أشاد زعماء اليمين المتطرف في أوروبا بتأثير الأسابيع الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية، متجاهلين تهديداته بفرض رسوم جمركية على دول الاتحاد الأوروبي، فيما شددوا على ضرورة أن يتبنى التكتل، سياسات حمائية لمستقبله، وفق ما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وجاء التجمع الحاشد في العاصمة الإسبانية مدريد، تحت شعار “لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”، السبت، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من تولي ترمب منصبه، وفي وقت تزدهر فيه أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وفثق نتائج انتخابات العام الماضي، بعدما حققت أفضل أداءً لها على الإطلاق.
واستضاف سانتياجو أباسكال، زعيم حزب “فوكس” اليميني المتطرف في إسبانيا، الحدث الذي دعا إلى عقده مجموعة “الوطنيين من أجل أوروبا”، ثالث أكبر مجموعة في برلمان أوروبا، إذ تجاهل أعضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة أي مخاوف بشأن تهديدات ترمب، وركزوا بدلاً من ذلك على الاتحاد الأوروبي.
وفي الانتخابات التي جرت الصيف الماضي للبرلمان الأوروبي، لم يتحقق ما توقعه الكثيرون من موجة دعم للأحزاب اليمينية المتطرفة بالكامل، لكن العديد من هذه الأحزاب تحظى بشعبية بين الناخبين الشباب، ولديها فرصة لدخول الحكومات في الانتخابات المقبلة، ويعتقدون أن فوز ترمب “يصب في مصلحتهم”، حسبما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”.
وفي التجمع، كان الاتحاد الأوروبي مكروهاً بالإجماع باعتباره “مجموعة من البيروقراطيين غير المنتخبين المصممين على انتهاك حقوق الدول من خلال التنظيم المفرط وتخريب اقتصاداتها بسياسات تغير المناخ”.
الهجرة في مقدمة أولويات اليمين المتطرف
ولم يذكر أي من القادة خطوتين اتخذهما ترمب، وهما مصدر قلق كبير في أوروبا: تهديده بفرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية لإعادة التوازن إلى العجز التجاري، وخطته لطرد ملايين الفلسطينيين من غزة، كما تجنبوا الإشارة إلى طلب الرئيس الأميركي من الحكومات الأوروبية إنفاق المزيد على دفاعها، لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة.
وندد القادة بـ”الهجرة غير المنضبطة” ودعوا إلى إنهاء دفع الاتحاد الأوروبي نحو الطاقة النظيفة، والتي قالوا إنها تضر باقتصاد الكتلة، كما هاجموا سياسات “اليقظة” واحتفلوا بإعلان ترمب أن الولايات المتحدة ستعترف بجنسين فقط.
وقال رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، إن سياسات ترمب بشأن الوقود الأحفوري والهجرة والجنسين “أثبتت صحة صفات الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف أوربان: “لقد غير إعصار ترمب العالم في غضون أسابيع قليلة، بالأمس كنا زنادقة، واليوم أصبحنا من التيار الرئيسي”.
من جانبها، قالت أفروديتي لاتينوبولو، وهي مشرعة من حزب “صوت العقل” اليميني المتطرف اليوناني، إن انتخاب ترمب يمثل “الفرصة الأخيرة للعالم الغربي”.
بدورها، قالت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي، إن “التاريخ تسارع منذ فوز ترمب في الانتخابات. نحن نواجه نقطة تحول حقيقية”، مضيفة أنه رداً على التغيير السياسي العميق “يبدو أن الاتحاد الأوروبي مذهول”.
وقال خيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي: “نرفض الركوع أمام الأجندة المتطرفة لليسار المستيقظ. ونرفض الاستسلام للشعور بالذنب بسبب التعددية الثقافية. يريد الناس في جميع أنحاء أوروبا منا، استعادة العقلانية والوضوح الأخلاقي”.
أما أندريه بابيس، رئيس الوزراء التشيكي السابق وزعيم حزب ANO، فقد انتقد سياسات الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ.
وقال بابيس، الذي أعلن أن الصفقة الخضراء “غير قابلة للإصلاح”: “في بروكسل، يتظاهرون بأن شيئاً لم يتغير (…) إنهم يواصلون دفع أيديولوجية الصفقة الخضراء، وكأن الصناعة الأوروبية لا تغلق أبوابها وتنتقل إلى الخارج، وكأن ملايين الأسر لا تكافح فقر الطاقة”.
ولم ينضم زعماء اليمين مثل رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الحدث، إذ لا تزال العديد من الأحزاب تعتبر “منبوذة” في البرلمان الأوروبي في بروكسل.
تهديدات ترمب
وهيمنت تهديدات الرئيس الأميركي بشأن ضم جزيرة جرينلاند، وفرض رسوم جمركية، على اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز الدفاع، عقد الاثنين الماضي، ملوحين باتخاذ “إجراءات انتقامية، إذا لزم الأمر”، ومحذرين من حرب تجارية مع الولايات المتحدة، من شأنها أن “تزعزع استقرار الاقتصادات على جانبي المحيط الأطلسي”.
وبرز القلق بشأن الحرب التجارية الوشيكة، والتي يعتقد دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي، أنها قد تأتي في أقرب وقت هذا الأسبوع، مع وصول زعماء الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل، لمناقشة الإنفاق الدفاعي على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية ومطالب ترمب بتقاسم الأعباء.
وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد، إنه في مرحلة ما، سيضطر الاتحاد الأوروبي إلى الرد بالمثل.
ولم يوضح صناع السياسات الأوروبيون بعد بالضبط، كيف سيردون على خطوة ترمب. وبدلاً من ذلك، أكدوا على أن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكثر أهمية لأوروبا، وأن الحرب التجارية ستكون مؤلمة لجميع الأطراف المعنية.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تقبلت أغلب الأحزاب الرئيسية في أوروبا، الحاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع، وتحدثوا عن الوحدة لمواجهة النزاعات التجارية المحتملة مع ترمب، لكن قِلة من المشاركين في التجمع تحدثوا عن الحاجة إلى زيادة التعاون بين دول التكتل.