مع دخول العملية الأمنية للسلطة الفلسطينية الهادفة إلى إنهاء ظاهرة المسلحين في مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، يومها الرابع، ظهرت العديد من الدعوات إلى حوار وطني يؤدي إلى إنهاء الظاهرة سلمياً، بعد سقوط 3 فلسطينيين من سكان المخيم برصاص قوى الأمن أثناء محاولتها اقتحام المخيم.
وأثار سقوط الفلسطينيين الثلاثة، خلال العملية التي بدأت السبت، موجة غضب واسعة بين سكان المخيم، إذ قال فلسطينيون لـ”الشرق” إن الرأي العام في المخيم “انقلب ضد السلطة الفلسطينية بعد سقوط الضحايا”.
وشهد المخيم في الساعات الأخيرة مسيرات ومظاهرات شعبية غاضبة ضد الحملة الأمنية للسلطة، وقال أحد السكان: “كان الكثيرون يؤيدون حملة السلطة لوقف ظاهرة المسلحين، لكن بعد سقوط المواطنين الثلاثة، تحول مزاج الشارع من داعم للسلطة إلى مناوئ”، مضيفاً: “لا يقبل أي شخص قيام فلسطيني بقتل فلسطيني مهما كانت الدوافع”.
وأكد مسؤولون بالسلطة الفلسطينية، في تصريحات لـ “الشرق”، أن الحكومة مصممة على مواصلة الحملة حتى نزع السلاح وإنهاء الظاهرة، معترفين بوقوع أخطاء أدت إلى سقوط الفلسطينيين الثلاثة.
وقال أحد المسؤولين المشرفين على الحملة: “نأسف لسقوط المواطنين الثلاثة، هذا خطأ وقع، ونعمل على منع تكراره، لكن الحملة لن تتوقف”.
شرارة الانفجار
وجاءت الحملة الأمنية في مخيم جنين بعد وقوع سلسلة اشتباكات بين مسلحين من المخيم وقوات الأمن الفلسطينية على خلفية قيام أجهزة الأمن بتوقيف اثنين من المسلحين ومصادرة مبالغ مالية كبيرة كانت بحوزتهم.
وقام مسلحون باختطاف واحتجاز سيارتين للسلطة الفلسطينية، وأعلنوا أنهم لن يعيدوها إلا بعد قيام السلطة بالإفراج عن الأموال التي صادرتها، كما قاموا باستعراض مسلح مستخدمين السيارتين في عملية اعتبرتها السلطة الفلسطينية “مسيئة لهيبتها”، واعقب ذلك وقوع سلسلة اشتباكات بين الجانبين، ما جعل السلطة تبادر إلى الحملة الأمنية.
وجاء توقيت الحملة بعد تطورات محلية وإقليمية، منها نتائج الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، وتوقف الحرب في لبنان، وانهيار النظام في سوريا وتعرض إيران لضربات إسرائيلية قاسية.
أموال إيرانية
وقال مسؤول فلسطيني، لـ”الشرق”، إن “كل التحقيقات والمعلومات تبين بوضوح أن إيران ترسل مبالغ مالية كبيرة إلى الضفة الغربية بهدف تشكيل مجموعات مسلحة وشراء سلاح وشن هجمات، وحان الوقت لوقف هذه الظاهرة”.
وأضاف: “لا أحد يريد تكرار تجربة غزة، فإسرائيل استغلت هجوم حماس في السابع من أكتوبر لتدمير كامل قطاع غزة وارتكاب إبادة جماعية ومحاولة تهجير السكان، ونحن لا نريد منحهم مبرراً للقيام بذات الجرائم في الضفة.. نريد أن نحمي شعبنا، ولن نسمح لبضعة أشخاص يتلقون تمويلاً خارجياً بفرض أجندة مموليهم على شعبنا”.
ونفى المسؤول، الذي يلعب دوراً مركزياً في الإشراف على الحملة في مخيم جنين، أن تكون السلطة الفلسطينية طلبت من الولايات المتحدة تزويدها بالسلاح لغرض القيام بهذه العملية، بحسب ما أورده موقع “أكسيوس” الأميركي.
وأضاف: “لدينا الكثير من الأسلحة في الأردن، لكن الحكومة الإسرائيلية ترفض السماح لنا بإدخالها منذ سنين طويلة، وإذا كانت الإدارة الأميركية جادة في مساعدتنا، يتعين عليها الضغط على إسرائيل للسماح بدخول هذه الأسلحة لأجهزتنا الأمنية”.
تجربة سوريا
واستبعد الكثير من المسؤولين والمراقبين تقارير إعلامية أشارت إلى أن الحملة جاءت بسبب قلق من تكرار تجربة انهيار النظام في سوريا.
وقال أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة “فتح” في تصريحات لـ”الشرق”: “السلطة ليست نظاماً سياسياً يمكن اسقاطه، بل حكماً ذاتياً محدوداً تحت الاحتلال الذي يسيطر على البلاد، والمجموعات المسلحة لدينا ليست هيئة تحرير الشام، فهي ليست سوى بضعة عشرات في شمال الضفة الغربية.. هذا القلق لا يساورنا لا من قريب ولا من بعيد”.
موضوعياً، لا يمكن للمسلحين في الضفة الغربية التحرك خارج تجمعاتهم السكانية، بسبب انتشار الجيش الإسرائيلي على مختلف الطرق وأبواب المدن، ما يُبعد إمكانية تكرار السيناريو السوري.
دعوات للحوار
وأدى سقوط ضحايا مدنيين في مخيم جنين إلى التفاف شعبي حول المسلحين في المخيم وضد السلطة الفلسطينية، ما حال دون تمكن قوات الأمن من اقتحام المخيم.
وقال شهود عيان من داخل المخيم لـ”الشرق”: “تتواجد قوات الأمن على المداخل فقط، وفي الداخل ينتشر عشرات المسلحين ومعهم السكان الغاضبين على السلطة، بعد سقوط ثلاثة من أبناءهم، وهو ما يجعل مهمة أجهزة الأمن بالغة الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة”.
وأضاف: “لا يمكن تخيل دخول قوات الأمن إلى المخيم دون سقوط عدد كبير من الضحايا”.
وأمام ذلك، باتت أجهزة الأمن أمام معضلة كبيرة، إذ أنها غير قادرة على اقتحام المخيم دون سقوط ضحايا كثيرين، ولا تستطيع مغادرة مواقعها والتراجع عن أهدافها خشية أن يؤدي ذلك إلى تقوية موقف المسلحين وتشجيع آخرين في مواقع أخرى على تكرار ذات التجربة.
وظهرت في الساعات الأخيرة دعوات إلى حقن الدماء والشروع في حوار وطني بهدف إنهاء ظاهرة المسلحين بوسائل سلمية.
أثر حرب غزة
وبدأت ظاهرة المسلحين في شمال الضفة الغربية قبل أكثر من عامين، واعتبرت من نتائج فشل عملية السلام، واستمرار وتعمق الاحتلال والاستيطان، إذ تنامت بصورة لافتة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتبدي السلطة ومعها أوساط واسعة قلقاً كبيراً من استمرار هذه الظاهرة، خشية قيام إسرائيل باستغلالها في تدمير المخيمات وتهجير السكان داخلياً أو حتى خارجياً.
وفيما يجادل المسلحون بأن مهمتهم هي مقاومة الاحتلال، تحاجج السلطة بأن المقاومة المسلحة في غزة أدت إلى نتائج مدمرة على القطاع وأن حدوثها في الضفة قد يؤدي إلى نتائج مشابهة.