وجّه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي قبل سنوات، انتقادات شديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ووصفه بأنه “كاره للنساء”، و”متعاطف مع النازيين الجدد”، و”كاره للأجانب”، كما اعتبره “تهديداً عميقاً للنظام الدولي”، وهدد حتى بالاحتجاج إذا زار لندن.
وبينما يستعد ترمب للعودة إلى البيت الأبيض، ظهرت تعليقات لامي مجدداً إلى العلن، ما قد تشكل “مشكلة دبلوماسية محتملة” لرئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، وفق صحيفة “تليجراف”.
وسعى لامي خلال الأشهر الأخيرة لتحسين العلاقات مع ترمب، وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الأربعاء، قال في رسالة التهنئة، إن “الحكومة البريطانية تتطلع للعمل معك”.
وأشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إلى أن هذه الرسالة تعد أحدث خطوات لامي لإصلاح العلاقات مع ترمب وأنصاره، لافتةً إلى أنه سبق أن زار الولايات المتحدة 7 مرات كوزير خارجية في حكومة الظل، ومرتين منذ الانتخابات البريطانية في يوليو الماضي.
وخلال تلك الزيارات التقى لامي نائب الرئيس الأميركي المنتخب جي دي فانس، والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، ومستشار الأمن القومي السابق روبرت أوبراين، وعدداً من قادة الحزب الجمهوري.
وشهد شهر سبتمبر الماضي “التقدم الأهم” في خطة لامي لإصلاح العلاقات، وذلك عندما حضر مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عشاءً خاصاً مع المرشح الجمهوري آنذاك في برج ترمب.
وخلال ساعتين ونصف، تحدث الثلاثة عن شغف ترمب باسكتلندا التي وُلدت فيها والدته، ويملك فيها منتجع جولف، كما أعرب الرئيس المنتخب عن اهتمامه بالعائلة الملكية البريطانية، بحسب ما نقتله الصحيفة البريطانية عن مصادر مطلعة على الحديث.
وقال ستارمر، الذي طلب من فريقه “التغريد بمسؤولية” عشية إعلان نتائج الانتخابات، إن العشاء مع ترمب كان “بناءً للغاية”.
لكن يبقى من غير واضح ما إذا كانت هذه المحاولات والمبادرات كافية لمحو ذكريات انتقادات لامي الحادة.
حزب المحافظين يدخل على الخط
وبعد ساعات من رسالة التهنئة التي وجهها لامي إلى ترمب، طرحت زعيمة حزب المحافظين الجديدة كيمي بادنوك، في أول مواجهة لها ضد ستارمر خلال مجلس العموم، عدة تساؤلات، منها عما إذا كان وزير الخارجية قد اعتذر لترمب شخصياً عن تصريحاته التي وصفتها بـ”المهينة والبذيئة”.
وأشارت بادنوك إلى أن عدداً من وزراء حكومة حزب العمال وقّعوا قبل سنوات، على مقترح يدعو إلى منع ترمب من إلقاء خطاب في البرلمان البريطاني، حاثةً ستارمر على تجاوز ذلك بدعوة الرئيس المنتخب للتحدث إلى البرلمانيين.
وعندما سُئلت المتحدثة باسم ستارمر، عما إذا كان لامي سيظل وزيراً للخارجية طوال مدة هذه الدورة البرلمانية، قالت: “نعم، إنه وزير الخارجية”.
كما تحدث ستارمر مع ترمب لتهنئته على فوزه في الانتخابات. وناقش الجانبان قوة العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، بما يشمل مجالات الدفاع والأمن والنمو والازدهار، بحسب بيان الحكومة البريطانية، الذي قال إن ستارمر بحث مع ترمب “الوضع في الشرق الأوسط، وأكد على أهمية الاستقرار الإقليمي”.
وأثناء استرجاعهما للقاء الذي جرى في سبتمبر، تحدثا عن “الروابط القوية والعلاقة الوثيقة” التي تربط ترمب بلندن، وأعربا عن تطلعهما للعمل معاً، بحسب البيان البريطاني.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن الملياردير إيلون ماسك الذي سبق أن سخر من ستارمر على وسائل التواصل الاجتماعي، وزعم بعد أعمال الشغب في الصيف الماضي أن بريطانيا تتجه نحو “حرب أهلية”، سيكون من أهم العوائق أمام تطور “العلاقة الخاصة” بين البلدين.
وبعد عدم تلقيه دعوة لحضور قمة الاستثمار الدولية التي نظمها ستارمر الشهر الماضي، هاجم ماسك بريطانيا، قائلاً إنه “لا ينبغي لأحد زيارتها”.
وتوقعت “فاينانشيال تايمز” أن تؤدي مشاركة ماسك المحتملة في إدارة ترمب الجديدة، لتأثيره على وجهات نظر الرئيس المنتخب في طبيعة العلاقات من الدول الحليفة.
انتقادات لامي لترمب
وخلال فترة ترمب الأولى في البيت الأبيض، وجّه لامي انتقادات شديدة لترمب، حيث اعتبره “تهديداً عميقاً للنظام الدولي”، و”متعاطف مع النازيين الجدد”، و”كاره للأجانب”.
وفي فبراير 2017، قال لامي، عندما كان عضواً في البرلمان إنه “يشعر بالخجل” من دعوة حكومة حزب المحافظين ترمب إلى المملكة المتحدة.
وأضاف حينها: “هل هذه الدولة العظيمة يائسة للغاية من صفقة تجارية لدرجة أننا نلقي بكل تاريخنا من النافذة؟ لم نفعل ذلك من أجل كينيدي أو ترومان أو ريجان، لكننا نقول لهذا الرجل: من فضلك تعال وسنضع كل شيء لأننا يائسون للغاية”.
