يدلي الناخبون في جورجيا، السبت، بأصواتهم في انتخابات برلمانية توصف بأنها “معركة وجودية”، ستحدد ما إذا كانت البلاد ستندمج بشكل وثيق مع الغرب أم ستعود إلى الميل باتجاه روسيا.
وبدأ التصويت في مراكز الاقتراع في تمام الساعة 04:00 بتوقيت جرينتش، وينتهي في 16:00 بتوقيت جرينتش، إذ يحق لنحو 3.5 مليون مواطن جورجي التصويت.
ويتنافس في الانتخابات حزب “الحلم الجورجي” الحاكم منذ عام 2012، مع أربعة تكتلات رئيسية تمثل المعارضة الموالية للغرب وهي، “التحالف من أجل التغيير”، و”جورجيا القوية”، و”من أجل جورجيا”، بالإضافة إلى “الوحدة- الحركة الوطنية”، الذي يضم الحزب الحاكم السابق “الحركة الوطنية المتحدة”.
وظلت جورجيا على مدى عقود واحدة من أكثر الدول التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تأييداً للغرب، وسيطر الانفصاليون المدعومون من روسيا على مساحات من أراضيها في تسعينيات القرن الماضي، وهُزمت في غزو روسي وجيز في عام 2008.
ولكن منذ غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، أعاد حزب “الحلم الجورجي” تقريب البلاد من موسكو، متهماً الغرب بـ”محاولة استدراجها إلى الحرب”، إذ تصف المعارضة هذا التحول بأنه “خيانة لمستقبل جورجيا” فيما يتعلق بالتقارب مع أوروبا.
مستقبل جورجيا
وفي الإطار، وصف الملياردير، بيدزينا إيفانيشفيلي، مؤسس حزب “الحلم الجورجي” ورئيس الوزراء السابق، الانتخابات بـ”خيار بسيط للغاية”.
وأضاف في تصريحات بينما كان يدلي بصوته في العاصمة تبليسي: “إما أن ننتخب حكومة تخدمكم، تخدم الشعب الجورجي أو ننتخب عميلاً لدولة أجنبية سينفذ فحسب مهام دولة أجنبية”. ويعد إيفانيشفيلي صاحب أكبر نفوذ فيما يتعلق بمن ينبغي أن يدير البلاد.
بدورها، قالت الرئيسة، سالومي زورابيشفيلي، بعد الإدلاء بصوتها في العاصمة: “هذا اليوم سيحدد مستقبل جورجيا. الليلة سيكون هناك انتصاراً، والذي سيكون انتصاراً لجورجيا، كل جورجيا”. وتعد زورابيشفيلي من منتقدي حزب “الحلم الجورجي” ومنصبها شرفي إلى حد بعيد.
وهناك نوعان من الملصقات الانتخابية التي تزين اللوحات الإعلانية في وسط مدينة تبليسي، وكلاهما لـ “الحلم الجورجي”، لكن الأول يحمل لون ونجوم علم الاتحاد الأوروبي، أما الثاني فيقارن مشاهد الدمار في أوكرانيا مثل “الجسر المنهار في إربين، والمسرح المدمر في ماريوبول مع المباني في جورجيا”.
ويقدم الملصق الثاني رسالة مفادها: “اختر حزب الحلم الجورجي، الذي تسيطر عليه الأوليجارشية الموالية لروسيا، من أجل السلام، أو ادعم المعارضة وأجلب الحرب”، وفق ما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وفي حين أن الرسالة المؤيدة للاتحاد الأوروبي في الملصقات الأولى تهدف إلى حشد الدعم في بلد، حيث الأغلبية الساحقة من الناس يؤيدون الانضمام، فإن هذه الملصقات الأخيرة أثارت غضب العديد من الجورجيين، الذين يشعرون بإحساس عميق بالتضامن مع أوكرانيا.
وقالت تينا بوكوتشافا، زعيمة “الحركة الوطنية المتحدة”، أكبر حزب معارض: “إنه لأمر مهين للغاية بالنسبة لمعظم الجورجيين أن تحاول الاستفادة من بؤس أصدقائنا واستخدامه لأغراض سياسية”.
من جانبها، قالت إيلين خوشتريا، زعيمة حزب “التحالف من أجل التغيير” المعارض أيضاً: “إنها حالة نادرة حقاً من إرهاب الحكومة لمواطنيها لصالح الحزب”.
