يواجه المرشحون لشغل مناصب الأمن القومي العليا بإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، استجوابات تهدف على ما يبدو إلى اختبار مدى تبنيهم لمزاعمه بشأن نتائج انتخابات 2020 وتبعاتها، حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.
وقالت مصادر مطلعة للصحيفة، إن الأسئلة التي طُرحت على العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين المرشحين لشغل مناصب عليا في أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون، تركز على حدثين يعتبرهما الرئيس ترمب “اختباراً حاسماً” للتمييز بين الموالين والمعارضين له، وهما نتائج انتخابات 2020 والهجوم على مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021.
وأضافت المصادر أن اثنين من المسؤولين السابقين، اللذين كانا قيد النظر لتولي مناصب في مجتمع الاستخبارات، طُلب منهما تقديم إجابات بـ”نعم” أو “لا” على سؤالين هما: “هل كان يوم 6 يناير مدبراً من الداخل؟”، و”هل سُرقت الانتخابات الرئاسية لعام 2020؟”.
ولم يتم اختيار المرشحين اللذين لم يقدما الإجابة المرغوبة بـ”نعم”، رغم عدم وضوح ما إذا كانت هناك عوامل أخرى أثرت في القرار. وقالت “واشنطن بوست” إن هذه الأسئلة جرى طرحها خلال مقابلات مباشرة أجراها مسؤولون عن التوظيف في الإدارة الجديدة.
ولاء سياسي
وأصبح الولاء السياسي “شرطاً مسبقاً” لشغل المناصب على كافة المستويات في إدارة ترمب، بما في ذلك الموظفون الحكوميون الحاليون الذين يسعون للحصول على مهام جديدة.
لكن مسؤولين سابقين في الأمن القومي وغيرهم، أكدوا أنه من الضروري بشكل خاص أن يتمتع العاملين في مجال الاستخبارات بالقدرة على تقديم معلومات دقيقة للرئيس، حتى لو تعارضت مع سياساته أو توجهاته السياسية.
وقال جون بيلينجر، كبير المستشارين السابق لمجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، للصحيفة: “من الطبيعي أن تسأل أي إدارة جديدة المرشحين السياسيين المحتملين عن آرائهم السياسية لضمان توافقهم معها.
وأضاف: “من المقبول أن تستفسر الإدارة الجديدة من المسؤولين الحكوميين عن مدى استعدادهم لتنفيذ سياساتها، لكن من غير المناسب اشتراط شغل وظائف، خصوصاً في أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون، مبنية على مواقف سياسية حزبية”.
وتابع: “نريد من الموظفين الدائمين تفسير المعلومات الاستخباراتية وإنفاذ القوانين بحيادية، دون أي تفضيل حزبي”.
تدقيق في مكتب FBI
وقال مسؤول أميركي مطلع على الأمر للصحيفة، إن اثنين على الأقل من المرشحين لمناصب عليا في مكاتب التحقيقات الفيدرالية FBI خارج واشنطن، خضعوا لاستجوابات مماثلة خلال مقابلات التوظيف.
وتضمنت الأسئلة: “من هم الوطنيون الحقيقيون في 6 يناير؟”، و”من فاز بانتخابات 2020؟”، و”من هو رئيسك الحقيقي؟”. وحتى الآن، لم يتلق هؤلاء العملاء أي رد بشأن نتائج مقابلاتهم.
وترى نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، أنه “من المناسب تماماً أن يتوافق المرشحون للمناصب الأمنية في إدارة ترمب مع أجندة الرئيس التي تضع أميركا أولاً”.
وقالت الصحيفة، إن الأسئلة المتعلقة بالولاء تأتي وسط أجواء متوترة بالفعل داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي وفي مجتمع الاستخبارات.
وفي الأيام الأخيرة، أمر قادة وزارة العدل المؤقتون الذين عينهم ترمب، مكتب FBI بتقديم قائمة تضم آلاف الموظفين في جميع أنحاء البلاد الذين عملوا على قضايا 6 يناير، كما أقالوا قيادات بارزة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ونقلوا عدة مسؤولين كبار في وزارة العدل، وأقالوا المدعين العامين المشاركين في تحقيق المستشار الخاص بشأن ترمب.
