أعلنت شركة “مايكروسوفت” الأميركية أنها توصلت إلى حالة جديدة من المادة تختلف عن الحالات الثلاث المعروفة (السائلة والصلبة والغازية)، في مسعاها لصناعة “حاسوب كمي” قوي، يمكنه تسريع تطوير كل شيء من البطاريات إلى الدواء، إلى الذكاء الاصطناعي، وفق بيان صادر عن الشركة.
وقال علماء مايكروسوفت الأربعاء، إنهم تمكنوا من بناء كيوبت طوبولجي topological qubit (الجزيء الذي يحمل البيانات، ويوازي الـbit في الحواسيب العادية)، يعتمد على هذا النوع الجديد من الوجود المادي، والذي يمكن استخدامه لحل المشكلات الرياضية والعلمية والتكنولوجية، عبر شريحتهم الجديد Majorana1، والتي قالوا إنها أول شريحة في العالم مزودة بنواة طوبولوجية، يعتقد مطوروها أنها ستمكن العلماء من الوصول إلى كمبيوتر كمي، خلال سنوات وليس عقود.
والموصل الطوبولوجي، أو الموصل الطوبولوجي الخارق، هو فئة خاصة من المواد التي يمكنها إنشاء حالة جديدة تماماً من المادة – ليست صلبة أو سائلة أو غازية، بل حالة “طوبولوجية”. ويتم تسخير هذه الحالة خاصية لإنتاج qubit، أكثر استقراراً يتميز بالسرعة وصغر الحجم، وفق البيان.
وكجزء من أبحاثها، بنت الشركة عدة طوبولوجيات كمية داخل شريحتها الجديدة، وتجمع بين قوة أشباه الموصلات التي تشغل الكمبيوترات التقليدية مع أشباه الموصلات الخارقة التي تستخدم عادة لبناء الحواسيب الكمية.
وحين يتم تبريد هذا النوع من الشرائح إلى درجات حرارة منخفضة للغاية، يمكن لها أن تعمل بأساليب قوية للغاية وغير معتادة، تعتقد مايكروسوفت أنها ستمكنها من حل المشكلات التكنولوجية والرياضية والعلمية، التي يستحيل للكمبيوترات العادية حلها.
ومع التطور الجديد، رفعت مايكروسوفت الرهانات فيما يتعلق بالسباق التكنولوجي القادم الكبير، بما يتجاوز سباق الذكاء الاصطناعي الحالي.
ويسعى العلماء وراء حلم بناء حاسوب كمي، وهي أجهزة يمكنها استغلال السلوك الغريب والقوي للغاية للجسيمات دون الذرية، لبناء كمبيوترات خارقة، وفق “نيويورك تايمز”.
وبينما تعتمد الحوسبة التقليدية على “البتات” (Bits) التي تُمثّل القيم الثنائية (0 و1)، فإن الحوسبة الكمية تستفيد من الخصائص الغريبة للمادة على المستوى الكمومي، مثل التراكب الكمومي، والتشابك الكمومي، لتتمكن من معالجة المعلومات بطرق غير تقليدية وغير محدودة الإمكانيات.
ومن خلال استخدام “الكيوبتات” بدلاً من “البتات”، يمكن للأنظمة الكمومية إجراء عمليات حسابية معقدة بسرعة وكفاءة تفوق قدرة الحواسيب التقليدية بمراحل.
وتصاعد السباق في ديسمبر الماضي، حين كشفت جوجل عن حاسوب كمي تجريبي، يحتاج إلى خمس دقائق فقط لحل مسألة حسابية لا يمكن للحواسيب الخارقة الانتهاء منها خلال 10 سبتليون عام، وهي فترة أطول من عمر الكون المعروف.
وقد تشكل التكنولوجيا التي أعلنت عنها مايكروسوفت قفزة عما أعلنته جوجل.
وتقول مايكروسوفت، إن تقنيتها الجديدة ليست متقلبة وهشة كبقية التقنيات الكمية، وفق ما يكروسوفت التي تعتقد أن هذا يمكنها من استغلال هذه القوة بشكل فعال.
