بعد أقل من عام على مؤتمر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” السودانية، في أديس أبابا، طويت صفحة التنسيقية تماماً، بالانقسام الذي حدث في صفّوفها، نتيجة خلافات حادة في وجهات النظر السياسية، أفضت إلى اتفاق في الهيئة القيادية للتنسيقية على “فك الارتباط”، ليعمل كل طرف تحت منصة منفصلة سياسياً وتنظيمياً بـ”اسمين جديدين مختلفين”.
وظهرت بوادر الخلاف في أحد أكبر التحالفات السياسية في السودان، خلال الأسابيع الماضية، عندما أعلن التحالف المدني، تشكيل لجنة لـ”فك الارتباط”، في 31 يناير الماضي، بين طرفي صراع محتدم داخله، يدور حول تشكيل “حكومة موازية” في مناطق سيطرة قوات “الدعم السريع”.
وقال بيان “تقدم” إن لكل طرف الحق في العمل حسب ما يراه مناسباً ومتوافقاً مع رؤيته حول الحرب، وسبل وقفها، وتحقيق السلام الشامل الدائم، وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي المستدام، و”التصدي لمخططات النظام السابق وحزبه المحلول وواجهاته”.
وذكرت مصادر لـ”الشرق”، أن 19 كياناً سياسياً ومدنياً داخل “تقدم” اعترض على الاتجاه الداعي لتشكيل حكومة، أبرزها حزب الأمة القومي، والتحالف الوطني السوداني، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث القومي، والمؤتمر السوداني، والحزب القومي السوداني، والوطني الاتحادي الموحد، إضافة إلى تيار الوسط للتغيير، وحزب التواصل، والحزب الناصري، وحركة حق، والوطني الاتحادي، ولجان المقاومة، والمهنيين والنقابات، والمجتمع المدني، والفئات النوعية، ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والتيار الثوري الديمقراطي، والجبهة الشعبية المتحدة.
وبينما تمضي المجموعة الثانية في إجراءات تشكيل حكومة “موازية”، قالت مصادر في التنسيقية لـ”الشرق” إنها تتوقع إعلانها في 17 فبراير الجاري. وأبرز الداعين لتشكيل حكومة، أعضاء مجلس السيادة السابقين، الهادي إدريس، والطاهر حجر، وهما يقودان حركتين مسلحتين موقعتين على اتفاق جوبا للسلام، ومحمد حسن التعايشي، علاوة على رئيس حركة العدل والمساواة “المنشقة”، سليمان صندل.
واندلع الصراع في 15 أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع اللذين أطاحا معاً بالرئيس السابق عمر البشير إثر احتجاجات شعبية في عام 2019. وذلك عقب خلاف على دمج قوات الدعم في الجيش في إطار انتقال ديمقراطي جديد.
جبهة جديدة بمشاركة “الحلو” و”عبد الواحد”؟
مسؤول دائرة الإعلام في حزب الأمة القومي، المصباح أحمد، قال لـ”الشرق”، إن المجموعة الممانعة لتشكيل حكومة تبحث عقد مؤتمر في القريب العاجل لاختيار اسم جديد وهياكل ورؤية سياسية، فيما لم يستبعد أن تقر هذه المجموعة على تشكيل ما وصفها بـ”جبهة مدنية”، مشيراً إلى إمكان انضمام الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور، كما لفت إلى أن “الخيارات كلها مفتوحة”.
وشهدت الأشهر الماضية تقارباً بين “تقدم” وهذين المكونين، في إطار الدعوة لوقف الحرب، والبحث عن مسار سياسي لحل الأزمة السودانية.
وأشار أحمد إلى أن موقف الرافضين لتشكيل حكومة يتكئ على رؤية تقول إن المضي قدماً في هذا الاتجاه يخرجهم من موقف الحياد في الحرب إلى موقف الانحياز لأحد طرفيها. كما نفى لـ”الشرق” أي انقسام داخل حزبه بهذا الخصوص، مشدداً على أن رئيس الحزب المكلف، فضل الله برمة ناصر، ملتزم بقرارات مؤسسات الحزب الممانعة لتشكيل حكومة. وكانت تقارير أشارت سابقاً إلى رغبة ناصر في الانضمام لصف الداعين لتشكيل حكومة.
