في الوقت الذي تتصاعد فيه الحرب في أوكرانيا، تتضافر جهود بريطانيا وفرنسا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لطرح خطة سلام تهدف إلى إنهاء الصراع، فيما تتزايد التساؤلات بشأن دور الولايات المتحدة في دعم كييف، وكذلك قدرة أوروبا على سد الفجوة التي قد تتركها واشنطن في حال تراجع دعمها العسكري، بحسب صحيفة “الجارديان”.
وقالت الصحيفة البريطانية إن المبادرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الأحد، تثير تساؤلات بشأن إمكانية تحقيق السلام، وشروطه في ظل استمرار العداء الروسي، وعدم وضوح النوايا الأميركية.
وقال ستارمر، بعد الاجتماع مع قادة أوربيين بلندن، إن المشاركين اتفقوا على وضع خطة سلام لأوكرانيا لعرضها على الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن بريطانيا وأوكرانيا وفرنسا ودول أخرى ستشكل “تحالفاً من الراغبين” لوضع خطة.
وفي اجتماع استثنائي بالمكتب البيضاوي، الجمعة، هدد ترمب بإنهاء الدعم الأميركي لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا بعد اتهامه زيلينسكي بعدم العرفان بالجميل ورغبته باستمرار الحرب.
وأدت المشادة الكلامية بين الرئيسين في البيت الأبيض إلى انقسام داخل صفوف الحزب الجمهوري، ما قلل من فرص موافقة الكونجرس على إرسال مساعدات إضافية لكييف في حربها مع روسيا.
هل يمكن تحقيق السلام في أوكرانيا في ظل الوضع الحالي؟
على الرغم من إعلان أوكرانيا وروسيا رغبتهما في إنهاء الحرب، لا يزال البلدان بعيدين عن التوصل إلى اتفاق، حيث يسعى الكرملين إلى الهيمنة على كييف والاستيلاء على مساحات واسعة من أراضيها، وضمان عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي المقابل، تقاتل أوكرانيا من أجل بقائها، وتسعى لبناء مستقبل مستقل وآمن داخل المجال الغربي.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا أشارت إلى أنها قد تقبل بتقسيم البلاد بحُكم الأمر الواقع على طول خطوط المواجهة الحالية تقريباً، فإنها بالتأكيد تُفضّل مواصلة القتال بدلاً من قبول شروط أكثر صرامة، إذ لا يريد معظم الأوكرانيين الوقوع تحت سيطرة نفوذ موسكو، كما لا تزال هناك رغبة منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المجتمع الأوكراني في مقاومة الهيمنة الروسية.
ماذا سيحدث إذا تخلت الولايات المتحدة عن أوكرانيا؟
لقد أدى الخلاف العلني بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني، الجمعة، في البيت الأبيض إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مما أثار تساؤلًا حول ما إذا كانت واشنطن ستتحرك لقطع جميع المساعدات العسكرية المستقبلية لكييف، وهي أقوى ورقة ضغط قصيرة الأجل تمتلكها الولايات المتحدة.
ورغم وجود ما يقرب من 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية المتبقية التي تم منحها خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، ولم يتم تخصيصها بعد، فإنه كانت هناك تلميحات يوم الجمعة توحي باحتمالية قطعها على الفور.
وقد يؤدي وقف المساعدات العسكرية الأميركية إلى جعل الوضع في ساحة المعركة أكثر صعوبة بالنسبة لأوكرانيا، على الرغم من أن الأمر سيتطلَّب بعض الوقت حتى يصبح سارياً، إذ تشير تقديرات المسؤولين الدفاعيين الأوكرانيين إلى أن نحو 20% من المعدات العسكرية المُستخدَمة في الحرب تأتي من الولايات المتحدة (بالإضافة إلى نحو 55% من أوكرانيا و25% من أوروبا).
وبينما تظل أوكرانيا في موقف دفاعي إلى حد كبير، فإن التقدم الروسي في كييف في عام 2024 كان بطيئاً، وحدث بتكاليف بشرية عالية، إذ يفوق عدد الضحايا والجرحى ألف شخص يومياً، كما لم يتم الاستيلاء على أي مدن مهمة، ومن المرجح أن تحتاج موسكو إلى عامين آخرين للاستيلاء على بقية منطقة دونيتسك إذا استمر نفس معدل التقدم خلال العام الماضي، وفقاً لتقديرات معهد دراسة الحرب.
هل يمكن لأوروبا سد الفجوة في الدعم العسكري الأميركي؟
من الصعب أن تتمكن أوروبا من تعويض جميع الإمكانات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة، مما يعني أن الوضع العسكري في أوكرانيا سيظل صعباً.
