بعد مُضي أكثر من 3 سنوات على هجوم مبنى الكابيتول الأميركي في محاولة لوقف تسليم السلطة، ومع اقتراب موعد انتخابات 2024 في الخامس من نوفمبر، يعيد دونالد ترمب مجدداً طرح الادعاءات حول سرقة انتخابات 2020، وبمساعدة وسائل إعلام يمينية يدعي أن المهاجرين غير الشرعيين يحاولون التصويت بشكل غير قانوني في الانتخابات.
وتبنى المرشح الجمهوري، طوال موسم الحملة الرئاسية 2024، نسخة متطورة من نظرية مؤامرة كان قد روج لها في 2016، معروفة باسم “الاستبدال العظيم”، تزعم أن الديمقراطيين سمحوا للمهاجرين غير البيض بدخول الولايات المتحدة لاستبدالهم بناخبين أميركيين بيض لتحقيق الأجندة الديمقراطية السياسية، وذلك من خلال التصويت للحزب الديمقراطي في الانتخابات.
ولم تكن تلك المؤامرة الأولى التي تبناها ترمب، فقد سبق ورّوج لنظرية مؤامرة وصفها أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير مركز القيادة ودراسات الإعلام ستيفن جيه فارنسورث، في تصريحات لـ”الشرق”، بأنها “أكبر نظريات المؤامرة المرتبطة بانتخابات رئيس الولايات المتحدة”، ويقصد بذلك ادعاءات ترمب بسرقة انتخابات العام 2020.
وكان ترمب قد حاول إلغاء نتائج انتخابات 2020، التي فاز فيها منافسه الرئيس جو بايدن، مدعياً أن الديمقراطيين “زوّروا الانتخابات”، فيما حفزت تلك المزاعم مناصريه للهجوم على مبنى الكابيتول في يناير 2021.
ومع ذلك، لم يكن ترمب الرئيس الوحيد الذي تورط في نظريات مؤامرة تتعلق بالانتخابات، فقد شهدت الانتخابات الأميركية على مدى تاريخها نظريات مؤامرة تتعلق بالتلاعب بالنتائج، أو اتهامات بالتآمر على مرشحين، أو حتى نشر الشائعات للإضرار بالخصوم السياسيين.
“الصفقة الفاسدة”
وأُثيرت في انتخابات العام 1824 شكوك كبيرة حول مدى نزاهة العملية الانتخابية والصفقات السياسية والمؤامرات التي أثرت على النتيجة النهائية مع فوز جون كوينسي آدامز بالرئاسة، رغم حصد أندرو جاكسون أغلبية الأصوات الشعبية وحصوله على العدد الأكبر من أصوات المجمع الانتخابي.
وفي تلك الانتخابات، تنافس 4 مرشحين رئاسيين من الحزب الجمهوري الديمقراطي، الذي كان الحزب الوحيد آنذاك، وهم أندرو جاكسون، وجون كوينسي آدامز، وويليام كروفورد، وهنري كلاي.
ورغم فوز جاكسون بأغلبية الأصوات الشعبية وحصوله على العدد الأكبر من أصوات المجمع الانتخابي، لم يتمكن أي من المرشحين من تحقيق الأغلبية المطلقة المطلوبة للفوز بالرئاسة.
نتيجة لذلك، تم تحويل القرار إلى مجلس النواب، الذي كان يحق لأعضائه اختيار الرئيس من بين المرشحين الثلاثة الذين حصلوا على أعلى الأصوات في المجمع الانتخابي.
وفي تلك المرحلة، لم يكن كلاي من ضمن المتنافسين النهائيين، لكنه لعب دوراً حاسماً، حيث قيل إنه عقد صفقة مع جون كوينسي آدامز، عُرفت بـ”الصفقة الفاسدة”، إذ دعم كلاي آدامز في التصويت بمجلس النواب، ما أسهم في فوز آدامز بالرئاسة، وفي المقابل، قام آدامز بتعيين كلاي وزيراً للخارجية في إدارته.
