شهد الحفل الختامي لحملة “عمارة البلد.. هوية لا تستحق الهدم”، حضوراً كبيراً وتفاعلاً من الخبراء والمهتمين بالتراث المعماري في مصر، خلال الحملة التي أطلقتها مؤسسة وموقع “باب مصر”، وتضمّنت إنتاج مواد صحفية متخصّصة، وتنفيذ حملات توعية عبر منصّات التواصل، فضلاً عن مسابقة تصوير الأماكن التراثية في جميع محافظات مصر.
وأعلنت الحملة نتائج مسابقة التصوير بالكاميرا والموبايل، التي شارك فيها 85 مواطناً، من 14 محافظة في مصر، من خلال صور رصدت الأماكن التراثية غير المشهورة داخل القاهرة وخارجها.
الفائزون
فاز بالمركز الأوّل عن فئة التصوير بالهاتف، عمر المختار، عن صورة مسجد شاهين الخلوتي في منطقة الأباجية، وفاز بالمركز الثاني محمد يسري محسب، عن صورة دار القضاء العالي، وفازت بالمركز الثالث رضوى هلال عن صورة دوّار العمدة في إحدى قرى محافظة بني سويف.
وعن فئة التصوير بالكاميرا، فاز بالمركز الأوّل أحمد محسن باشا، عن صورة قمّة برج جامعة الأزهر، وفازت بالمركز الثاني إيمان الطوخي، عن صورة أحد مباني وسط البلد، وحصلت سلمي خالد على المركز الثالث، عن صورة قبّة مسجد المرسي أبو العباس بالإسكندرية.
“باب مصر”
الكاتب محمد شعير، رئيس تحرير موقع “باب مصر”، أوضح أن “الحملة تهدف إلى التوعية بأهمية التراث العمراني لمدينة القاهرة، التي يتكوّن تاريخها من طبقات متعدّدة، تبدأ من العصر الفرعوني ثم القبطي والإسلامي بتنوّعاته”.
وأشار إلى أن الحملة “بدأت للمرّة الأولى عام 2018، وكان تركيزنا على توعية المواطنين ووقف هدم المباني التراثية ذات الملكية الخاصة، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت الدولة نفسها تهدم المباني التراثية من دون وعي لأهميتها، بحجة التطوير الذي أصبح كلمة سيئة السمعة، ومرادفاً للهدم الذي زاد بشكل كبير، حتى أصبح يتم بشكل يومي”.
وأكد شعير أن الحملة “تطرح تجارب الدول الأخرى مثل فرنسا التي احتفظت بمبانيها الأثرية، على الرغم من عمليات التطوير، ودور المجتمع المدني في الحفاظ على المباني التراثية في القاهرة، من خلال استعراض التجارب، مثل مبنى القنصلية في وسط القاهرة، الذي تحوّل إلى مركز ثقافي، وكان من الممكن أن يتكرّر هذا النموذج في سوق محطة مصر، ويعود تاريخه إلى بداية القرن العشرين، لكن تمّ هدمه مؤخراً”.
وشدّد على “ضرورة التعاون بين الدولة والمجتمع المدني لتطوير المباني الأثرية وأن تتعهد الدولة بالحفاظ عليها؛ فالقاهرة لا تقل في أهميتها باريس أو روما”.
أضاف: “ضغط الرأي العام والمواطنين يقود الدولة إلى التراجع، وهو ما حدث بالفعل حينما توقّف هدم بعض المقابر، والاستمرار في الحشد الشعبي والضغط بهذه الطريقة مهم، وخصوصاً أنه لا توجد وسيلة أخرى إلا بالكتابة، حتى يعرف الناس مستقبلاً أهمية هذه المباني وأنها كانت موجودة”.
وأشار إلى أن “ما يحدث في القاهرة يتم رصده، لكن ما يحدث من هدم للمباني التراثية والقصور في المحافظات الأخرى، ضخم جداً وغير مرصود”.
