تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقاء مع بودكاست The Rest Is Politics، عن ملامح توجهاته المستقبلية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تضمنت بناء جيش سوري جديد قائم على “التجنيد الطوعي لا الإجباري”، و”السعي في استقرار المنطقة وأمانها”، و”إنشاء علاقات استراتيجية مع دول الغرب والإقليم”.
وتطرق الشرع في بداية لقائه مع البودكاست البريطاني الذي تم تسجيله في دمشق وبثه، الاثنين، عن سبب اختيار السعودية كأول وجهة خارجية له كرئيس للبلاد، قائلاً: “السعودية هي مسقط رأسي، أنا ولدت هناك، وكنت دائماً أتشوق للذهاب إلى المملكة العربية السعودية، وهذا على الصعيد الشخصي”.
وأردف: “أما على صعيد الدولة، أحببت أول ما نبدأ به هو أن نبدأ من دولة عربية كبيرة.. وصلتني دعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لبيت هذه الدعوى على عجل، كنت أحب أن تكون أول زيارة لي بأن أذهب إلى المملكة العربية السعودية، وذلك لمكانتها في المنطقة، وتأثيرها على المحيط الإقليمي بشكل أساسي”.
نهج ترمب والتنمية الاقتصادية
ورداً على سؤال بشأن وجهة نظره بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، أشار الشرع إلى وجود “انطباعات كثيرة في الشرق الأوسط عن الرئيس ترمب خلال فترة حكمه (الأولى) ما بين عامي 2016-2021″، مضيفاً: “أعتقد أن ترمب أتى برسائل إيجابية خلال فترة إدارته الحالية. أولاً عنده اهتمام في السياسة الداخلية لأميركا، وتنمية اقتصاد أميركا من جديد، وعنده اهتمام في نشر السلام بمنطقة الشرق الأوسط”.
واعتبر الشرع، أن ذلك “مقدمة جيدة من الرئيس ترمب، وبداية صحيحة في النظرة إلى الشرق الأوسط، وإلى السياسة الأميركية القادمة في المنطقة”.
وأعرب عن تفاؤله بنهج ترمب القائم على نشر السلام، وذلك في حال تحولت أفكاره التي طرحت خلال حملته الانتخابية إلى “واقع عملي”، بأن يكون “الرجل الذي يحقق جزء كبير من السلام في العالم”.
وتواجه إدارة ترمب تحدياً في رسم ملامح استراتيجيتها تجاه سوريا والوجود العسكري الأميركي فيها، خصوصاً بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتشكيل قيادة جديدة.
ولطالما أكد الرئيس الأميركي، أن الولايات المتحدة لا ترغب بالانخراط في سوريا، وسط توقعات بسحب جميع القوات الأميركية من سوريا خلال فترة تصل إلى 3 أشهر.
وعن مقترح ترمب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ذكر أحمد الشرع، أنه “لا يوجد هناك أي قوة تستطيع أن تجبر أهل الأرض أن يهجروا من أرضه”، معتبراً أنه “ليس من الحكمة، وليس من الأخلاق البشرية ولا السياسية أن يتصدر ترمب لإخراج الفلسطينيين من أرضهم”.
ووصف الخطة، بأنها “جريمة كبيرة جداً، لا يمكن أن تحدث، ولا أعتقد أن تنجح”.
مرحلة جديدة في سوريا
وعن استراتيجية إدارته لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، شدد الرئيس السوري، على وجود “توافق دولي كبير لكل من زار دمشق في الفترة الماضية، وتحدث معنا، يتفق على وجوب إزالة العقوبات على سوريا”.
وتحدث الشرع، عن أن سوريا تواجه حالياً “تحديات أمنية كبيرة”، معتبراً أن أحد عوامل علاجها بشكل مباشر هو “تنمية الاقتصاد في البلد، وهذا الذي نحن نركز عليه اليوم”، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك استقرار دون تنمية اقتصادية.
ولفت إلى أن غياب الاستقرار يعني أن سوريا ستكون “بيئة مواتية للفوضى ولخروقات أمنية جديدة في المستقبل، وكل هذه الأمور في صندوق واحد، ويجب معالجتها سويةً”، مبيناً أن سوريا انتقلت الآن إلى مرحلة أخرى، والتي تتضمن “بناء هذا البلد، والتنمية الاقتصادية، والسعي في استقرار المنطقة وأمانها، وطمأنة الدول المحيطة فينا، وإنشاء علاقات استراتيجية بين سوريا ودول الغرب والإقليم”.
وذكر الشرع، أنه “ورث بلد منهك.. النظام السابق دمر كل شيء فيها قبل أن نأخذها منه، ولكن هذا التحدي الذي يجب أن نواجهه نحن كسوريين، ويجب أن نعيد بناء بلدنا، وألا نهرب من هذه المسؤولية”، لافتاً إلى أن أمامه “مشكلات كثيرة”.