وتابع: “أعتقد أن هذه الدولة أعظم من ذلك، أعتقد أن أطفالي يستحقون أفضل من ذلك، أعتقد أن ابنتي تستحق أفضل من ذلك، أنا أشعر بالخجل من وصول الأمور إلى هذا الحد”، وفق “تليجراف”.
وانتقد لامي ترمب بشدة خلال اجتماع على هامش مؤتمر “حزب العمال” لعام 2017 في برايتون، وأدانه بسبب تعامله مع مسيرة الجماعات اليمينية المتطرفة والقومية البيضاء في أغسطس من ذلك العام في شارلوتسفيل.
وفي تعليقات نقلتها صحيفة “ديلي ميل” في ذلك الوقت، قال لامي إنه سيحتج على مجيء ترمب إلى المملكة المتحدة، مضيفاً أنه مستعد لربط نفسه أمام مدخل مقر رئاسة الوزراء في بريطانيا من أجل ذلك.
ورفض ترمب الدعوة في نهاية المطاف في يونيو 2017، بسبب الغضب الشعبي البريطاني من الزيارة المقترحة.
وفي عام 2018، انتقد لامي ترمب لإلغاء زيارة إلى مقبرة لجنود أميركيين في فرنسا للاحتفال بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى، بسبب سوء الأحوال الجوية.
كما حذّر لامي من “تنفير جيراننا في أوروبا” والوقوع “في قبضة الطاغية الأميركي”، وذلك رداً على تعليق أدلى به ترمب على تويتر، حول فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن اقترح إيمانويل ماكرون إنشاء “جيش أوروبي حقيقي”.
وفي عام 2019، قارن لامي شعار ترمب “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، بالتعليقات التي أدلى بها أدولف هتلر في خطاب عام 1940.
وبعد عاملين من فشل الزيارة الأولى، زار ترمب بريطانيا في 3 و5 يونيو 2019، والتقى بالملكة الراحلة إليزابيث الثانية في حفل ترحيبي في قصر باكنجهام، وعُقدت على شرفه مأدبة رسمية.
وقبل بدء زيارته، حث لامي تيريزا ماي على إعادة النظر في دعوة ترمب، وكتب حينها: “دونالد ترمب، الذي يتسم بالخداع وكراهية الأجانب والنرجسية، ليس صديقاً لبريطانيا، وهو غير لائق لتولي منصب حكومي، ناهيك عن كونه لا يستحق أعلى التكريمات ومأدبة عشاء مع الملكة”، مضيفاً أن “تيريزا ماي تبيع المملكة المتحدة لكذاب متسلسل ومخادع”.
وفي عام 2019، شن ترمب هجمات لفظية على 4 عضوات في الكونجرس من الديمقراطيات من ذوات البشرة الملونة، انتقدن سياساته المتعلقة بالهجرة. وطلب ترمب منهن “العودة” إلى بلدانهن، على الرغم من أنهن جميعاً مواطنات أميركيات.
وكانت النائبة إلهان عمر واحدة من العضوات التي استهدفهن ترمب، وهي أول لاجئة إفريقية تصبح عضواً في الكونجرس. وأدان لامي كلمات ترمب ووصفها بأنها “هجوم عنصري على إلهان عمر”.
واستمر لامي في انتقاد ترمب بسبب تصريحاته، متهماً إياه بـ”إثارة هتافات العنصرية البيضاء” في تجمعه.
وفي أغسطس 2019 سافر ترمب إلى بولندا لإحياء الذكرى الثمانين للحرب العالمية الثانية، ولكن في وقت سابق من ذلك الشهر تسبب في جدل بسبب تصريحات أدلى بها عن هذا البلد.
وعندما سُئل ترمب عما إذا كان لديه رسالة لبولندا في الذكرى الخامسة والسبعين لانتفاضة وارسو لتحرير المدينة من الاحتلال النازي، أجاب: “لدي الكثير من الاحترام لبولندا، وكما تعلمون فإن شعب بولندا يحبني، وأنا أحبهم. وسأذهب إلى بولندا قريباً جداً”.
وفي تعليقه على مقطع من هذه المقابلة، اعتبر لامي أن ترمب لو دخل إلى الثانوية العامة فإنه لم يكن ليكمل دراسته.
وخلال مناظرة ترمب الرئاسية ضد جو بايدن في سبتمبر2020، سُئل المرشح الجمهوري عما إذا كان “مستعداً لإدانة الجماعات العنصرية البيضاء والميليشيات” التي كانت في الشوارع في الولايات المتحدة. ولم يقدم ترمب إجابة مباشرة.
وقال لامي حينها، إن “ترمب لا يستطيع حتى أن يجبر نفسه على إدانة العنصريين البيض صراحة. العالم أجمع سوف يتنفس الصعداء إذا ما تم إقصاء هذا المهرج الخطير من منصبه في نوفمبر 2020”.
وفي الأيام الأخيرة من رئاسته، أصدر ترمب عفواً عن أكثر من 140 شخصاً، بما في ذلك حلفاءه. وقال لامي حينها إن ذلك “نهاية مناسبة لإدارة فاسدة ومفلسة أخلاقياً”، مضيفاً: “العالم مرتاح لرؤية ظهرك”.
وتثير تغريدات لامي، التي امتدت لأربع سنوات، تساؤلات حول طبيعة العلاقات المستقبلية المحتملة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وأشار متحدث باسم الحكومة البريطانية، في حديث لـ”تليجراف”، إلى تصريحات أدلى بها جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب، والذي قارن ذات يوم ترمب بهتلر.