من جهته استعرض الدكتور مصطفى الصادق مؤلف كتاب “كنوز مقابر مصر”، صوراً توثّق عمليات هدم المقابر التاريخية في القاهرة، وقال: “تبعاً للقانون فإن المباني التي شُيّدت بعد عام 1884، لا تعتبر آثاراً، في الوقت نفسه يصنف القانون رقم 117 لعام 1983، كل عقار يزيد عمره 100 عاماً باعتباره أثراً”.
أضاف: “لكن منذ عام 2020 وحتى اليوم، ومع التوسّع في شبكات الطرق، خسرنا الكثير من العمارة الجنائزية بعد إزالة العديد من المقابر التاريخية، التي تحمل طرازاً معمارياً مميّزاً، وخطوطاً هامة، وأشجاراً يتجاوز عمرها 100 عام، مثل قبّة حليم، أو مستولدة محمد علي باشا، ومدافن عدلي باشا، والشاعر أحمد شوقي وعائلة ذو الفقار، والكاتب إحسان عبدالقدوس، وحتى عندما بدأت أزمة مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين، انتهى بها الأمر بأن أصبحت تحت الكوبري.
ولفت إلى أن “انتشار صور هدم المقابر على مواقع التواصل، أثار غضب الجميع، وعلى الرغم من منع التصوير، لكننا نحرص على توثيق المقابر”.
وأكد على أهمية “الدفاع عن الأماكن التي يعود تاريخها لمئات السنين، ويفترض بالدولة أن تعرف قيمة الأماكن التراثية، سواء مباني أو جبّانات، ولسنا ضد التطوير، ولا نقلل من أهمية الطرق التي تمّ إنجازها، لكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب تراث الدولة”.
وشدّد على “وجود حلول كثيرة، وخصوصاً بالنسبة للمقابر، التي تعهّد رئيس الوزراء منذ شهر تقريباً، بعدم هدمها ونقلها، على الرغم من أن “القرافات” مجتمع متكامل، يسكنها الناس، وفيها حيوانات وطيور وحدائق، لكن لو كان الاختيار بين الهدم والنقل، فليس أمامنا سوى النقل”.
توثيق المنابر الملوكية
واستعرضت الدكتورة أمنية عبد البر، الباحثة في متحف “فيكتوريا وألبرت” في لندن، ومدير التنمية في المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، دور المجتمع المدني في الحفاظ على المباني التراثية من خلال تجربة مؤسستها، التي تعمل في الحفاظ على المباني الأثرية، وتوثيق المنابر الملوكية، التي تتعرّض للسرقة بشكل مستمر”.
وأشارت إلى “أن تسجيل المنابر، يضمن رصد ظهورها في أي مزاد عالمي واستعادتها، وكذلك إعادة بناء وترميم الجزء المنهار من “بيت الرزاز” الذي بناه السلطان قايتباي، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن الخامس عشر، وأصبح حالياً مقراً لأنشطة المؤسسة”.
وأكدت عبد البر “وجود طرق عدّة للاستفادة من البيوت التراثية بعد ترميمها، ومنها أن تتحوّل إلى مراكز للحِرف التراثية؛ فمنطقة مثل الدرب الأحمر، فيها الكثير من الصنّاع والحرفيين المهرة، ويمكن أن تكون هذه البيوت مركزاً لحماية حِرف تراثية مثل الصدف والنحاس”.
وتحدث الفنان التشكيلي محمد عبلة عن علاقة الفن والمدينة، ودور الفن في توثيق الأماكن والحياة في مصر، “إذ كانت رسومات الفنانين الفرنسيين في موسوعة “وصف مصر”، توثيقاً لمظاهر الحياة، ومن قبل الحملة الفرنسية انتشر ما يسمى بـ”الولع بمصر”، وقدّم عدد من الرسامين لوحات رصدت مظاهر الحياة اليومية في مصر، ووثّقت لتاريخ هذه الفترة، لكن بعد اختراع التصوير والسينما، أصبح الفن التشكيلي يركز على رؤية الفنان وعلاقته بالأماكن”.