كشفت الدكتورة سارة الدوسري، المتخصصة في “آثار ما قبل التاريخ والفنون الصخرية” في الجزيرة العربية، خلال ورشة عمل قدّمتها ضمن البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض جازان للكتاب 2025، عن تاريخ الفنون الصخرية، ودورها في فهم الحضارات القديمة التي سكنت الجزيرة العربية.
وفي حديث مع “الشرق”، أوضحت “أن الفنون الصخرية هي كل أثر تركه الإنسان القديم على الصخور أو جدران الكهوف، سواء كان ذلك من خلال النحت أو الرسم”.
وأكدت أن الفنون الصخرية، “ليست مجرد خطوط وأشكال على الصخور، بل هي مرآة تعكس حضارة الجزيرة العربية، وشواهد حيّة تخبرنا عن مجتمعات متقدّمة، عرفت الزراعة والرعي والكتابة منذ آلاف السنين”.
سجل بصري
وعن الفنون الصخرية وتاريخها في الجزيرة العربية، أوضحت الدوسري أن الفنون الصخرية “ليست مجرد رسومات عابرة، بل هي سجل بصري، يوثّق أنماط الحياة والعادات والمعتقدات الدينية والاجتماعية، التي عاشتها المجتمعات القديمة في الجزيرة العربية”.
وعن الأهداف التي دفعت الإنسان القديم إلى ممارسة هذا النوع من الفنون، أوضحت أن النقوش في مراحلها الأولى، “كانت ذات أهداف عملية ووظيفية، مثل تحديد المناطق المقدّسة، أو توثيق طرق الهجرة والصيد وغيرها من الجوانب العملية، التي تضمن استمرارية الحياة”.
أضافت: “أما في العصور المتأخّرة، وخصوصاً العصر الحديدي، بدأت الفنون الصخرية تأخذ طابعاً جمالياً وفنياً، وظهرت نقوش الإبل والصيادين والمشاهد الحياتية اليومية، إلى جانب نصوص شعرية وغزلية، تعكس جانباً من الحياة الاجتماعية والثقافية آنذاك”.
الجزيرة العربية
وأوضحت أن الجزيرة العربية “تحتلّ المرتبة الرابعة عالمياً، لجهة عدد النقوش والرسومات الصخرية المكتشفة”.
وأكدت أن الدراسات “تشير إلى وجود تشابه بين الفنون الصخرية في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، لجهة الأسلوب والحقب الزمنية، ما يساعد الباحثين في تتبع الهجرات البشرية القديمة التي تأثّرت بعوامل بيئية مثل التصحّر”.
وأشارت إلى أن النحت “يتميّز بقدرته على مقاومة عوامل التعرية مقارنة بالرسم، وهو ما يفسّر وفرة النقوش المنحوتة في المواقع الأثرية بالمملكة”.
جذور تاريخية عميقة
وتحدثت الدوسري عن النقوش الكتابية التي وجدت على الصخور في المملكة، مثل الكتابات الثمودية وخط المسند، وهي تعدّ من أقدم أشكال الكتابة العربية.
وقالت: “نحن نتحدث عن نصوص تعود إلى ستة آلاف سنة، تسبق الأهرامات المصرية، وتوثّق تفاصيل الحياة اليومية، كأسماء الأماكن والآلهة القديمة، وصولاً إلى نصوص شعرية تحمل مشاعر إنسانية، فضلاً عن بعض النقوش التي وثّقت استئناس الإنسان بالحيوانات في الجزيرة العربية، مثل الأبقار قبل الجمال، في حقبة زمنية سابقة”.
جهود وطنية
وأكدت الدوسري “أن الجهات المعنية في السعودية، تولي هذا المجال اهتماماً ملحوظاً، يتمثّل في تسجيل العديد من المواقع الأثرية التي تضم الفنون الصخرية، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، كما عملت على تطويرها وحمايتها لتصبح وجهات ثقافية سياحية”.
تأتي أمسية الفنون الصخرية ضمن البرنامج المصاحب لمعرض جازان للكتاب 2025، ضمن مبادرة معارض السعودية للكتاب، التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة.