يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب المضي قدماً في مشروعه لتهجير سكان غزة، متجاهلاً بذلك الرفض الدولي لهذا المخطط، والذي ينذر بأزمة أكبر في المنطقة.
وأفاد تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن خطة ترمب لتهجير نحو مليوني فلسطيني وإبعادهم عن وطنهم ومنازلهم، يعتبره خبراء دوليون “انتهاكاً خطيراً لمبدأ القانون الدولي”، و”عنصراً من جرائم دولية الأخرى”، خصوصاً مع ظهور المزيد من التفاصيل بشأن اقتراحه، والذي قال إنه سيمنع سكان غزة من العودة إلى منازلهم.
وتقوض تصريحات ترمب محاولات مساعديه للتراجع عن اقتراحه الأولي، من خلال الادعاء بأنه كان يقترح في الواقع عمليات إجلاء طوعية مؤقتة لسكان غزة، وهو سيناريو كان من الممكن الدفاع عنه قانونياً.
وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة في “معهد أكسفورد للأخلاقيات والقانون والنزاعات المسلحة”، إن “ترمب يحوّل جرائم دولية كبرى إلى مقترحات سياسية بشكل عرضي، إنه فقط يقوم بتطبيع انتهاك المبادئ الأساسية المطلقة للقانون الدولي، أو يقترح انتهاكها”.
الترحيل القسري
التهجير أو الترحيل القسري للسكان المدنيين يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية.
والحظر المفروض على هذا الأمر كان جزءاً من قانون الحرب منذ “قانون ليبر”، وهو مجموعة من القواعد التي تحكم سير الأعمال القتالية، يعود تاريخه إلى الحرب الأهلية الأميركية.
والترحيل القسري محظور أيضاً بموجب عدة أحكام في اتفاقيات جنيف، التي صادقت عليها الولايات المتحدة. كما حدد ميثاق المحكمة العسكرية الدولية لعام 1945 بمدينة نورمبيرج الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية الترحيل القسري بوصفه جريمة حرب.
ويصنف نظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عمليات التهجير القسري للسكان كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وإذا كان التهجير يستهدف مجموعة معينة على أساس هويتها العرقية أو الدينية أو القومية، فإنه يعد اضطهاداً أيضاً، وهو ما يشكل جريمة إضافية.
وبالنظر إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعترف بدولة فلسطين كطرف في المحكمة، فإن لها الولاية القضائية على تلك الجرائم، إذا وقعت داخل غزة.
وعندما سُئل ترمب خلال مؤتمر صحافي عُقد في 4 فبراير عن عدد سكان غزة، الذين يريد نقلهم، قال: “جميعهم”. وعندما تم الضغط عليه بشأن ما إذا كان سيجبرهم على الرحيل إذا لم يرغبوا في ذلك، قال: “لا أعتقد أنهم سيقولون لي لا”.
وأدان حلفاء وخصوم الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيرلندا وإسبانيا وتركيا وروسيا والصين، على الفور وبشكل قاطع اقتراح ترمب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: “في إطار البحث عن حلول، يجب ألا نزيد المشكلة سوءاً. من الضروري التمسك بأسس القانون الدولي. من الأساسي تجنب أي شكل من أشكال التطهير العرقي”.
حق العودة
وقال ترمب لشبكة FOX News، إنه لا يخطط للسماح لسكان غزة بالعودة بعد تهجيرهم، وهو ما يؤكد جريمة أخرى، وهي منع المدنيين من العودة بعد إجلائهم مؤقتاً.
وحتى مع وقف إطلاق النار، لا يزال قطاع غزة خطيراً للغاية على المدنيين بسبب القنابل التي لم تنفجر، فضلاً عن الأضرار الكارثية التي لحقت بالاحتياجات الأساسية للمدنيين، مثل المأوى والمياه والكهرباء.
