قالت مصادر أوروبية مطلعة، الاثنين، إن حكومات الاتحاد الأوروبي ستتمكن من زيادة إنفاقها العسكري دون انتهاك قواعد الميزانية للتكتل، وذلك بموجب خطط لتوسيع نطاق ما يمكن تصنيفه كاستثمار دفاعي، حسبما ذكرت مجلة “بوليتيكو”.
وتبحث أوروبا باستماتة عن سُبل لتمويل احتياجاتها الدفاعية، مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثالث، ومطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت المصادر أن تكاليف تشغيل القوات العسكرية وصيانة المعدات، التي تُحسب حالياً ضمن عجز الميزانية الخاضع لرقابة صارمة من المفوضية الأوروبية، قد تُدرج ضمن الإنفاق الدفاعي الأساسي.
وقالت إحدى المصادر، إن الخطة تهدف إلى تضمين “جميع الاستثمارات المتزايدة، مثل القوة البشرية أو صيانة المعدات الجديدة، وليس فقط مشتريات المعدات”، وسط توقعات باتخاذ قرار بشأن الخيارات المطروحة قريباً.
ويمثل التعريف الموسع للمقترح، الذي لا يزال مجرد خيار قيد الدراسة، فرصة للدول ذات الميزانيات المثقلة بالأعباء، مثل إيطاليا التي تعاني ديوناً ضخمة، أو فرنسا التي تعاني إنفاقاً مفرطاً، وكذلك لحكومات مثل بولندا، التي تخضع لمراقبة المفوضية الأوروبية بسبب عجزها المفرط، رغم إنفاقها الكبير على الدفاع.
وتهدف قواعد الإنفاق في الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء العجز في الميزانيات الوطنية، وهو الفرق بين الإنفاق الحكومي والإيرادات، دون 3% من حجم الاقتصاد، مع الحد من الدين العام عند 60% كحد أقصى.
مهلة إضافية
لكن الدول قد تحصل على مهلة إضافية للوصول إلى هذه المستويات، إذا استثمرت في الدفاع، كما يمكنها تجنب الإجراءات العقابية المعروفة باسم “إجراء العجز المفرط”، إذا كان إنفاقها الإضافي مرتبطاً بالقطاع الدفاعي.
ويعد توسيع تعريف الإنفاق الدفاعي ثاني عناصر “الإجراءات الاستثنائية” التي اقترحتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لتعزيز القدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي، وذلك خلال اجتماعها مع قادة التكتل، الاثنين الماضي.
وتضمن الإجراء الأول في بند طارئ يمكن للدول تفعيله، حال وقوع أحداث خارجة عن إرادتها، مما يتيح لها الخروج عن المسارات المالية المتفق عليها مسبقاً، لكن الدول ذات النهج المالي المحافظ، بقيادة ألمانيا، عارضت هذا الخيار خلال اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي، هذا الأسبوع.
ورغم ذلك، لا تزال هناك مخاوف من أن مجرد توسيع تعريف الإنفاق الدفاعي قد لا يكون كافياً لتمكين الحكومات المثقلة بالديون، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، من زيادة ميزانياتها الدفاعية دون اللجوء إلى تخفيضات في مجالات أخرى.
من جانبه، قال المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الألمانية، فريدريش ميرز، الأحد، إنه منفتح على إصلاح القواعد الصارمة الخاصة بالاقتراض في البلاد، بعد تعرضه لضغوط بشأن كيفية تمويله لزيادة الإنفاق الدفاعي، وفق “فاينانشيال تايمز”.
وفي مناظرة متلفزة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 23 فبراير الجاري، أقر ميرز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، بأن “مكابح الدين” المنصوص عليها في الدستور الألماني قد تحتاج إلى تعديل، مشيراً إلى أن الإنفاق الدفاعي في أكبر اقتصاد أوروبي سيتجه على الأرجح نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط ضغوط من ترمب.
ووصف المستشار الألماني أولاف شولتز، الادعاء بأن خفض الإنفاق والنمو الاقتصادي وحدهما كفيلان بتوفير عشرات المليارات المطلوبة لتعزيز الميزانية الدفاعية بأنه “سخيف”.
ورد ميرز بالإشارة إلى إمكانية تعديل القيود الدستورية التي تحدد العجز الهيكلي لألمانيا عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي، قائلاً إن ألمانيا “ستركز أولاً على تحقيق هدفها المتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي بشكل منتظم”، لكنه توقع أن يرتفع هذا الرقم لاحقاً ليقترب من 3%، وهو ما يزال أقل بكثير من نسبة 5% التي اقترحها ترمب.
حلول مبتكرة
وفي ظل الأزمات المالية السابقة، تعتبر المفوضية الأوروبية أن قواعدها المالية المُعدلة، التي دخلت حيز التنفيذ قبل عام فقط، لكنها وُصفت بأنها صارمة للغاية من قِبل دول مثل إيطاليا وبولندا، غير قابلة للمساس.
لكنها تحاول أيضاً إيجاد حلول مبتكرة لمنح الدول مزيداً من المرونة، إذ قال عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، إن مسؤولي وزارات المالية الأوروبية يعملون منذ فترة مع الإدارة الاقتصادية للمفوضية على هذه المسألة، لكن التحرك المفاجئ من فون دير لاين، سرّع هذه الجهود.
ورغم أن المقترح قد يثير نقاشاً حول نوعية الاستثمارات الدفاعية التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي، فإنه يُنظر إليه أيضاً باعتباره أحد الخيارات القليلة القابلة للتطبيق لتحقيق أهداف التكتل.
وتهدف الخطة إلى تقديم “متنفس” للدول الأخرى في ظل معارضة ألمانيا للخيارات الأكثر ابتكاراً لزيادة الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي، إذ يمكن لدول أوروبا الشرقية والجنوبية، إلى جانب فرنسا، العمل لدعم التعديلات التي تدرسها المفوضية.