لكن الأمر لم ينته عند ذلك، إذ قرر جاكسون بعد 4 سنوات خوض السباق الرئاسي، مدفوعاً بتصاعد الدعم الشعبي له بعد ما اعتبره أنصاره “تلاعباً” بنتائج انتخابات 1824.
وخلال الحملة الانتخابية المحتدمة لعام 1828، ظهرت نظريات مؤامرة جديدة استهدفت جاكسون ومؤيديه. فقد زعم رجال الإدارة الداعمين للرئيس جون كوينسي آدامز أن أنصار جاكسون كانوا يخططون لانقلاب إذا فشل مرشحهم في الفوز بالرئاسة.
وادعت هذه النظرية أن أعضاء كونجرس مؤيدين لجاكسون عقدوا اجتماعات سرية لمناقشة إمكانية “حل الاتحاد”، ووصلت الشائعات إلى حد ترويج فكرة أن جاكسون، إذا لم يتم انتخابه، سيحاول الاستيلاء على السلطة بالقوة، وفقاً لما جاء على موقع مؤسسة “سميثسونيان”.
وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل حقيقي يدعم هذه الادعاءات، فإن فكرة أن جاكسون قد يقود تمرداً عسكرياً كانت تتماشى مع أجواء الشك والمشاعر العدائية التي سادت في تلك الانتخابات.
الأدلة لا تهم
ادعاءات سرقة انتخابات 1824، لم يترتب عليها عنف سياسي واسع وتخريب للثقة في العملية الانتخابية، كما حدث في 2020 من اقتحام مبنى الكابيتول.
وفي هذا الصدد، قال فارنسورث إن أكبر نظريات المؤامرة المرتبطة بانتخابات رئيس الولايات المتحدة هي الادعاءات الكاذبة للرئيس السابق ترمب بأن انتخابات عام 2020 سُرقت، مضيفاً أنه “رغم من أن كل حكم قضائي وكل قرار صادر عن كل حاكم ولاية وهيئة تشريعية للولاية قد أكد أنه لم يكن هناك تزوير انتخابي كافٍ لتغيير النتيجة قبل 4 سنوات، يواصل ترمب والعديد من الجمهوريين تكرار الأكاذيب حول فوزه، وأدى تركيزه المستمر على تلك الادعاءات الكاذبة إلى تآكل الثقة العامة في العملية الانتخابية ونزاهتها وأعد المسرح للفوضى في يوم الانتخابات والأسابيع التي تلتها”.
وبالفعل يعتقد عدد قليل من الأميركيين، بالتحديد 37%، أن انتخابات 2024 ستكون نزيهة، بحسب ما توصل إليه استطلاع رأي أجراه مجلس الشؤون العامة لعام 2023، في الفترة من 1 إلى 3 سبتمبر بواسطة شركة Morning Consult.
وفي حين أن 43% لديهم شكوك جدية حول صدق الانتخابات وانفتاحها أو كليهما، لفت الاستطلاع إلى أن الجمهوريين والمستقلين أكثر تشككاً من الديمقراطيين بشأن شرعية الانتخابات المقبلة.
ورغم مرور أكثر من 3 سنوات ومحاولات السلطات المحلية والولائية مراراً لدحض نظريات المؤامرة وإثبات أن الانتخابات تُجرى بطريقة مهنية وجديرة بالثقة، لم يتغير الكثير من موقف الجمهوريين الذين قالوا إن بايدن فاز بسبب انتخابات “مزورة”.
وأرجع فارنسورث ذلك إلى أن الأدلة “لا تهم العديد من أنصار ترمب، الذين يصر الكثيرون منهم، دون دليل، على أن عملية التصويت في هذا البلد فاسدة إذا لم يفز مرشحهم”.