وتقول راشيل إيليهوس، المديرة العامة للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن مساهمة الولايات المتحدة مهمة في 3 مجالات بشكل خاص: الدفاع الجوي، حيث لا توجد سوى بدائل أوروبية محدودة لأنظمة باتريوت، والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وقد رفضت ألمانيا تزويد كييف بصواريخ تاوروس، بالإضافة إلى النقص في إمدادات صواريخ “ستورم شادو” الفرنسية-البريطانية، وثالثاً، الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، حيث لا يزال برنامج “ستارلينك” التابع للملياردير إيلون ماسك حاسماً على الجبهة.
وهناك أيضاً مسألة التكلفة، فحتى الآن، قدمت الولايات المتحدة 33.8 مليار دولار في شكل أسلحة وذخيرة، ووفرت لكييف تمويلاً بقيمة 33.2 مليار دولار لشراء أسلحة أميركية الصُنع.
ووفقاً لجامعة كييل في ألمانيا، تظل المساعدات العسكرية الأوروبية عند نفس المستوى تقريباً، حيث بلغت 62 مليار يورو مما يعني أنه يجب مضاعفة التبرعات لسد الفجوة بشكل كامل، وهو ما سيشكل زيادة كبيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة دعوات لاستخدام بعض أصول روسيا المُجمدة في البنك المركزي، والتي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، للمساعدة في تمويل جهود الحرب في أوكرانيا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان من الممكن قانونياً القيام بذلك.
هل يمكن لأوروبا ضمان السلام في أوكرانيا دون دعم الولايات المتحدة؟
على الرغم من وجود مناقشات حول إنشاء “قوة طمأنة” بقيادة أوروبية لضمان السلام في أوكرانيا، فإن هذا يتطلب وقفاً لإطلاق النار على الأقل، ومع ذلك، أكدت روسيا بالفعل أنها تعارض قيام الدول الأعضاء في حلف الناتو بتوفير قوات حفظ سلام، لكن في حين أنها قد تكون غير فعَّالة في الأراضي التي لا تسيطر عليها، فإن معارضتها ستترك القوات الأوروبية في البلاد في وضع محفوف بالمخاطر.
وكانت بريطانيا قد دفعت الولايات المتحدة لتوفير الدعم لأي قوة استقرار في أوكرانيا، على الأرجح في شكل قوة جوية، لكن ستارمر لم يحصل على التزام قوي من ترمب خلال لقائهما، الخميس، في البيت الأبيض.
وقد أدى الخلاف، الذي وقع الجمعة، بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني إلى جعل فكرة إرسال قوات حفظ سلام أقل احتمالاً، خاصةً بعد اتهام ترمب لزيلينسكي بـ “المقامرة بالحرب العالمية الثالثة”.
ويتساءل مستشار الأمن القومي البريطاني السابق اللورد ريكيتس: “هل ستحصل أوروبا على التزام من الولايات المتحدة؟ لا أعتقد ذلك”.
ومع ذلك، فإن هذا يثير معضلة صعبة تتعلق بكيفية ضمان سلامة قوات حفظ السلام الأوروبية في أوكرانيا في حال انتهكت روسيا أي هدنة قد تمنحهم الثقة للدخول إلى البلاد.
أين يترك هذا الناتو والتحالف الأمني عبر الأطلسي؟
الواقع الحالي الواضح هو أنه في ظل وجود ترمب في البيت الأبيض، فإن الاتفاق الذي كان أساساً للأمن الأوروبي على مدى عقود من الزمن لم يعد موجوداً، فقد كانت القارة قادرة على إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية، فيما كانت الولايات المتحدة تمد مظلة أمنية متنامية تغطي جميع أنحاء القارة بأكملها تقريبًا.
لكن الآن أصبح التزام ترمب تجاه حلف شمال الأطلسي غير مؤكد، ومن غير الواضح ما إذا كانت جميع القوات الأميركية، البالغ عددها 100 ألف جندي في أوروبا، ستظل موجودة في المستقبل، فضلاً عن أن البيت الأبيض لا يزال حريصاً على متابعة المحادثات الأمنية المباشرة مع موسكو.
وتضيف إيليهوس: “لطالما كان واضحاً أن الولايات المتحدة لديها أولويات أمنية أخرى، داخلياً وفي منطقة المحيط الهادئ، حيث ترى تحدياً طويل الأمد من الصين”.
وتابعت: “هذا أمر يعرفه حلفاء الناتو منذ عقد، ولكن حتى الآن لم يكن هناك ما يدفعهم إلى التحرك، فهل سينجو الحلف الآن؟ هذا سؤال أصعب”.