أفادت مصادر أميركية، بأن الولايات المتحدة سعت على مدى الأسابيع الماضية إلى التأثير على إسرائيل بإقناعها بالتمهل، قبل أن ترد على إيران بشن ضربات موجهة على أهداف عسكرية، السبت، وذلك بإسنادها بمنظومة دفاع جوية “ثاد”، وبطمأنتها من خلال استهداف جماعة الحوثي في اليمن.
ودمرت الضربات الإسرائيلية دفاعات جوية إيرانية رئيسية ومنشآت لإنتاج الصواريخ، لكن الأهم من ذلك أنها تجنبت مواقع نووية حساسة وبنية أساسية للطاقة في إيران، ما لبّى مطلبي الرئيس جو بايدن الرئيسيين.
وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعني بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية، إن “الضغوط الأميركية كانت بالغة الأهمية”.
وأضاف: “كان من شأن عملية صنع القرار في إسرائيل أن تكون مختلفة تماماً، لو لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لدفعها إلى عدم ضرب مواقع نووية أو منشآت للطاقة”.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نفى أن تكون إسرائيل تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأميركية، قائلاً إن إسرائيل “اختارت مسبقاً أهداف الهجوم، وفقاً لمصالحها الوطنية وليس رضوخاً للإملاءات الأميركية”.
وأجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مثل غيره من كبار المسؤولين في الإدارة، اتصالات هاتفية مع حلفاء أوروبيين وعرب في الأيام التي أعقبت الهجوم الإيراني، موضحاً أن إسرائيل ستضطر إلى الرد، لكنه أكد لهم أن واشنطن تعمل على الحد منه.
إسرائيل تملك الوقت
ولفت المسؤولون إلى أن الخطوة الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن كانت الاعتراف بأن إيران ستضطر إلى دفع ثمن الهجوم الذي وقع في أول أكتوبر الجاري.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن: “في الساعات التي أعقبت ذلك الهجوم، توعدنا إيران بعواقب وخيمة”. وأجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن 12 مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي منذ الأول من أكتوبر، إذ ناقشا الرد المحتمل.
وأوضح مسؤول أميركي معلقاً على محادثات أوستن وجالانت: “كنا نعلم أنهم يستعدون للقيام بشيء ما، وكان (أوستن) يحث على أن يكون متناسباً”.
وقال جيفري لويس، الخبير في مجال الحد من الانتشار النووي في معهد “ميدلبري للدراسات الدولية”، إن تحليل صور الأقمار الاصطناعية أظهر سقوط ما لا يقل عن 30 قذيفة على قاعدة “نيفاتيم” الجوية الإسرائيلية وحدها، في هجوم إيران.
وأضاف لويس: “هذا قد يشير إلى أن إسرائيل، إما تحاول الحفاظ على دفاعاتها الجوية الآخذة في التناقص، أو أنها تعتقد ببساطة أن كلفة إصلاح المنشأة المحصنة ستكون أقل من كلفة صد كل قذيفة تطلقها إيران”.
وتابع لويس: “ربما قررت إسرائيل أن المخزونات بدأت في النفاد أو أن الصواريخ الاعتراضية أصبحت باهظة الكلفة للغاية، بحيث لا يمكن استخدامها لصد الصواريخ الباليستية”.
وبعد ساعات من سقوط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، أرسلت إدارة بايدن رسالة عاجلة إلى إسرائيل مفادها: “تريثي”.
وكانت واشنطن ترى أن إسرائيل تملك الوقت لاتخاذ القرار بشأن أفضل طريقة للرد على ضربة إيرانية، قدرت الولايات المتحدة أنها كانت ستقتل الآلاف لو لم تتمكن إسرائيل، بدعم عسكري أميركي، من صد هجوم عدوها اللدود.
وكان المسؤولون يخشون أن يؤدي مثل هذا الهجوم الإيراني الضخم إلى إثارة رد فعل إسرائيلي حاد وسريع، ما يدفع الشرق الأوسط إلى شفا صراع إقليمي شامل قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية.
بدائل أميركية لاستهداف طهران
وقال مسؤول أميركي إن إدارة بايدن، عندما بدأت في التحدث مع الإسرائيليين، كانت المواقع النووية والنفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة، رغم تأكيده على أن إسرائيل لم تقرر بشكل قاطع المضي قدماً في ضرب هذه الأهداف.