مؤامرة نيكسون و”سرقة” بوش
في عام 1968، اتُهم المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون بالتآمر لعرقلة محادثات السلام التي أجراها ليندون جونسون في فيتنام.
ومن أجل تعزيز فرصه في الفوز بالانتخابات، تواصلت حملة نيكسون مع حكومة فيتنام الجنوبية وشجعتهم على عدم المشاركة في محادثات السلام، ما أضر بحظوظ منافسه الديمقراطي هيوبرت همفري.
وكان نيكسون، باعتباره مرشحاً جمهورياً، قد اقتنع بأن جونسون، الديمقراطي الذي قرر عدم الترشح لإعادة انتخابه، حاول عمداً تخريب حملته من خلال جهود سلام ذات دوافع سياسية تهدف في الأساس إلى تعزيز ترشيح نائبه، هيوبرت همفري.
وفي انتخابات العام 2000 بين جورج بوش الابن وآل جور، شكك الكثيرون في دقة فرز الأصوات في فلوريدا، إذ تم اتهام المحكمة العليا، التي أوقفت إعادة الفرز، بأنها ساهمت في “سرقة” الانتخابات لصالح بوش.
وأثار قرار المحكمة، تسليم السلطة لبوش بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة، جدلاً واتهامات من قبل الديمقراطيين بسرقة الانتخابات لصالح بوش، خاصة أن الخمس قضاة كانوا مرشحين من قبل رؤساء جمهوريين، رغم أنه لا يوجد دليل موثوق على أن تمديد إعادة الفرز لفترة أطول كان ليغير النتيجة في فلوريدا لو استكمل إعادة الفرز.
وخاضت حملتا جور وبوش معركة في المحاكم لمدة 36 يوماً، وبعد السماح بفرز الأصوات يدوياً، أمرت المحكمة العليا في فلوريدا بإعادة فرز الأصوات يدوياً على مستوى الولاية.
وفي اليوم التالي، استأنف فريق بوش القرار أمام المحكمة العليا الأميركية، التي أوقفت إعادة الفرز، لأنها سارعت إلى التوصل لقرار بحلول 12 ديسمبر، وهو الموعد الذي كان على فلوريدا أن تقرر فيه من سينتخبون، فجاء قرار المحكمة العليا ليمنح فلوريدا والبيت الأبيض إلى بوش.
وقال أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو بول بيك، لـ”الشرق”، إن نظريات المؤامرة غالباً ما تظهر وتؤثر بشكل كبير على العملية الانتخابية في أوقات الانقسام السياسي أو عندما تكون النتائج متقاربة ومثيرة للجدل.
وأشار بيك إلى أن المؤامرات الانتخابية والترويج لها قد يؤثر على ثقة الناخبين في العملية الديمقراطية، وبالتالي قد يحجموا عن التصويت على اعتبار أنها انتخابات محسومة سلفاً، مضيفاً أن المرشحين وأنصارهم قد يستخدموا نظريات المؤامرة كأداة دعائية للتأثير على الرأي العام.
وأشار فارنسورث إلى أن ترمب “ما زال يستخدم روايته بشأن تزوير انتخابات 2020، خلال حملته الرئاسية الحالية كأداة لشد انتباه قاعدته المؤيدة والحفاظ على ولائهم له”، ومع ذلك، يؤكد فارنسورث أن هذا النهج لا يبدو مفيداً لجذب الناخبين المترددين.
وأضاف أنه بالنسبة للمسؤولين الجمهوريين المنتخبين الذين يرفضون رواية ترمب حول انتخابات 2020، فسيواجهون تحديات كبيرة في المستقبل، إذا حاولوا البقاء في مناصبهم، حيث سيتعرضون لمنافسين في الانتخابات التمهيدية يدعمون وجهة نظر ترمب حول تلك الانتخابات، بمعنى أنهم سيواجهون تحديات قوية من داخل الحزب.