يحظى قطاع الثقافة والفنون في السعودية، باهتمام خاص على أرفع المستويات، يتمثّل في الانفتاح على الفنون العالمية، وتدشين المعاهد والأكاديميات الموسيقية، وإحياء المهرجانات الفنية، بعد أن أصبح هذا القطاع ركيزة أساسية للتنمية في المملكة.
الفنان العراقي القدير نصير شمه، يرى في حديث خاص لـ”الشرق”، أن هذه التحوّلات تعبّر عن نهضة شاملة للفنون في المملكة، بدءاً بالموسيقى، والسينما، والفنون التشكيلية وغيرها.
وأكد أن مبادرات المملكة لدعم هذا القطاع، تعكس توجّهها لتمكين المواهب المحلية، وتطوير كوادر بشرية قادرة على المنافسة عالمياً.
تشهد السعودية نهضة ثقافية وفنية، كيف تقرأ هذه التغيّرات على تطوّر الموسيقى في المملكة؟
أرى أن الثقافة هي واحدة من الملفّات الأساسية في التحوّلات التي تشهدها المملكة، وهي ستمنح فرصة للشباب لتقديم ثقافتهم وبلادهم وأنفسهم، ما يسهم في تعزيز الإبداع، وإيجاد فرص عمل كثيرة.
نرى أن هناك قطاعات جديدة بدأت تعمل من أجل هذا الانفتاح والتطوير، المرأة السعودية حاضرة في كل شيء، وهذا جانب مهم جداً، لأنه يمثّل توظيفاً لقدرات الإنسان، ما سينعكس إيجاباً على حضور المملكة إقليمياً وعالمياً، خلال عامين أو ثلاثة، وحتى قبل عام 2030.
ما رأيك بمشروع دار الأوبرا الملكية في الدرعية الذي يعدّ أوّل دار أوبرا في المملكة؟
أعتقد أن الكوادر البشرية هي المادة الرئيسية، وخلال ترددي على “بيت العود” في الرياض عام 2024، وجدت عدداً كبيراً من الطلبة الذين تقدّموا للتسجيل، رقم قياسي غير مسبوق، وهناك أصوات سعودية تدرس غناء الأوبرا في إيطاليا ودول أخرى.
الأوبرا ليست مبنى أو مسرح أو قاعة، بل عناصر بشرية، مكوّنة من مطربين وموسيقيين ومخرجين مؤلفين متخصّصين في دراسة الأوبرا، ومتخصّصين في الديكور والأزياء، تكامل هذه العناصر سيصنع أوبرا.
هل يمكن أن تتحوّل السعودية إلى مركز إقليمي للفنون والموسيقى؟
إذا توفّر التخطيط السليم، والإمكانات المالية، والكفاءات اللازمة لمثل هذه المشروعات الكبرى، وهي متوفّرة فعلاً، أرى أن هذا الأمر سيتحقّق.
المملكة بدأت بالفعل باتخاذ خطوات جادّة وحثيثة، نحو بناء بيئة غنية تدعم الإبداع والفنون بجميع أشكاله، ما يجعلها تتهيّأ كي تكون مركز استقطاب عالمي، وهذا ما نشاهده عملياً.
السعودية غنية بتقاليد موسيقية متنوّعة مثل العرضة النجدية والسامري وغيرها، هل تعتقد أن هذه الألوان تحتاج إلى التحديث أو الاندماج؟
ليس بالضرورة أن تندمج، بل يجب أن نحافظ عليها بشكلها الراهن كأنواع تراثية، ولا نحتاج إلى دمجها أو تغيير معالمها لتتناسب مع غيرها.
ما نحتاجه فقط هو الإتقان في طريقة تقديمها، فالآخر يريدك كما أنت، وحين يكون المجتمع لديه قناعة واعتداد بثقافته المختلفة عن العالم، فالعالم سيحترم ذلك ويبدأ بتقليده.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الموسيقى التقليدية أو الكلاسيكية في المشهد الفني السعودي المتجدّد؟
الموسيقى التقليدية أو الكلاسيكية تعكس الهوية الثقافية العميقة للمجتمعات، وتمدّ جسور التواصل مع الثقافات الأخرى. المجتمع الذي يمتلك هوية قوية وثابتة، يكون قادراً على الانفتاح على الثقافات الأخرى من دون أي مخاوف.
المملكة تتميّز بتنوّع جغرافي وثقافي، يعكس نفسه في الموسيقى، هذا التنوّع يثري المشهد الفني، ويبرز هوية كل منطقة بشكل فريد.
هذا ما نهدف إليه في “بيت العود”، تخريج موسيقيين عالميين يحملون هوية بلدانهم الموسيقية، على سبيل المثال، العازف في بيت العود بالرياض يعكس الهوية السعودية، وفي الخرطوم يعكس الهوية السودانية، وفي مصر والعراق كذلك، مع فهم وانفتاح على ألوان موسيقية أخرى.
بهذا الشكل، يمكن للموسيقى التقليدية أن تكون جسراً للتواصل بين الثقافات، وتعزّز الهوية الوطنية في الوقت ذاته.
كيف ترى مبادرات السعودية في دعم الفن والفنانين الشباب من خلال افتتاح المعاهد والأكاديميات الموسيقية؟
أنا أتجول كثيراً حول العالم، وأعتقد أن الفرص المتاحة في السعودية والإمارات، لم أرها في أي مكان آخر من العالم. في بيت العود مثلاً في المملكة، الدراسة مجانية، لأن الجهات المعنية تريد دعم المواهب في بلادها، وهذا ينطبق على بقية الفنون المدعومة أيضاً.
أصبح الفن السعودي موجوداً في كل المحافل الدولية، ولدينا ثقة بأننا سنرى الكثير من الأشياء المميّزة في وقت قصير.
حديثاً تمّ إقرار المناهج الموسيقية في السعودية فما أثرها على الجيل المقبل؟
المناهج الموسيقية كانت موجودة في السعودية، ومع عودتها الآن سيكون لها إسهام كبير في بناء المجتمع، وسنرى جيلاً صحياً خالياً من الأمراض النفسية، وسينعكس ذلك إيجاباً على المجتمع بكل فئاته.
المملكة تستضيف العديد من المهرجانات العالمية كيف يساعد ذلك على الاندماج مع العالم؟
تقوم وزارة الثقافة السعودية من خلال برامجها المتنوّعة، بتقريب وجهات النظر بين الشعوب عبر الفنون، وهذه مسألة في غاية الجمال.
أعتقد أن الاندماج حاصل من خلال تواجد العديد من الجنسيات في المملكة، نحن بحاجة لتقديم ثقافتنا وإبرازها، وما يحصل في العلا والدرعية، التي تحوّلت إلى وجهة ثقافية وسياحية بالدرجة الأولى، فضلاً عن أماكن أخرى في المملكة، يعيد تقديم ثقافتنا بطريقة حضارية.