ويكرر ترمب ادعاءاته بالفوز في انتخابات 2020، مؤكداً أن الآلاف من أنصاره الذين هاجموا مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 كانوا “وطنيين”، فيما زعمت بعض الأصوات اليمينية أن أعمال الشغب كانت “مؤامرة داخلية” دبرها مكتب FBI.
قلق في مجتمع الاستخبارات
ولم تُتخذ إجراءات مماثلة في وكالة الاستخبارات المركزية CIA، أو وكالة الأمن القومي، أو مكتب مدير الاستخبارات الوطنية ODNI، رغم عرض حزم تعويضات على موظفيها المدنيين.
لكن العاملين في هذه الوكالات يراقبون “بقلق” تصرفات مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، وتصريحات المرشحة لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، تولسي جابارد، وكلاهما من حلفاء ترمب السياسيين.
وكانت جابارد قد ألمحت في بعض الأحيان إلى أن مسؤولي الاستخبارات جزء من “دولة عميقة” غير موالية، إذ تعهدت وراتكليف خلال جلسات التصديق على تعيينهما بـ”عدم تسييس الوكالات التي سيقودانها”.
وقالت جابارد أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي: “بصفتي المستشارة الاستخباراتية الرئيسية للرئيس، سأبدأ بالقيادة من خلال القدوة، واضعةً آرائي الشخصية جانباً، ومتعهدةً بتقديم معلومات استخباراتية يتم جمعها وتحليلها وإعداد تقاريرها دون تحيز، أو تحامل، أو تأثير سياسي”.
وسأل ديمقراطيو اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، كاش باتيل، مرشح ترمب لمنصب مدير مكتب FBI، خلال جلسة التصديق على تعيينه الأسبوع الماضي عن خططه بشأن العملاء الذين عملوا على قضايا 6 يناير، وقد تعهد بعدم اتخاذ أي إجراءات انتقامية، رغم أن عمليات إقالة مسؤولين كبار في المكتب كانت جارية بالفعل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول استخباراتي سابق قوله، إن الإدلاء بشهادة تتعارض مع الحقيقة، كما في الادعاء بأن الرئيس جو بايدن سرق انتخابات 2020، يتعارض مع أخلاقيات عمل ضباط الاستخبارات، مضيفاً: “لا أفهم كيف يمكن لشخص أن (يجيب بغير الحقيقة) ثم يؤدي وظيفته”.
وبحكم طبيعتها، تضم وكالات الاستخبارات عدداً قليلاً نسبياً من المعينين السياسيين، إذ يقول مسؤولون مخضرمون في مجتمع الاستخبارات إن دورهم يتمثل في تقديم معلومات استخباراتية لصناع القرار، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، من دون أي تحيز سياسي.
وقالت لبيفرلي جيج، المؤرخة في جامعة ييل، إن الولايات المتحدة شهدت تحقيقات في ولاء الموظفين الفيدراليين عبر العقود، كما حدث خلال “حملات مطاردة الشيوعيين” في حقبة السيناتور جوزيف مكارثي.
وأوضحت أن تلك التحقيقات كانت إشكالية في حد ذاتها، لكنها على الأقل، لم تكن تدور حول الولاء لشخصية سياسية معينة، بل حول الولاء للوطن.
وأضافت أن الحالة الوحيدة التي اقتربت فيها الولايات المتحدة من أن يكون لديها رئيس يصر على الولاء الشخصي والحزبي داخل وكالات الاستخبارات كانت خلال رئاسة ريتشارد نيكسون.
وأوضحت جيج، أن “نيكسون أراد أن يجعل جميع هذه الوكالات الحكومية الكبرى خاضعة للبيت الأبيض وموالية له شخصياً، لأنه، مثل ترمب، كان يرى أن وسائل الإعلام، وجميع الديمقراطيين، والجهاز الإداري مصطفون ضده”.
وتشير استطلاعات حديثة، إلى أن النظرة إلى مجتمع الاستخبارات، وخصوصاً مكتب التحقيقات الفيدرالي، باتت شديدة الاستقطاب، بعد سنوات من الهجمات التي شنها ترمب وحلفاؤه عليها، بحسب “واشنطن بوست”.