وشدد على أن سوريا “بلد مهم جداً، ويشغل موقع استراتيجي هام”، لافتاً إلى أن النظام السابق “عمل على تهجير الناس بشكل متعمد، وإرسالهم إلى أوروبا”، و”عمل على إنتاج الكبتاجون وأيضاً إرساله إلى أوروبا ودول المنطقة”، كما أنه “جعل من دمشق منصة لتشكيل اضطرابات عامة؛ بسبب تدخلات بعض الدول السلبية في سوريا”.
لكنه شدد على أن الوضع في سوريا اليوم “اختلف بشكل جذري”، إذ “تحولت إلى منطقة جديدة، لديها مستقبل كبير جداً، وستكون فاعلة بشكل كبير جداً في استقرار المنطقة، والعمل على استدامة هذا الاستقرار، ومن خلال التنمية الاقتصادية”.
وتعهد بأن تكون بلاده “محطة كبيرة جداً في مجالات متعددة اقتصادية منها زراعية وصناعية وخدمات تجارية.. سوريا تقع على طريق تاريخي استراتيجي وهو طريق الحرير، منه كانت تمر التجارة ما بين الغرب والشرق”، مضيفاً: “هذا الطريق سيعود إلى فاعليته وحيويته خلال الفترة القادمة، أعتقد أن الغرب ينبغي أن ينظر إلى سوريا من هذه الزاوية”.
وتسعى الإدارة السورية الجديدة التي تطالب بشكل متكرر بضرورة رفع العقوبات الغربية، إلى إجراء إصلاحات جذرية لاقتصاد البلاد المنهك، بما في ذلك خطط لتسريح ثلث موظفي القطاع العام، وخصخصة شركات مملوكة للدولة كانت تهيمن على الاقتصاد خلال حكم الأسد الذي دام نصف قرن.
وأصدرت الولايات المتحدة، الشهر الماضي، إعفاء لمدة 6 أشهر من عقوبات تفرضها على سوريا، وتتركز على قطاع الطاقة والتحويلات المالية إلى السلطات التي تحكم البلاد، لكنها أبقت العقوبات على المصرف المركزي؛ مما يعني استمرار عزل سوريا عن النظام المالي العالمي.
كما وافق الاتحاد الأوروبي في أواخر، الشهر الماضي، على خارطة طريق لتخفيف عقوباته واسعة النطاق على سوريا. ويقول دبلوماسيون في التكتل، إن التخفيف قد يشمل إلغاء بعض الإجراءات المفروضة على القطاع المصرفي.
التحديات الأمنية
وعن أبرز التحديات الأمنية التي تواجهها إدارته الجديدة، وعما إذا كان هناك وجه تشابه مع التجربة العراقية الخاصة بـ”اجتثاث حزب البعث” بعد حرب عام 2003، قال الرئيس السوري: “هناك فارق كبير بين الواقع السوري والواقع العراقي.. أولاً، أنا الآن لم أحل الجيش السوري، دون أن يكون لدي البديل. أنا أتيت ببديل، وهو كان موجود معي، وفيه مؤسسة قائمة، وفيه كلية حربية كانت تنتج الضباط”.
كما لفت إلى أن “هناك عدداً كبيراً من الضباط المنشقين (عن الجيش السوري السابق) الذين الآن يعودون تدريجياً إلى الانضمام إلى وزارة الدفاع الحالية”.
وتابع: “جيش النظام السابق لم يكن جيشاً يشبه الجيش العراقي، هو أيضاً جيش مفكك، وفيه ميليشيات كثيرة، وتدخلات دولية، إيران من جهة كانت، وروسيا من جهة أخرى. وكان الجيش مفكك ومنهار، وعدد كبير من الشبان الذين كانوا يخرجون من سوريا كانوا يفرون من الجيش حيث كان هناك تجنيد إجباري”.
وأوضح أنه لم يفرض “التجنيد الإجباري” في سوريا، واختار التجنيد “الطوعي”، مشيراً إلى أن الآلاف يلتحقون حالياً بالجيش السوري الجديد.
وكانت إدارة العمليات العسكرية في سوريا أعلنت في يناير الماضي، “حل جميع الفصائل العسكرية”، و”الأجسام الثورية السياسية والمدنية” ودمجها في مؤسسات الدولة، و”إعادة بناء الجيش على أسس وطنية”.
وبشأن تفاصيل تلك الإجراءات، أفاد وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة مرهف أبو قصرة، الخميس الماضي، بأن قرابة 100 فصيل مسلح وافقوا على الاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع، لكنه أكد أن هناك العديد من الرافضين لهذه الخطوة.
وذكر أن الجماعات المسلحة التي ستندمج تحت قيادة وزارة الدفاع “لن يسمح لها بالبقاء في وحداتها الحالية، وسيتم حل كافة الفصائل في نهاية المطاف”.