لكن المسؤولين الأميركيين عملوا على تقديم خيار بديل يتضمن مجموعة من التدابير المختلفة، فقد عملت واشنطن على فرض عقوبات نفطية تستهدف ما يعرف باسم “أسطول الظل” الإيراني، وذلك لتقديم بديل للإسرائيليين الذين أرادوا إلحاق الضرر بعوائد النفط الإيرانية بضربة جوية.
وقال المسؤول إن الولايات المتحدة “عملت على تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل هجومها على إيران السبت، إذ شمل ذلك نشراً أميركياً لمنظومة الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية (ثاد) في إسرائيل إلى جانب نحو 100 جندي أميركي لتشغيلها”.
وقبل نشر المنظومة، أرادت الولايات المتحدة معرفة خطط الهجوم الإسرائيلية، حيث أجرى بايدن اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو في التاسع من أكتوبر، ما أعطى الولايات المتحدة فكرة عن كيفية الرد الإسرائيلي، الأمر الذي سمح بالمضي في نشر منظومة “ثاد”.
وفرضت واشنطن عقوبات على إيران، تلبية لرغبة إسرائيل في التضييق على قطاع النفط الإيراني، شمل ذلك توسيع العقوبات الأميركية على قطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران في 11 من أكتوبر.
ومن العناصر الرئيسية الأخرى في هذه “الحزمة” من التدابير البديلة، تشجيع الحلفاء الأوروبيين على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية (Iran Air) ونشر منظومة “ثاد” في الوقت نفسه، كرادع والإظهار للعالم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل.
وقال مسؤولون إن هذا الخيار، من شأنه أن يظل رادعاً قوياً وفعالاً في جعل إيران تدفع ثمن هجومها دون إغراق المنطقة في حرب أوسع نطاقاً، تعتقد واشنطن أن إسرائيل لا تريدها.
ضرب أهداف بعيدة المدى
وفيما اعتبره العديد من الخبراء رسالة إلى إيران، نفذ الجيش الأميركي ضربة ضد جماعة الحوثي في اليمن، باستخدام قاذفات الشبح البعيدة المدى (بي-2).
وقال أوستن في ذلك الوقت، إن الضربة دليل واضح على قدرة وزارة الدفاع الأميركية على ضرب منشآت يصعب الوصول إليها، “بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض، أو مدى تحصينها”.
وبينما دارت تكهنات بشأن ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب المواقع النووية الإيرانية، كانت رسالة واشنطن إلى إسرائيل هي أنها “تستطيع الاعتماد على مساعدتها، إذا ما اختارت طهران ذات يوم صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لا تعتقد دوائر الاستخبارات الأميركية أن طهران قد فعلته بعد”.
ويرى وزير الخارجية الأميركي أن الهجوم الإسرائيلي المضاد المدروس على إيران قد يتيح الفرصة لتحقيق أهداف دبلوماسية بعيدة المنال منذ فترة طويلة في منطقة تعاني بالفعل من حرب مستمرة منذ عام في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” من جهة، وبين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني من جهة أخرى.
وخلال جولة في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، قال بلينكن إن المناقشات الأميركية مع إسرائيل وصلت إلى مرحلة لن تضرب خلالها إسرائيل سوى أهداف عسكرية، وأضاف في رسالة يأمل أن تصل إلى طهران إن “إيران في المقابل ينبغي ألا تفعل أي شيء آخر”.
وفي حين أنه من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخفضان مستوى التصعيد، يقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن عملت بجد لإيجاد فرصة لوقف التبادل غير المسبوق للهجمات المباشرة والمضادة الذي بدأ في أبريل.
وأضاف المسؤول الأميركي إنه “إذا اختارت إيران الرد مرة أخرى، فسنكون مستعدين، وستواجه عواقب مرة أخرى. ومع ذلك، لا نريد أن نرى ذلك يحدث”.
وتواجه استراتيجية بايدن في محاولة كبح جماح إسرائيل انتقادات من أطراف منها جمهوريون معارضون في الولايات المتحدة مثل مايك تيرنر، عضو الكونجرس الجمهوري الذي يرأس لجنة المخابرات في مجلس النواب.