من ناحيته، رأى الهادي إدريس، وهو نائب رئيس “تقدم” سابقا، في حديثه لـ”الشرق” أن ما ورد في بيان التنسيقية كاف جداً، فيما اعتبر يوسف عزت، المستشار السابق لقائد “الدعم السريع”، أنه من غير المعلوم معرفة “كيف سيفرض أنصار تشكيل سلطة من عضوية تقدم، شرعية سلطتهم دون امتلاك قوة عسكرية”، مضيفاً: “لا نعرف أيضاً ما هي البدائل التي يطرحها حاملو شعار لا للحرب لإنهائها فعلياً”.
وأضاف عزت أن الأمر ليس مفاجئاً، لأن الأمر حين يتعلق الحديث بالسلطة، يحدث الانهيار في جميع الجبهات. وقال: “حتى (قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان ومن يستترون خلف بندقيته، لم يسلموا من الخلافات عند الحديث عن مستقبل السلطة”.
حمدوك يكسب!!
المحلل السياسي، طاهر المعتصم، خلّص في حديثه لـ”الشرق” إلى أن الطرف الكاسب هو مجموعة حمدوك بـ”تخلصهم من الفاتورة المثقلة التي وصفهم بها خصومهم من الإسلام السياسي بأنهم في تحالف مع الدعم السريع”.
ولفت المعتصم إلى أن الانقسام كان متوقعاً في ظل الوضع العام في السودان، وأن تتجه المجموعات التي تبقت من “الجبهة الثورية”، بعد انحياز العدل والمساواة بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بعد انحيازهما للجيش السوداني، للتحالف مع “الدعم “السريع في محاولة لـ”اللحاق بأي تفاوض بين الجيش والدعم السريع يجعل هذه القوى جزءاً من سلطة ما بعد الحرب”.
في المقابل، رفض المحلل السياسي، سيبويه يوسف ما يثار عن دور لـ”الدعم السريع” في شق “تقدم”. وقال يوسف لـ”الشرق” إن هذه القوات لم تبد منذ تفجر الحرب أية نوايا لتشكيل حكومة، بل على النقيض، ظل قادتها يدعون لعودة المسار الانتقالي الديمقراطي.
من جانب آخر، حذّر المحلل السياسي، الجميل الفاضل في إفاداته لـ”الشرق” حذّر من أن انشقاق “تقدّم” قد يشي بانقسام مؤسس على الجهة والقبيلة والإثنية، نتيجة الواقع الحالي في السودان، لأن المواقف باتت تتخذ طابعاً إثنياً في كثير من الأحيان، وبالتالي فإن آليات “الفرز” السياسية تقوم على “رابطة الدم”.
إعادة تركيب المشهد؟
ويرى مراقبون أن خطاب البرهان، يفتح الباب أمام الساسة الذي ينفضون يدهم عن دعم “التمرد”، على حد تعبيره، مقروناً بانتقاده لحزب المؤتمر الوطني المحلول، مع مستجدات الأوضاع داخل “تقدم”، والخلافات التي برزت إلى السطح بين قادة التيار الإسلامي في السودان، كلها عوامل من شأنها أن تعيد تركيب المشهد، أو تفضي إلى انقسام البلاد.
ويشترط الدبلوماسي السوداني السابق، العبيد مروح، انفتاح جميع القوى السياسية على مراجعات تاريخية معمّقة من أجل الوصول إلى صيغة جديدة لبناء السودان. مروح أضاف لـ”الشرق” أن القوى السياسية السودانية مدعوة لاجتراح أفعال ورؤى على قدر التحديات التي أفرزتها الحرب الحالية.
وكانت حكومة السودان أعلنت، الأحد، خارطة طريق للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب، تشمل تشكيل حكومة كفاءات، واختيار رئيس وزراء مدني، وإطلاق حوار وطني، وذلك مع إعلان الجيش السوداني، خلال الأيام الماضية، تقدمه في مناطق كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع.