منعت تركيا “سراً” تصدير المعدات العسكرية الأميركية إلى روسيا بعد أن حذرت الولايات المتحدة أنقرة من “عواقب” إذا لم توقف إرسال السلع الأميركية المنشأ التي تعتبرها واشنطن وحلفاؤها الغربيون حيوية لجهود موسكو الحربية في أوكرانيا، وفق مصادر لـ”فاينانشيال تايمز”.
وذكرت مصادر مطلعة للصحيفة البريطانية أن النظام الجمركي الإلكتروني التركي لم يعد يسمح للمصدرين بالمضي قدماً في إرسال شحنات جديدة إلى روسيا، بعد أن مكنهم سابقاً من نقلها إلى هناك.
ونقلت “فاينانشيال تايمز” عن المصادر قولها إن القيود التجارية، التي تؤثر على الجوانب المدنية، مثل الرقائق الدقيقة وأنظمة التحكم عن بعد، التي يقول حلفاء غربيون إنها تستخدم في صناعة الأسلحة، لم يتم الإعلان عنها علناً بسبب “الحساسيات السياسية”.
ووضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه في صورة صانع “سلام محتمل” في حرب أوكرانيا مع الحفاظ على علاقات دافئة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتقى الرجلان بقمة البريكس في قازان، الأربعاء، لكن “الحظر الهادئ” على الصادرات العسكرية إلى روسيا يشكل أحدث إشارة إلى تراجع تركيا عن دورها كشريان حياة لآلة الحرب في موسكو، بحسب تعبير المصادر.
وخفضت البنوك التركية بشكل حاد أعمالها مع الأطراف الروسية المقابلة، هذا العام، بعد أن أصدرت الولايات المتحدة أمراً تنفيذياً يهدد بفرض عقوبات على المقرضين الذين يعالجون المعاملات لصالح آلة الحرب التابعة للكرملين.
ولطالما كانت واشنطن تخشى من استخدام تركيا كوسيط يمكن من خلاله لروسيا الوصول إلى السلع المرتبطة بالجيش، وهو الشك الذي شوه العلاقات بين الحليفين.
وتشمل هذه السلع إلكترونيات متقدمة تظهر بانتظام في الصواريخ وطائرات بدون طيار أسقطت في أوكرانيا، مثل المعالجات وبطاقات الذاكرة، فضلاً عن أدوات الآلات وغيرها من المعدات المستخدمة في إنتاج الأسلحة.
وتشعر الولايات المتحدة بقلق من أن تركيا باتت “مركزاً رئيسياً تشق خلاله الإلكترونيات الغربية الصنع، بما في ذلك المعالجات وبطاقات الذاكرة وأجهزة التضخيم، طريقها إلى الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية، ما يمثل انتهاكا لضوابط التصدير”، كما تشكل أدوات التشغيل “مصدر قلق آخر لواشنطن وحلفائها”.
ضغوط أميركية
وأرسلت إدارة جو بايدن كبار المسؤولين إلى تركيا في محاولة للضغط على حكومة أردوغان لاتخاذ إجراءات، بينما فرضت أيضاً عقوبات على الشركات التركية لمشاركتها في التجارة مع روسيا.
وارتفعت صادرات تركيا من هذه السلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث ارتفعت من حوالي 3 ملايين دولار شهرياً في بداية الحرب إلى ذروة بلغت حوالي 38 مليون دولار في ديسمبر 2022، وفقاً لإحصاءات الحكومة التركية الرسمية. وسجلت حوالي 4.1 مليون دولار في أغسطس من هذا العام، وهي أحدث الأرقام المتاحة.
ويعتقد أن الانخفاض الأخير في التجارة المباشرة يعزى جزئياً إلى تحول في بعض السلع التي تدخل في ساحات المعارك، والتي يتم تصديرها من تركيا إلى وسطاء مثل كازاخستان وأذربيجان، قبل أن تصل في نهاية المطاف إلى روسيا. ولا تؤثر القيود التجارية التركية الجديدة على الصادرات إلى هذه البلدان.
وفي أغسطس، التقى ماثيو أكسلرود، مساعد وزير التجارة، الذي يقود الجهود الأميركية لإبقاء التكنولوجيا الحساسة بعيدة عن أيدي خصوم أميركا، بمسؤولين ومديرين تنفيذيين أتراك في أنقرة وإسطنبول.
وفي ذلك الوقت، حذر تركيا من أنها ستواجه “عواقب” إذا لم تتخذ خطوات لوقف التعامل مع روسيا في السلع التي تدخل في ساحات المعارك. أكسلرود هو مسؤول كبير في مكتب الصناعة والأمن، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة لتطبيق ضوابط التصدير الضارة.
وقال أكسلرود لصحيفة “فاينانشال تايمز” ردا على استفسارات بشأن علامات تدل على أن تركيا راجعت سياستها المتعلقة بإرسال السلع الأميركية إلى روسيا، : “نعتقد أن الحكومة التركية سمعت وتفهمت مخاوفنا، ونحن متفائلون بأننا سنرى زيادة في التعاون في المستقبل”.
وتقول الصحيف إن الصين تظل المورد الأكثر أهمية لهذه السلع ذات الأولوية العالية، حيث شحنت ما قيمته 377 مليون دولار إلى روسيا في يوليو 2024. وارتفعت صادرات الهند إلى روسيا إلى ما يقرب من 100 مليون دولار شهرياً، مدفوعة بالكامل تقريباً بارتفاع مفاجئ في تدفق أجهزة الكمبيوتر ومكونات الحوسبة، بما في ذلك أجهزة كمبيوتر أبل المجمعة في الصين والخوادم المتطورة المخصصة للاستخدام في مراكز البيانات التي تركز على الذكاء الاصطناعي.