يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاستفادة من العهد الجديد لنظيره الأميركي دونالد ترمب في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا، لكسب نفوذ استراتيجي وتحقيق مصالح اقتصادية لبلادة، إلّا أن معارضة أنقرة للقوات الكردية المدعومة أميركياً تمثل تحدياً، بحسب ما أوردته “بلومبرغ”.
ويرغب أردوغان في الاستفادة من تهديد ترمب بإعادة صياغة السياسة الخارجية الأميركية، من خلال استغلال سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وانتهاز فرصة الاستحواذ على عقود إعادة الإعمار والتجارة الجديدة إلى جانب تحقيقه نفوذ جيوسياسي.
وتعتقد تركيا أن تطلعاتها للعب دور أكبر في مستقبل سوريا تحظى بـ”موافقة ضمنية” من الولايات المتحدة، وإسرائيل، شريطة ألا تستهدف القوات الكردية في سوريا، وأن تخفف من انتقاداتها لسياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين ومستشارين أتراك مطلعين على المسألة قولهم، إن معارضة تركيا للقوات الكردية المدعومة أميركياً تمثل تحدياً لخطط تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ويرغب أردوغان في حل هذه الجماعات، لكن المحادثات الأخيرة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لم تُسفر عن نتائج، إذ يتوق الرئيس التركي لزيارة وفود تركية واشنطن قريباً، لإجراء مزيد من النقاشات.
وأوضحت الوكالة أن الولايات المتحدة تدعم الأكراد منذ فترة طويلة في معركتهم ضد تنظيم “داعش”، كما رفضت واشنطن التخلي عنهم لصالح تركيا، لأنها تعتبرهم “حاسمين في منع المتشددين من استغلال الفوضى في سوريا”.
وعلى الجانب الآخر، تخوض تركيا منذ عقود صراعاً مع المقاتلين الأكراد، وترى الآن فرصة لـ”تحييد” هذا التهديد، إذ تعتبر المقاتلين الأكراد في سوريا “إرهابيين” وعلى صلة بحزب العمال الكردستاني.
مطالب تركيا
وتسعى تركيا إلى رسم وتشكيل مستقبل جارتها سوريا، وسط توقعات بأن تحقق مكاسب هائلة في مشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب النفوذ الجيوسياسي، وفق الوكالة.
وخلال محادثات مع مسؤولين أميركيين في أنقرة هذا الشهر، أصرت تركيا على ضرورة حل “وحدات حماية الشعب” الكردية المدعومة من الولايات المتحدة ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفقاً لمصادر “بلومبرغ”.
كما طالبت تركيا بأن يغادر أعضاء حزب العمال الكردستاني المنتمين إلى “قسد” الأراضي السورية، وسط توقعات متزايدة داخل الحكومة التركية بأن يدعو زعيم الحزب المسجون، عبد الله أوجلان، مقاتليه إلى التخلي عن السلاح.
وفي وقت سابق هذا الشهر، قال أردوغان في خطاب أمام البرلمان: “إذا لم تقم وحدات حماية الشعب، التي اغتصبت الموارد الطبيعية السورية، بحل نفسها والتخلي عن أسلحتها، فلن تتمكن من الهروب من المصير المرير القادم”.
الموقف الأميركي
ولكن حتى الآن، ترفض الولايات المتحدة المطالب التركية بحل “قسد” ووحدات حماية الشعب، لأنها تعتبر الأكراد حلفاء أساسيين في كبح جماح تنظيم “داعش” في سوريا.
وهدد بعض أعضاء مجلس الشيوخ بفرض عقوبات على تركيا الشهر الماضي، لكن الموقف في واشنطن تغير، إذ أشاد ترمب بأردوغان ووصفه بأنه “صديق” و”شيطان” في آن واحد، قائلاً إن تركيا ستكون لاعباً رئيسياً في تشكيل مستقبل سوريا.
ومن جانبه، يأمل أردوغان في إقناع ترمب بأن ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو الأفضل لمنع عودة ظهور “داعش”، كما تريد تركيا من القوات الكردية إعادة السيطرة على حقول النفط إلى الحكومة السورية في دمشق، وهي حقول قد تكون مصدراً حيوياً لتمويل إعادة الإعمار.
مصالح اقتصادية
وأشار مقربون من الحكومة التركية إلى وجود مصالح اقتصادية، فمع عبور مئات الشاحنات التركية المحملة بالطعام والدواء ومواد البناء يومياً عبر الحدود، يأمل أردوغان في لعب دور أكبر في إعادة إعمار سوريا.
ومع الحاجة إلى بناء مدن بأكملها، ومستشفيات، ومدارس وبنى تحتية، تجري السلطات التركية اجتماعات متواصلة في أنقرة وإسطنبول لتنسيق جهودها في إعادة الإعمار، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ”بلومبرغ”.
ويتضمن العرض المقدم للأكراد أموالاً ودعماً اقتصادياً، إذ يشير مسؤولون أتراك إلى علاقات تجارية قوية مع إدارة كردستان العراق كمثال على ما يمكن أن تحققه العلاقات الودية للأكراد في سوريا مستقبلاً.
بدوره، قال مراد يشيلطاش، مدير السياسات الأمنية في مركز أبحاث “سيتا” بأنقرة والمقرب من الحكومة: “تركيا لديها القدرة على إصلاح مطارات سوريا، وشبكات الطاقة والاتصالات بسرعة، مع إعادة بناء وحدات الإسكان والبنية التحتية”.
وأضاف: “يمكنها حتى إعادة تأهيل حقول الغاز الطبيعي والنفط السورية في المستقبل”.
من جانبه، قال أويتون أورهان، المختص بالشأن السوري في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) في أنقرة: “تركيا تتطلع إلى الحصول على نصيب الأسد في إعادة إعمار سوريا”، مضيفاً: “عندما سيطر المعارون السوريون على دمشق، حصلت تركيا على فرصة لجني ثمار سنوات دعمها المباشر أو غير المباشر لهم”.
وقالت “بلومبرغ” إن هناك الكثير على المحك بالنسبة لأردوغان شخصياً، فبعد إعادة انتخابه في عام 2023، يسعى الرئيس التركي إلى تمديد فترة حكمه وترسيخ إرثه من خلال إعادة إحياء خطة لتحقيق السلام مع الأقلية الكردية، ما قد يُحسن من صورته السياسية بعد دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي ومحاولاتها للسيطرة على أحد أعلى معدلات التضخم في العالم.