بات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة موضع شك مع تصاعد الخلافات بين “حماس”، وإسرائيل بشأن البنود الإنسانية، لا سيما إدخال البيوت المتنقلة (الكرفانات) والمعدات الثقيلة إلى القطاع، وزادت التصريحات المتناقضة الصادرة عن الجانبين من تعقيد المشهد، ما يثير تساؤلات حول استدامة الهدنة ومصير المحتجزين المتبقين.
وأعرب مسؤولون في “حماس” عن استيائهم؛ مما وصفوه بـ”تلكؤ إسرائيل” في تنفيذ البروتوكول الإنساني للاتفاق.
وقال المتحدث باسم “حماس” حازم قاسم، لـ”الشرق” إن الحركة ملتزمة بتنفيذ الاتفاق، لكنها تتهم إسرائيل بتعطيل تنفيذ بنوده الأساسية عمداً.
وأضاف: “ستلتزم حماس بالاتفاق كما هو مقرر، لكننا نراقب مدى التزام إسرائيل به.. تحاول إسرائيل التهرب من الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق مستغلةً تصريحات شخصيات أمريكية، وخاصة دونالد ترمب الذي دعا إلى موقف أكثر صرامة تجاه غزة”.
وقال مصدر رفيع مطلع على المفاوضات لـ”الشرق” إن الوسطاء أكدوا لـ”حماس” أن إسرائيل سبق والتزمت بتنفيذ البروتوكول الإنساني، والذي يتضمن إدخال آلاف “الكرفانات”، والمعدات الثقيلة، والوقود، والمستلزمات الطبية.
وأضاف المصدر: “هذه ليست مطالب جديدة، بل هي جزء صريح من المرحلة الأولى للاتفاق.. المطلوب هو التزام إسرائيل بما تم الاتفاق عليه بدلاً من المماطلة”.
إسرائيل تنفي التوصل لاتفاق حول “الكرفانات”
في المقابل، نفت إسرائيل بشكل قاطع وجود أي اتفاق يسمح بإدخال “الكرفانات” أو المعدات الثقيلة إلى غزة، وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً نفى فيه التقارير التي تحدثت عن تفاهم لاستمرار تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.
وجاء في البيان: “لا يوجد أي اتفاق لإدخال (الكرفانات) أو المعدات الثقيلة إلى غزة.. لا يوجد أي تنسيق بهذا الشأن، كما أن البضائع لا يتم نقلها عبر معبر رفح بموجب بنود وقف إطلاق النار”.
وفي وقت لاحق، شدد مكتب نتنياهو على هذا الموقف رداً على صور المعدات الثقيلة والبيوت المتنقلة التي ظهرت على الجانب المصري من معبر رفح: “كما أوضحنا مرارًا، لن يُسمح بإدخال الكرفانات أو المعدات الثقيلة إلى غزة، ولا يوجد أي اتفاق بهذا الصدد”.
الخلاف حول المعدات الثقيلة وتبادل المحتجزين
تحول الخلاف حول المعدات الثقيلة إلى نقطة محورية في الأيام الأخيرة، حيث تصر “حماس” على ضرورة السماح بدخول الجرافات والرافعات والمعدات الخاصة بالبحث تحت الأنقاض، باعتبارها جزءاً من الالتزامات الإنسانية للاتفاق.
في المقابل، تعارض الفصائل اليمينية في إسرائيل ذلك بشدة، بحجة أن هذه المعدات قد تعرقل جهود استعادة جثامين المحتجزين الإسرائيليين.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية قولها إن طريقة الدفن في غزة تشكل خطراً، حيث يتم دفن الفلسطينيين على عمق 1 إلى 1.5 متر، بينما يتم دفن الإسرائيليين على عمق نصف متر فقط، وأشاروا إلى أن تشغيل المعدات الثقيلة قد يتسبب في تحريك الجثث الإسرائيلية، مما قد يعقد استعادتها.
ورغم معارضة السياسيين اليمينيين، كان مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي قد وافق في وقت سابق على إدخال المعدات الثقيلة كجزء من المفاوضات، لكن التنفيذ تعثر وسط ضغوط من ناشطين يمينيين لإلغاء القرار، وبات نتنياهو، الذي يواجه ضغوطاً سياسية داخلية متزايدة، متردداً في المضي قدماً.
“حماس” تهدد بتعليق وقف إطلاق النار
وحذرت “حماس” من أنها قد توقف مشاركتها في اتفاق وقف إطلاق النار إذا لم تفِ إسرائيل بالتزاماتها الإنسانية، وأشارت إلى أنها قد تعلق الاتفاق يوم الاثنين إذا لم يتم السماح بإدخال “الكرفانات” والمعدات الثقيلة.
وجاء ذلك بعد تهديد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي حذر “حماس” من مغبة الانسحاب من الاتفاق، داعياً إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين.
وفي حين لم تعلن إسرائيل رسمياً عن انهيار الاتفاق، فقد نفت التقارير التي تحدثت عن إحراز تقدم.
وقال المتحدث باسم نتنياهو، عومر دوستري: “لن يتم إدخال الكرفانات أو المعدات الثقيلة إلى غزة.. لا يوجد أي تنسيق بهذا الشأن، كما أن البضائع لا تدخل عبر معبر رفح”.
المحتجزون مقابل المساعدات الإنسانية
وتشير مصادر مقربة من المفاوضات إلى أن “حماس” لا تمانع إطلاق سراح رهائن إضافيين إذا وافقت إسرائيل على بدء مناقشات بشأن المرحلة الثانية من الهدنة.
ويبدو أن هذا الموقف جاء استجابة للضغوط التي يمارسها ترمب، والتي انعكست في تصريحات وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية جيلا غملئيل، التي قالت: “آمل بشدة أن يتم إطلاق سراح جميع المحتجزين، يوم السبت، وفقاً للإطار المتفق عليه، حتى نتمكن من المضي قدماً في الصفقة”.
ورغم عدم تأكيد إطلاق سراح رهائن إضافيين، قالت مصادر في “حماس” لـ”الشرق” إنه قد يتم تسليم جثامين ثلاثة رهائن من عائلة بيباس يوم السبت إذا سمح بإدخال “الكرفانات” والخيام، كإضافة على الاتفاق الأساسي المقرر تنفيذ مرحلته السادسة يوم السبت المقبل.
ومن المتوقع أن تعلن “حماس”، الجمعة، عن أسماء ثلاثة أسرى سيتم إطلاق سراحهم.
وفي حال تنفيذ عملية الإفراج، التقدير أنه سيبقى 13 محتجزاً في غزة، من بينهم ستة تعتقد الحركة أنهم أحياء، لكن الوسطاء لم يؤكدوا بعد أي اتفاق نهائي بشأن إطلاق رهائن إضافيين، سواء كانوا أحياء أو متوفين.
التوترات تهدد وقف إطلاق النار
مع تصاعد الخلاف حول المساعدات الإنسانية، لا تزال الأطراف المعنية في حالة مواجهة مشحونة، وبينما تصر “حماس” على ضرورة إدخال “الكرفانات” والمعدات الثقيلة وفقًا لما تم الاتفاق عليه، ترفض إسرائيل بشدة أي تغيير في موقفها.
وفي ظل استمرار تدهور الوضع الإنساني في غزة، يبدو أن الجهود الدبلوماسية تواجه صعوبات متزايدة في سد الفجوة بين الطرفين.