أثار هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، مخاوف واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا من تحول نهج واشنطن الحذر تجاه موسكو، والذي استمر لعقود من الزمن، بشكل مفاجئ، حسبما أوردت صحيفة “واشنطن بوست”.
ووصف ترمب، زيلينسكي، بـ”الديكتاتور”، قائلاً إنه “يرفض إجراء انتخابات وعليه التحرك سريعاً، وإلا فلن يتبقى له بلد يحكمه”.
وأضاف: “الممثل الكوميدي الناجح بشكل متواضع، فولوديمير زيلينسكي، أقنع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار للدخول في حرب لا يمكن الانتصار فيها”، مشيراً إلى أنه “لم يكن ضرورياً بدء هذه الحرب أبداً، لكنها حرب لن يتمكن من تسويتها أبداً بدون الولايات المتحدة وترمب”.
وكانت تصريحات الرئيس الأميركي قد جاءت بعد ساعات من تصريحات زيلينسكي، قال إنه “وقع في فقاعة تضليل روسية”، وذلك رداً على تصريحات ترمب بأن كييف مسؤولة عن الغزو الروسي الشامل لها في عام 2022.
وقالت “واشنطن بوست” إن الحرب الكلامية هذه تؤدي إلى زيادة المخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا، من أن ما بدا وكأنه تحول مفاجئ بعيداً عن عقود من السياسة الأميركية تجاه روسيا، ودعمها الثابت لأوكرانيا على مدى السنوات الـ 3 الماضية، قد يؤدي إلى أكبر تغيير في العلاقات الجيوسياسية منذ الحرب العالمية الثانية.
قلق أوروبي
واعتبرت “واشنطن بوست”، أن التحول السريع الذي شهدته السياسة الأميركية في الأسبوع الماضي، ترك أوروبا في حالة من القلق، إذ يخشى الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي “الناتو” من أن الولايات المتحدة قد تسحب قواتها من القارة، والتي كان قد تم تعزيزها بشكل كبير منذ بداية الحرب في أوكرانيا كإجراء رادع ضد محاولة بوتين السيطرة على مزيد من الأراضي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي سابق في إدارة ترمب الأولى، قوله: “لا يرى ترمب أي أبعاد عالمية لهذه المسألة، ولا يهتم حتى بالأمر، كما يتبنى جميع الأفكار التي يروّج لها بوتين في حديثه، لأنه يتفق معها أيضاً”.
وتابع: “أوكرانيا مثل أفغانستان والعراق وسوريا، حرب تخص بعض الحمقى الآخرين، وليست حربه، وهو يريد أن يزيلها من طريقه حتى يتمكن من التوصل إلى الاتفاق الذي لطالما كان يحلم بالتوصل إليه مع بوتين.. إنه أمر محزن، والآن بعد أن انتقده زيلينسكي، سيحاول التخلص منه”.
وأضافت الصحيفة أن ترمب كان متعاطفاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة ولايته الأولى، لكنه يبدو الآن وكأنه يتحول بعيداً عن السنوات الطويلة من الحذر الأميركي تجاه الكرملين، الذي استمر خلال العديد من الإدارات الأميركية، الجمهورية والديمقراطية، على حدٍ سواء.
وأشارت الصحيفة إلى أن التصعيد في تبادل التصريحات بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني، هذا الأسبوع، دفع بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين كانوا يعبرون عن قلقهم بشأن توجه ترمب نحو موسكو بشكل هادئ، إلى إصدار تصريحات علنية تراوحت بين الفزع والغضب.
ونقلت الصحيفة عن الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريماس، قولها: “نحن لا نفهم المنطق الأميركي بشكل جيد”، واصفة تصريحات ترمب بأنها “مختلفة ومتنوعة وغالباً ما تكون غير مفهومة”.
من جانبه، قال المستشار الألماني أولاف شولتز، إن تصريحات الرئيس الأميركي “خاطئة وخطيرة”، بينما دعت وزيرة خارجيته، أنالينا بيربوك، ترمب، إلى “النظر إلى العالم الحقيقي بدلاً من الاكتفاء بالتغريد”.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية، إن رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي من المقرر أن يزور ترمب في واشنطن، الأسبوع المقبل، اتصل بزيلينسكي، مساء الأربعاء، للتعبير عن دعمه.
اتجاه محيّر
وفي الكونجرس، أعرب المشرعون الذين يؤيدون محاولات ترمب بشأن وقف حرب أوكرانيا، عن اختلافهم مع روايته للأحداث، إذ قال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثون: “روسيا هي المعتدية، ولا شك في ذلك”، أما السيناتور، توم تيليس، فقال: “ديكتاتور.. هذه ليست الكلمة التي قد أستخدمها”.
ودعا السيناتور، تيم كين، المزيد من الجمهوريين إلى “التحدث بصراحة”، وعن وصف ترمب لزيلينسكي بـ “الديكتاتور” قال: “لا أحد يصدق ذلك سوى دونالد ترمب وفلاديمير بوتين”.
وذكرت الصحيفة، أن المسار الذي يتبعه الرئيس الأميركي وما يعنيه ذلك بالنسبة للعلاقة الأوسع مع الكرملين يحيّر الخبراء الأميركيين والروس، حتى أولئك الذين يعتقدون أن تواصل الولايات المتحدة مع روسيا هو النهج الصحيح لإنهاء الحرب والتباعد بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.
ونقلت الصحيفة عن توماس جراهام، المسؤول عن العلاقات الأميركية الروسية في مجلس الأمن القومي، خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، والذي يعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية، قوله: “أعتقد أنه يسيء تمثيل الوضع في أوكرانيا، ولا أعرف ما يأمل في تحقيقه من ذلك.. هل هذه طريقة لتهيئة الرأي العام الأميركي لقبول فكرة الاستسلام لبوتين؟ لا أعرف كيف يعزز هذا المصالح الأميركية”.
بدورها، قالت أندريا كيندال تايلور، مسؤولة استخباراتية أميركية بارزة مختصة في الشأن الروسي خلال إدارتيْ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وترمب الأولى، وتعمل الآن في مركز الأمن الأميركي الجديد البحثي، إن وجهات نظرها بشأن ما يفعله ترمب تغيرت في الأسبوع الماضي، من الاعتقاد بأنه ببساطة لا يريد أن يبدو ضعيفاً من خلال التوصل إلى صفقة سيئة مع بوتين إلى الاعتقاد بأنه يهدف فقط إلى إنهاء الحرب.
وأضافت: “أعتقد أنه لا يهتم إذا توصلنا إلى نتيجة تُزيد من خطر القتال مستقبلاً، فهو يريد فقط أن يكون قادراً على أن يقول إنه أنهى الحرب، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى إضعاف موقف أوكرانيا وخلق ظروف ملائمة لإعادة تسليح روسيا وإعادة المحاولة، فطالما أن ذلك ليس في عهده فهو لا يهتم”.
كما نقلت الصحيفة عن ميكولا بيليسكوف، المحلل السياسي الذي تربطه علاقات وثيقة بمكتب زيلينسكي: “لقد جرّبنا بالفعل اتباع بعض الطرق للتفاعل مع ترمب، على أمل التأثير عليه، لكن يبدو أن مثل هذه الاستراتيجية لها حدودها”.
وأضاف: “الآن، يبدو أن استراتيجية التفاعل هذه تتعارض مع المصالح الأوكرانية الأساسية، وقد اختار الرئيس الأوكراني التعبير عن رأيه بصراحة بدلاً من إرضاء ترمب، وذلك بعد أن تم تهميش أوكرانيا في عملية المفاوضات”.