ويرى الجورجيون والمراقبون من الخارج أن الانتخابات البرلمانية التي انطلقت، تعد الأكثر أهمية منذ الاستقلال قبل ثلاثة عقود من الزمان، كما أنها لحظة محورية ستحدد ما إذا كانت البلاد ستصبح ديمقراطية ذات سيادة متكاملة مع الغرب، أو تعود إلى الاستبداد وفلك روسيا.
أكبر من مجرد انتخابات
ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووكلاؤه بشدة لضمان بقاء جيران روسيا السوفييت السابقين في مجال نفوذه، وليس فقط من خلال غزو أوكرانيا، حسبما يصف ستيفن إيفرتس، مدير معهد دراسات الأمن التابع للاتحاد الأوروبي، والذي اعتبر أن جورجيا “أكثر أهمية بكثير من مصير أربعة ملايين شخص على الجانب الآخر من البحر الأسود. إنها تتعلق أيضاً بما هي أوروبا، وما هي القيم الأوروبية؟ إنها معركة من أجل روح أوروبا”.
وتزعم كل من الحكومة وتحالف المعارضة أنهما في طريقهما إلى النصر، ما يجعل الصدام حول النتيجة مؤكداً تقريباً، إذ يخشى زعماء المعارضة وممثلو المجتمع المدني والمحللون أن تحذو جورجيا حذو بيلاروس، حيث أسفرت الانتخابات في عام 2020 عن قمع واسع النطاق بدعم من موسكو.
من جانبه، أفاد نيكولوز سامخارادزي، عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الجورجي: “تعتبر المعارضة هذه الانتخابات خياراً جيوسياسياً، أوروبا مقابل روسيا”.
وأضاف: “نحن (الحزب الديمقراطي الجورجي) لا نرى ذلك كانتخابات ستحدد مصير جورجيا للسنوات الخمسمائة القادمة، بالنسبة لنا، هذه انتخابات عادية حيث تكون الأمور على المحك هي الاقتصاد والرفاهة الاجتماعية والبنية الأساسية والحفاظ على السلام والاستقرار”.
ومع ذلك، فإن الملصقات ليست سوى جزءاً واحداً من حملة عدوانية يقول المنتقدون إنها تحمل السمات المميزة لعملية الدعاية والتلاعب الروسية، بما في ذلك طوفان من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
نظام نسبي
وتتمتع البلاد بنظام انتخابي نسبي بالكامل، ولكن الحد الأدنى للتمثيل البرلماني البالغ 5% يشكل تحدياً للأحزاب الأصغر.
بدورها، ترى الأحزاب المعارضة إن حزب “الحلم الجورجي” لن يفوز بأكثر من 35 % من الأصوات، كما أن عدد قليل من الاستطلاعات المنشورة الموثوقة، ولكن المحللين المطلعين على استطلاعات الرأي الداخلية لكلا الجانبين يقولون إن الانتخابات متوازنة بشكل جيد، حيث يعتمد كل شيء على نسبة المشاركة.
ولدى جورجيا تاريخ من القادة المنتخبين ديمقراطياً الذين تحولوا إلى الاستبداد قبل إزاحتهم من السلطة، إذ أطاحت “الثورة الوردية” بإدوارد شيفرنادزه في عام 2003، وانتهى الأمر بحكومة ساكاتشفيلي الإصلاحية إلى دولة بوليسية وهُزِمت في انتخابات عام 2012، عندما وحد إيفانشفيلي المعارضة ضده، والآن جاء دور إيفانشفيلي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، أصدر مسؤولو الاتحاد الأوروبي تحذيرات صارخة بشكل متزايد من أن انضمام جورجيا معرض للخطر، إذا دعم الناخبون حزباً تتعارض أفعاله مع قيم الكتلة.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تعهد الاتحاد الأوروبي بإعادة تنشيط عملية التوسع المتوقفة منذ فترة طويلة إلى شرق وجنوب شرق أوروبا، بحجة أنه لا ينبغي أن تكون هناك مناطق رمادية أخرى يمكن لموسكو استغلالها.
وإثر ذلك، تم منح أوكرانيا ومولدوفا وضعية المرشح، وهي الخطوة الأولى على طريق العضوية، تلاها جورجيا في أواخر عام 2023، لكن عملية انضمام جورجيا تم تجميدها فجأة من قبل التكتل بسبب “التحول الاستبدادي للحكومة”.