أجبرت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أسابيع في مدن الضفة الغربية، نحو 40 ألف فلسطيني في الضفة الغربية على النزوح من منازلهم، فيما وصف خبراء نزوحهم بأنه الأكبر في المنطقة منذ حرب 1967، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وأجبرت العمليات الإسرائيلية في مدن شمال الضفة الغربية، آلاف السكان على اللجوء إلى منازل أقاربهم وأصدقائهم، أو الاحتماء في قاعات الأفراح والمدارس والمساجد ومباني البلديات، وحتى في أكواخ المزارع، إذ تزعم إسرائيل أن حملتها تهدف إلى “ملاحقة المسلحين وعملياتهم في جنين وطولكرم ومحيط طوباس، ممن نفذوا أو يخططون لشن هجمات على إسرائيل”.
ورغم عودة نحو 3 آلاف شخص إلى منازلهم، لا يزال معظم النازحين دون مأوى بعد أكثر من 3 أسابيع من العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهي موجة نزوح تفوق تلك التي حدثت خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية في عام 2002.
ففي ذلك العام، اجتاحت القوات الإسرائيلية عدة مدن في أوج الانتفاضة الثانية، التي بدأت باحتجاجات قبل أن تتصاعد إلى مواجهات.
“تهجير غير معلن”
وفي المقابل، يخشى الفلسطينيون من أن تكون العملية الإسرائيلية الجارية حالياً في الضفة الغربية، “محاولة غير معلنة” لتهجيرهم بشكل دائم من منازلهم وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على المناطق الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية.
وينحدر كثير من النازحين من عائلات لاجئين طُردوا أو فروا من ديارهم خلال الحروب التي صاحبت قيام إسرائيل في عام 1948، فيما يعرف بـ”النكبة”.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز”، إن عمليات النزوح الجديدة، حتى وإن كانت مؤقتة، تثير “ذكريات أليمة” لهذا الحدث الذي يمثل”صدمة محورية” في التاريخ الفلسطيني.
كما تتجاوز أعداد النازحين حالياً تلك التي نتجت عن الاشتباكات في وقت سابق من العام الجاري، عندما اضطر نحو ألف شخص لمغادرة منازلهم في جنين، وفقاً لمجلس قيادة السكان هناك.
وعلى غرار ما حدث في عام 2002، لن يتمكن بعض النازحين من العودة إلى منازلهم، إذ هدمت القوات الإسرائيلية عشرات المباني في المناطق التي اجتاحتها، ودمرت الطرق وشبكات المياه والكهرباء.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن البنية التحتية للمياه والصرف الصحي دُمرت في أربعة أحياء حضرية مكتظة تعرف بـ”مخيمات اللاجئين”، حيث يقيم نازحون منذ عام 1948، مضيفاً أن بعض مرافق المياه تعرضت للتلوث بمياه الصرف الصحي.
مخيمات خارج الخدمة
بدوره، قال حكيم أبو صافية، المشرف على خدمات الطوارئ في مخيم طولكرم: “وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها المخيمات خارج نطاق الخدمة. لم تعد صالحة للسكن. حتى لو انسحب الجيش الإسرائيلي، لسنا متأكدين مما سيبقى لإصلاحه”.
وقالت “نيويورك تايمز”، إن حجم الأضرار لا يزال غير واضح، إذ أن الجيش الإسرائيلي لا يزال ينفذ عملياته في معظم المناطق التي اجتاحها، ولكن الأمم المتحدة سجلت بالفعل أضراراً جسيمة لحقت بأكثر من 150 منزل في جنين.
وبحلول أوائل فبراير الجاري، اعترف الجيش الإسرائيلي بتفجير ما لا يقل عن 23 مبنى، لكنه امتنع عن تأكيد العدد النهائي للمباني المدمرة.
وقال رامي أبو سرية (53 عاماً)، وهو حلاق اضطر لمغادرة منزله في طولكرم نهاية يناير الماضي، مع بداية العملية العسكرية هناك: “الجنود يسيطرون على منطقة تلو الأخرى، ويدمرون المنازل والبنية التحتية والطرق”.
وأضاف: “الإسرائيليون لديهم هدفان: الأول هو دفع اللاجئين من شمال الضفة نحو المناطق الوسطى لمحو المخيمات تماماً، والثاني هو القضاء على المقاومة وإضعاف قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم”.
وأقر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، ناداف شوشاني، بأن بعض السكان طُلب منهم مغادرة مبانٍ قريبة من مواقع وصفها بأنها “مخابئ للمسلحين”، لكنه نفى وجود سياسة عامة لإجبار الفلسطينيين على النزوح.
وقال: “إذا أراد الناس التنقل، فهم بالطبع أحرار في ذلك”، مشيراً إلى عودة 3 آلاف شخص إلى مخيم “الفارعة” قرب طوباس.
لكن نازحين فلسطينيين قالوا إنه في كل من جنين وطولكرم، تم توجيههم بالمغادرة من قبل الجنود الإسرائيليين الذين استخدموا مكبرات الصوت لإصدار أوامر إخلاء جماعية.
ورد الجيش الإسرائيلي على طلب “نيويورك تايمز” التعليق على هذا الحادث وحوادث مماثلة، قائلاً إنه “لم يصدر أوامر إخلاء، لكنه وفر ممرات آمنة لمن أراد المغادرة”.
سيطرة إسرائيلية
ويرفض الفلسطينيون تبريرات الجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى دعوات أطلقها وزراء في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لتشجيع نزوح الفلسطينيين من الضفة الغربية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وضم الأراضي المحتلة.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967، وطردت فلسطينيين من عدة قرى قرب إسرائيل، ما أدى إلى فرار مئات الآلاف نحو الأردن.
ومنذ ذلك الحين، عملت إسرائيل على ترسيخ سيطرتها تدريجياً من خلال بناء مئات المستوطنات، غالباً على أراضٍ فلسطينية خاصة، لاستيعاب مئات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين، بالإضافة إلى إنشاء هيكل قانوني مكون من مستويين يصفه المنتقدون بنظام “فصل عنصري”، لكن إسرائيل تنفي هذا الاتهام.
وتسارعت الجهود لتعزيز السيطرة الإسرائيلية بعد تولي الحكومة الحالية السلطة في عام 2022، حيث مُنح بتسلئيل سموتريتش، زعيم المستوطنين الذي أصبح وزيراً للمالية، صلاحيات موسعة للإشراف على وحدة عسكرية نافذة تتحكم في مشاريع البناء الفلسطينية في معظم الضفة.
وأثار هذا التطور الشكوك بشأن نوايا الحكومة، لا سيما أن سموتريتش كان قد نشر في عام 2017 خطة مفصلة تدعو لفرض سيطرة إسرائيلية دائمة على الضفة الغربية.
وتنص الخطة على حرمان الفلسطينيين من حقوق التصويت، على الأقل في البداية، ومن لا يقبلون السيطرة الإسرائيلية سيُعرض عليهم الحصول على تعويضات للهجرة، أو يُقتلون إذا لجأوا إلى العنف.