ويشكك البعض في توصل مايكروسوفت إلى هذا الإنجاز فعلاً، وقال عدد من الأكاديميين إنه لن يتم بناء حاسوب كمي بشكل كامل لعقود مقبلة، ولكن علماء مايكروسوفت قالوا إن طرقهم ستساعد في الوصول إلى هذه النقطة في وقت أقرب.
وقال تشيتان ناياك الذي قاد الفريق الذي قام ببناء هذه التكنولوجيا: “نحن نرى هذا كشيء يبعد عنا سنوات وليس عقود”.
وتضيف تكنولوجيا مايكروسوفت التي تم الإعلان عنها في ورقة بحثية نشرت في دورية نيتشر الأربعاء، زخماً إضافياً، يمكن أن يعيد تشكيل المشهد التقني.
وبالإضافة إلى تسريع التطور عبر مجالات تكنولوجية وعلمية عدة، فإن الحواسيب الكمية، يمكنها أن تصبح قوية كفاية لكسر التشفير المستخدم لحماية أسرار الأمن القومي.
ومن ثم، فإن أي تطورات في هذا المجال، يمكن أن تصبح لها عواقب جيوسياسية، وحتى فيما تستكشف الولايات المتحدة الحواسيب الكمية بشكل أساسي عبر شركات مثل مايكروسوفت، وعدد من الشركات الناشئة، فإن الحكومة الصينية قالت إنها ستستثمر 15.2 مليار دولار في هذه التقنية، وأعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بـ7.2 مليار دولار.
تكنولوجيا تجريبية
والحواسيب الكمية التي تقوم على عقود من البحث في نوع من الفيزياء يسمى ميكانيكا الكم، لا تزال تكنولوجيا تجريبية.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع تطورات من مايكروسوفت، وجوجل وآخرين، أصبح العلماء واثقين في أن هذه التكنولوجيا ستحقق أهدافها الموعودة.
وقال أستاذ الفيزياء النظرية في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا فرانك ويلتشيك: “الحواسيب الكمية هي أفق مثير للفيزياء، وللعالم”.
كيف تعمل الحواسيب العادية؟
ولفهم الحواسيب الكمية، يجب الرجوع لكيفية عمل الحواسيب التقليدية.
يعتمد الهاتف الذكي، أو اللابتوب، أو الكمبيوتر المكتبي على شريحة صغيرة مصنوعة من أشباه الموصلات، وهي مواد يمكنها توصيل الكهرباء في بعض، ولكن ليس كل الحالات.
وتخزن هذه الشرائح وتعالج الأرقام، وتضيفها وتضربها، وهكذا، وتؤدي هذه الوظائف عبر معالجة أجزاء من المعلومات bits، ويحوي كل منها رقم 1 أو 0.
ويعمل الحاسوب الكمي بشكل مختلف، فالـBit الكوانتمي، أو ما يسمى بـQuibt، يعتمد على السلوك الغريب للجزئيات دون الذرية، أو المواد الغريبة التي يمكن تبريدها لدرجات حرارة شديدة الانخفاض.
وحين تصبح هذه الجزئيات صغيرة للغاية أو باردة للغاية، يمكن لجزء منها أن يتصرف وكأنه جزأين مختلفين في نفس الوقت، وعبر استغلال هذا السلوك، يمكن للعاماء بناء Quibt، يمكنه أن يحمل تركيبة 1 و0 في الوقت نفسه. ويعني هذا أن 2 Quibt يمكنهما أن يحملا 4 قيم في وقت واحد، ومع نمو عدد الـQuibt، يصبح الحاسوب الكمي أكثر قوة.
أشباه موصلات خارقة
وتستخدم الشركات تقنيات مختلفة لبناء هذه الأجهزة. في الولايات المتحدة، وتستخدم أغلب الشركات بما في ذلك جوجل، أشباه موصلات خارقة، وهي مواد توصل الكهرباء دون فقدان الطاقة التي تنقلها.
وتتم صناعة أشباه الموصلات الخارقة، عبر تبريد الحديد إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض.
وراهنت مايكروسوفت على مقاربة مختلفة: جمع أشباه الموصلات العادية وأشباه الموصلات الخارقة.