مع ذلك، أوضح ترمب، الثلاثاء، أنه لا يعتزم السماح لسكان غزة بالعودة، حتى بعد تطهير تلك المخاطر وعودة المنطقة إلى الوضع الآمن، ما يعني أن خطته لا يمكن تبريرها من الناحية القانونية باعتبارها مجرد إجراء مؤقت للسلامة.
و”حق العودة”، وهو المبدأ الذي ينص على أن لكل شخص الحق في العودة إلى بلاده، تنص عليه وتكفله عدة معاهدات دولية، تشمل “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي وقعت عليه الولايات المتحدة وصادقت عليه.
وهذا المبدأ كان أيضاً واحداً من أكثر المسائل إثارة للخلاف في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ورفضت إسرائيل السماح بعودة نحو 700 ألف فلسطيني هُجّروا من منازلهم خلال نكبة 1948.
وكانت مسألة السماح لهؤلاء اللاجئين وأحفادهم، الذين يبلغ عددهم الآن الملايين، بالعودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الآن، ن أكثر النقاط الشائكة في المفاوضات خلال عقود من محادثات السلام التي سعت إلى حل النزاع.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ الإسرائيليون اليمينيون جهوداً مستمرة منذ عقود لبناء مستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة من أجل المطالبة بتلك الأراضي كجزء من إسرائيل بدلاً من دولة فلسطينية مستقبلية.
الاستيلاء على الأراضي
جدد ترمب اقتراحه بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، قائلاً للصحافيين، الأحد، إن قطاع غزة عبارة عن “موقع عقاري كبير”، وإن الولايات المتحدة “ستمتلكه”.
واستيلاء الولايات المتحدة الدائم على أراضي غزة سيشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. والحظر المفروض على الضم القسري للأراضي يعد أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي.
وقال ماركو ميلانوفيتش، أستاذ القانون الدولي بجامعة “ريدينج” في بريطانيا: “القوانين واضحة: لا يمكنك غزو أراضي طرف آخر”.
ونادراً ما تنتهك الدول هذه القاعدة، وعندما تفعل ذلك فإنها تحاول على الأقل إضفاء طابع قانوني على تصرفاتها.
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعم أن غزو أوكرانيا “كان ضرورياً لحماية السكان الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا من إبادة جماعية تنفذها الحكومة الأوكرانية”. واعتبرت الأمم المتحدة هذا الادعاء “محاولة لإضفاء شرعية”، لأن الضم يعد غير قانوني.
وفي عام 2012، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة “دولة غير عضو لها صفة المراقب”، كما تعترف 146 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعترفان بها.
ومع ذلك، حتى إذا لم تُعتبر غزة جزءاً من دولة، فإن ضمّ الولايات المتحدة للمنطقة سيظل انتهاكاً لحق السكان المدنيين في تقرير مصيرهم. فقد حكمت محكمة العدل الدولية مرتين بأن للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير داخل غزة.
وقال ماركو ميلانوفيتش، أستاذ القانون الدولي في جامعة “ريدينج”، إنه: “إذا أخذت الأرض دون موافقتهم، فهذا ينتهك حقهم في تقرير المصير، لا شك في ذلك على الإطلاق”.
دور القانون الدولي
لم يُبد ترمب أي اهتمام بكيفية نظر المؤسسات القانونية الدولية إلى مقترحه، وأظهر ازدراء لهذه المؤسسات.
وكان ترمب أعلن الأسبوع الماضي عن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ووقع، الثلاثاء، أمراً تنفيذياً يدعو إلى مراجعة شاملة لتمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة ومشاركتها فيها، ما أثار تساؤلات بشأن التزام واشنطن بهذه المنظمة الدولية.
كما أعلن عن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وحتى لو لم يمض مخطط ترمب بشأن غزة قدماً في نهاية المطاف، فإن موقفه من القانون الدولي ربما يكون له عواقب خطيرة على المصالح الأميركية في العالم.