية في العالم.
وفي عام 2019، خرجت “كوالكوم” منتصرة من معركة قانونية واسعة النطاق مع أبل، كما ظفرت بقرار محكمة الاستئناف ضد لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، التي اتهمت الشركة بممارسات ترخيص احتكارية.
موجات ارتدادية على سوق التكنولوجيا
من المتوقع أن يُحدث النزاع القضائي بين العملاقين موجات ارتدادية ستؤثر على السوق التقني بشكل ملموس، فكلاهما له بصمة في سوق الرقائق.
فعلى مستوى ARM تمتلك قرابة 98% من سوق رقائق معالجات الحواسيب، خاصة بعد تحويل مايكروسوفت تركيزها نحو تقنياتها، لتستفيد من أفضلية هذه التقنية في تحقيق المعادلة الصعبة بين ترشيد استهلاك الطاقة وتحدّي اﻷداء اﻷمثل مع الجيل الجديد من الحواسيب الشخصية “كوبايلوت بلس” Copilot+، والتي كانت معالجات كوالكوم “سناب دراجون إكس إيليت” Snapdragon X Elite أحد محركاتها الرئيسية.
أما على مستوى سوق الموبايل، فإن معالجات كوالكوم سناب دراجون، تُعد حجر الزاوية المسؤول عن تشغيل أغلبية الهواتف الرائدة من كبرى الشركات مثل “سامسونج، وأونور، وشاومي، وأوبو، وسوني”.
وبالتالي فإن وصول هذا النزاع إلى طريق مسدود، ستتضرر منه جميع اﻷطراف والجميع سيخرج خاسراً، بمن فيهم ARM نفسها، لأن كوالكوم تُعتبر أحد أكبر عملائها المستفيدين من تقنياتها.
وتُقدر إيرادات كوالكوم السنوية بنحو 40 مليار دولار، تأتي معظمها من رقائق مصممة وفقاً لمعايير ARM.
وعلى الرغم من أن كوالكوم تعمل على تطوير معالجاتها الخاصة باستخدام تقنية Oryon، إلا أن هذه التكنولوجيا لا تزال تعتمد بشكل كبير على تراخيص ARM.
وقد ألغت ARM بالفعل تراخيص Nuvia وطالبت بوقف تطوير معالجات تعتمد على تقنياتها، كما طالبت بتدمير أي مخزون متاح من هذه المعالجات، لكن كوالكوم لم تمتثل بعد لهذه المطالب في انتظار نتائج النزاع القضائي.
في الوقت نفسه، تواجه معالجات تقنية x86 التقليدية مثل تلك التي تنتجها Intel وAMD تحديات كبيرة بسبب الحاجة المتزايدة إلى كفاءة الطاقة، ما دفع هذه الشركات إلى التركيز بشكل أكبر على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في معالجاتها.
ومن المتوقع أن تستمر المنافسة بين هذه الشركات ومعالجات ARM في التأثير على مستقبل التكنولوجيا.