استضاف بيت السناري الأثري في القاهرة، معرضاً شعبياً، يضم مقتنيات وأوراق قديمة، يعود تاريخ بعضها إلى نهاية القرن الـ 19، تنظّمه مبادرة “سيرة القاهرة”، التي تهدف إلى توثيق تراث القاهرة المادي وغير المادي، احتفالاً بمرور أربع سنوات على تأسيسها.
يضم المعرض مجموعة من المقتنيات يصل عددها إلى 300 قطعة تغطي جوانب مختلفة من سيرة البشر والحجر في العاصمة المصرية.
تكشف المعروضات على بساطتها عن التاريخ غير المكتوب، وتروي أسراراً عن مهن اندثر الكثير منها، وتحكي عن عادات المصريين في الأفراح والموالد، وطبيعة حياتهم اليومية، من خلال الرسائل والصور وكاميرات التصوير، والعملات، فضلاً عن نماذج الخطوط العربية.
داخل فناء بيت السناري، الذي يعود تاريخه إلى عام 1794، انتشرت المعروضات التي تنوّعت بين جرامافون وكاميرات تصوير قديمة، وأواني نحاسية منقوشة بآيات قرآنية، وصور لشوارع مصر تعود إلى القرن الماضي، فضلاً عن الطوابع البريدية، والكتب والأقلام، وأحد فساتين الزفاف القديمة.
وللوهلة الأولى، يبدو الرابط بين كل تلك الأشياء غير موجود حتى ترى اللافتة اللي تعلو كل مجموعة، وتشير إلى تصنيفها بعبارات بسيطة مثل “بعلم الوصول”، أو “من فات قديمه تاه”.
محمد عبد الحميد، المنسّق العام لمعرض “سيرة القاهرة الشعبي” أوضح أن “المقتنيات القديمة تمّ جمعها من بيوت الناس العادية، وتنوّعت بين مقتنيات من ميراث عائلي، أو من هواة جمع المقتنيات، وحاولنا عرضها في سياق معيّن حتى تشكّل في النهاية قصة تعطينا فكرة أكبر عن تاريخ القاهرة، وعادات أهلها ووأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من خلال بعض المستندات والوثائق والصور، وحتى من خلال الأجهزة التي كانوا يستخدمونها قديماً في البيوت، مثل الجرامافون وماكينات الخياطة”.
وأشار إلى أن “كل قسم يحمل اسماً يعكس الهوية المصرية الشعبية، ومأخوذ من عبارة إما دارجة على اللسان المصري أو مرتبطة بالمجموعة. على سبيل المثال، قسم “سبع صنايع” فيه توثيق بالصور لبعض المهن التي اندثر بعضها، مثل “السقا” ووضعنا صورة له وبعض المعلومات عنه والأدوات التي ارتبطت به، وحتى رخصة عمله الرسمية”.
يعمل باحثاً عبد الحميد في تاريخ النقود “المسكوكات”، ويعرض عملات تعود أغلبها للفترة الملكية في مصر، بداية من عصر السلطان حسين كامل، مروراً بالملك فؤاد والملك فاروق، ثم الفترة الجمهورية، بعنوان “القِرش الأبيض” في إشارة إلى المثل الشعبي المصري “القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود”.
يتحدث عن أبرز عادات المصريين المتعلقة بالنقود، “فهم اعتادوا طلاء العملات الفضّية بالذهب، وتوزيعها في الأعياد، كما كانوا يحرصون على كتابة أسمائهم على العملات ذات القيمة الكبيرة، مثل الـ 100 جنيه، لأن امتلاكها كان مقصوراً على أفراد بعينهم”.
وأوضح أن “الثقافة الشعبية كانت سبباً في التصاق أسماء بعملات معيّنة، فمثلا العشرة قروش الفضية المصرية، تحوّل اسمها إلى “بريزة”، بسبب قرار الخديوي إسماعيل، سكّها في فرنسا، فكانت تلك العملة أقل في الوزن عن المسكوكة في مصر، فأطلق المصريون عليها اسم “بريزة”، نسبة إلى باريس، وبقي الاسم الشعبي هو السائد، لكن الشلن مثلاً، وقيمته 5 قروش، كان بنفس وزن الشلن الإنجليزي، فحمل الاسم نفسه.
وتحدث نائل حمدي، رئيس نادي الروّاد لهواة جمع طوابع البريد، عن مشاركته ببعض المعروضات الخاصة بالبريد، سواء مظاريف الخطابات أو الطوابع أو البطاقات البريدية، التي تغطي الفترة من 1866 وهو تاريخ صدور أول طابع بريد في مصر.
وأكد “أن الطوابع تحمل معلومات حول تاريخ إصدارها، والمناسبات المرتبطة بها في الدول، ويمكن من خلالها قراءة تاريخ الدولة، أو الكشف عن قصص غير معروفة”.
أضاف: “كشفت مراسلات ضابط إنجليزي مع والدته عام 1898، عن مدّ خط سكة حديد بين مدينتين، إذ كان هو المشرف على العمال المصريين، ومن خلال الخطابات نعرف ما تمّ إنجازه والمتبقي من المشروع، وعادات المصريين في العمل، ودرجة الحرارة والظروف التي يعملون بها”.
أما محمد شافعي، وهو فنان وباحث في فنون الخط العربي، فيقول: “فن الخط العربي المدرج على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، هو جزء من تراثنا الثقافي الذي تطوّر مع دخول الإسلام إلى الدول، وأصبح يحمل أسماء مختلفة، ولكل شعب أسلوبه في الكتابة، فهناك الخط العربي في بلاد الأندلس، أو التركي، أو الفارسي”.
ويشير إلى أن “الخط العربي في مصر، تأثّر بالحضارات والفنون المصرية القديمة، القبطية والفرعونية، وفنون الخط العربي ظهرت على العمارة الإسلامية، وكان العصر المملوكي هو العصر الذهبي لها، ويمكن مشاهدة النماذج الأهم والأكثر فرادة في مصر ومن قبله كان العصر الفاطمي”.
محمد شافعي، الذي ينتمي لأسرة خالد الصوفي زاده، المختصّة بفن الخط العربي والفنون الإسلامية منذ 300 عاماً، يقدّم في المعرض نماذج عدّة من الخطوط العربية المختلفة، مثل المحقّق والريحان، فضلاً عن مقتنيات العائلة، التي يعود بعضها إلى العصر العثماني، ومنها دواة أشبه بالمحبره، وبها جُزء إضافي لوضع السكين والسنون، ونماذج من أقلام تعود للعهد الملكي ونماذج من لوحات فنية.