وعرض المبدأ الأساسي لهذه العملية مع الاسم topological qubit، لأول مرة في 1997، بواسطة العالم الفيزيائي الروسي الأميركي أليكسي كيتاييف.
وبدأت الشركة العمل على هذا المشروع غير المعتاد، في بداية الألفينيات، حين لم يكن العديد من العلماء يعتقدون أن هذه التكنولوجيا ممكنة. وكان هذا هو أطول مشاريع مايكروسوفت.
وقال ساتيا ناديلا المدير التنفيذي للشركة: “هذا أمر راهن عليه الـ3 مدراء التنفيذيين للشركة”، في إشارة إلى بيل جيتس الرئيس التنفيذي السابق للشركة ومؤسسها، وكذلك، ستيف بالمر الذي أدار الشركة في بداية الألفينات.
وبنت الشركة حالياً جهازاً واحداً، جزء منه مصنوع من indium arsenide وهو نوع من أشباه الموصلات، وجزء ألومنيوم، وهو من أشباه الموصلات الخارقة التي تعمل في درجات حرارة منخفضة.
وحين يتم تبريده إلى 400 درجة تحت الصفر، يبدأ في ممارسة سلوك من عالم آخر، يمكن أن يجعل الحواسيب الكمية ممكنة.
وقال أستاذ الفيزياء في جامعة هارفارد فيليب كيم، إن اختراع مايكروسوفت الجديد هام؛ لأنه جزئيات المعلومات الكمية topological qubits يمكنها أن تسرع تطوير الحواسيب الكمية.
وأضاف: “إذا عمل كل شيء، فإن أبحاث مايكروسوفت، قد تصبح ثورية”.
ولكن جايسون أليثيا أستاذ الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا شكك فيما إذا كانت الشركة قد بنت الـ topological qubits بالفعل، قائلاً إنه من الصعب إثبات سلوك أنظمة الكوانتم.
وتابع: “الـ topological qubits ممكنة من حديث المبدأ، وهناك توافق على أنها هدف يستحق العمل من أجله، ولكن يجب أن تتمكن من التحقق، من أن جهازاً يتصرف بالطرق السحرية التي تتوقع النظريات أن يؤدي بها، وإلا فإن الواقع قد يكون أقل وردية للحواسيب الكمية. ومن حسن الحظ أن مايكروسوفت تحاول ذلك الآن”.
وقالت مايكروسوفت إنها بنت 8 topological qubit، ولكنها ليست قادرة بعد على إجراء العمليات الحسابية التي تغير من طبيعة الحوسبة، ولكن باحثي الشركة يرون أن هذه خطوة، نحو بناء شيء أكثر قوة.
وأضافت الشركة أنه حالياً، فإن هذه التكنولوجيا تنتج الكثير من الأخطاء، ما يجعلها غير مفيدة حالياً، ويعمل العلماء على وسائل لتقليل الأخطاء.
والعام الماضي، أعلنت جوجل أنها زادت عدد الـQuibts التي يمكن أن تقلل عدد الأخطاء عبر تقنيات حسابية معقدة.
وسيكون تصحيح الأخطاء أقل تعقيداً، وأكثر فعالية إذا استطاعت مايكروسوفت الوصول إلى topological qubits أفضل.
مشكلة معقدة
وفيما تتمكن الـQuibts من حمل أكثر من قيمة في الوقت نفسه، فإنها تواجه مشكلة معقدة، وهي أنه حين يحاول العلماء قراءة المعلومات المخزنة فيها، فإن الـQubits تزيل الترابط، وتنهار إلى وحدات bit تقليدية، لا يمكنها حمل سوى 1 أو 0.
ويعني هذا أنه حين يحاول العلماء قراءة الـQuibts فإنها تفقد قوتها، لذا يحاول العلماء العمل على طريقة للتغلب على ذلك.
وتعتقد مايكروسوفت أنها قادرة على حل هذه المشكلة أسرع من جوجل، لأن الـTopolgical Quibts تتصرف بشكل مختلف وهي نظرياً، أقل عرضة للانهيار حين يحاول العلماء قراءتها.