دخلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في سباق مع الزمن لمعالجة الأزمة السورية قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترمب السلطة في 20 يناير المقبل، وذلك وسط تجدد النقاش بشأن مصير القوات الأميركية في سوريا، وطريقة التعامل مع “هيئة تحرير الشام” المصنفة “تنظيماً إرهابياً”.
ولقي سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد ترحيباً كبيراً في واشنطن، لكنه فاجأ إدارة بايدن، التي تستعد لتسليم السلطة.
وأفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأن فريقي بايدن وترمب على تواصل وثيق بشأن التطورات في الشرق الأوسط وسوريا، إذ يجري مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مشاورات منتظمة مع نظيره في فريق ترمب مايك والتز وآخرين.
ولكن يبدو أن قدرة بايدن على التعامل مع تحديات انهيار النظام السوري “محدودة”، في ظل بقاء قرابة شهر واحد قبل ترك البيت الأبيض لترمب، الذي قال إنه لا يريد أن تكون أميركا “مشاركة” في أي فوضى جديدة هناك.
وتحت إدارة بايدن، احتفظت الولايات المتحدة بحوالي 900 جندي في شرق سوريا يعملون مع “قسد” لمحاربة “داعش”، لكن ترمب شكك بشدة في مغزى وجود قوات بلاده في سوريا.
وهدّد ترمب خلال ولايته الأولى، بسحب القوات الأميركي من سوريا، لكنه تراجع بعد نصيحة من وزارة الدفاع “البنتاجون” وحلفائه في الكونجرس، مثل عضو مجلس الشيوخ ليندسي جراهام. لكن لا يزال موقف ترمب خلال ولايته الثانية غير واضح بشأن إمكانية الإبقاء على الوجود الأميركي بسوريا.
لكن الرئيس المنتخب أطلق تصريحات مثيراً يوماً واحداً قبل سقوط نظام الأسد، بعدما دعا إلى عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري، قائلاً إن “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها، هذه ليست معركتنا، دعها تستمر، لا تتدخلوا!”.
“الشراكة مع القوات القوات الكردية”
وقال النائب الجمهوري مايكل تورنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الأحد، لقناة CBS NEWS: “أعتقد أنه سيكون هناك تقييم بشأن ما إذا كان ينبغي إبقاء تلك القوات”.
لكن الديمقراطي كريس فان هولن، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يرى أنه “من المهم الحفاظ على الشراكة الأميركية مع القوات الكردية التي تقاوم داعش”، محذراً من أنه “في حال سعى ترمب إلى سحب القوات الأميركية، فإن ذلك، من بين أمور أخرى، سيعطي المزيد من الفرصة لداعش”.
وشدد هولن على “الحاجة للتركيز على التهديد الرئيسي لأمننا، وهو عودة ظهور داعش”.
وتصاعدت مخاوف المسؤولين والمشرعين الأميركيين من إمكانية أن تملأ التنظيمات المتشددة، مثل “داعش”، الفراغ الأمني في سوريا.
وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين، الثلاثاء: “لا نريد أن نعطي لداعش فرصة للاستفادة مما يحدث، فهم يحبون المساحات غير الخاضعة للحكومة”.
وزار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كورلا سوريا، الثلاثاء، للقاء القوات الأميركية وأعضاء من قوات “قسد”، كما “تلقى تقييماً مباشراً للإجراءات الأمنية، والوضع المتغير بسرعة، والجهود المستمرة لمنع تنظيم داعش من استغلال الوضع الحالي” في سوريا، بحسب بيان للقيادة المركزية.
وجاءت الزيارة بعد أن هاجمت الولايات المتحدة، الأحد الماضي، تجمعاً لمقاتلي “داعش” في وسط سوريا، فيما توقع مسؤولون تنفيذ المزيد من العمليات.
التعامل مع “هيئة تحرير الشام”
ويأتي النقاش بشأن القوات الأميركية في سوريا، بينما تجد إدارة بايدن نفسها أمام أسئلة مهمة بشأن علاقتها مع “هيئة تحرير الشام”، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، وتصنفها كـ”منظمة إرهابية”، وما إذا كان يجب الإبقاء على القوات الأميركية البالغ عددها قرابة 900 جندي في شمال شرق سوريا.
و لا تزال الولايات المتحدة مترددة في إزالة “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب بسرعة، وهو ما من شأنه أن يفتح الطريق للحوار المفتوح مع الجماعة، وفي النهاية رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
ويرى المسؤولون الأميركيون، إمكانية أن يكون التصنيف ورقة ضغط، ولن يزيلوه دون ضمانات من “هيئة تحرير الشام” بشأن قضايا مثل الحقوق السياسية، وتدفق المساعدات، ومصير الأسلحة الكيميائية، ومكافحة الإرهاب. لكن المطالب الأميركية قد تتغير مع وجود ترمب في السلطة، مما يضيف حالة من عدم اليقين المحتمل.
ولم يتطرق مرشح ترمب لمنصب مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، في حديثه لقناة FOX NEWS، الاثنين، لمسألة مستقبل القوات الأميركية في سوريا، لكنه تحدث عن “هيئة تحرير الشام”، قائلاً: “على الأقل حتى الآن، هم لا يقطعون رؤوس مسؤولي نظام الأسد السابقين أو يعلقونهم على الجسور. يبدو أنهم يجلسون ويتحدثون، وهو مؤشر أولي جيد للغاية”.
وتابع: “لكن الرئيس ترمب وفريقنا يراقبون عن كثب، كما نراقب عن كثب عشرات الآلاف من مقاتلي داعش وعائلاتهم، الذين ما زالوا محتجزين في المخيمات منذ أن قام الرئيس ترمب في ولايته الأولى بتدمير داعش”.
وقالت ناتاشا هول، المحللة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “إذا استمرت (هيئة تحرير الشام) في السلطة وظلت مصنفة كمنظمة إرهابية، فسيكون من الصعب جداً إعادة بناء سوريا”.
وأضافت: “يجب أن يكون هناك إطار تفاوضي وقائمة من الخطوات لإزالة التصنيف عن الهيئة، ونحن في سباق مع الزمن”.
وفي هذه الأثناء، تلوح في الأفق جولة جديدة من المحادثات الدبلوماسية لبايدن وترمب مع جيران سوريا، ومنهم الأردن وإسرائيل التي استولت على أراض سورية وقصفت أهدافاً عسكرية في البلاد، وكذلك تركيا التي شنت هجمات على القوات الكردية في شمال سوريا منذ الإطاحة بالأسد.
وحاولت واشنطن ثني أنقرة عن مهاجمة “قوات سوريا الديمقراطية”، لكن تركيا تعتبر وجود هذه القوات، تهديداً لها.