تبادلت روسيا وأوكرانيا تصريحات صاخبة علناً، ففي وقت سابق كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطروحة عدم شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بدوره رد الأخير باتهام الكرملين بعدم الرغبة في التفاوض، مشدداً على ضرورة التعامل مع موسكو من موقع القوة فقط.
وشارك بوتين مجدداً في تصريحاته الأخيرة بشأن الأزمة الأوكرانية، رؤيته لحل هذا الصراع، وكرر ما قيل كثيراً خلال الأشهر الأخيرة، على سبيل المثال، أن زيلينسكي غير شرعي ومن المستحيل التوقيع على اتفاق سلام نهائي معه.
ولتوضيح الصورة أكثر يجب الإشارة إلى أن بوتين لا يعارض مشاركة الرئيس الأوكراني في المفاوضات، بل يؤكد أن توقيع الوثائق الرسمية للسلام لا يمكن أن يتم من قبله كون أنه، ووفقاً لدستور بلاده، لم يعد رئيساً شرعياً منذ مايو الماضي، ومدة ولايته الرئاسية بحسب القانون الأوكراني، لا يمكن تمديدها تحت أي ظرف من الظروف، حتى أثناء الأحكام العرفية.
ومع تأكيد موسكو جديتها في إحلال السلام دبلوماسياً، اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أن الرئيس الأوكراني سيطيل أمد المفاوضات و”سيكذب” ويرسل الشباب بعمر الـ18 عاماً إلى الحرب، وبحسب ميدفيديف، فإن زيلينسكي قد يخسر الانتخابات، لذلك سيحاول تأخير بدء الحوار.
يأتي هذا، وسط ترقب عالمي لتواصل مرتقب بين الرئيسين الروسي، والأميركي دونالد ترمب، إذ قال الأخير بعد مراسم تنصيبه إنه سيتحدث مع نظيره الروسي خلال الفترة المقبلة، مضيفاً أنه يود لو تتاح له الفرصة للقاء الرئيس بوتين في أقرب وقت ممكن ووضع حد لهذه الحرب. مشدداً على تلقيه إشارات يكمن مغزاها في استعداد بوتين للقاء شخصي معه.
واعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي في حديث لـ”الشرق”، أنه حتى الآن ما تحدث عنه ترمب مجرد “حركة دعائية”، وسط عدم وجود أي شيء محدد.
وأضاف: “حتى اللحظة هذه حركة دعائية من قبل ترمب ولا يوجد أي شيء معين، إلى جانب ذلك أي مفاوضات مع الجانب الأوكراني من الممكن خوضها مع شخصية شرعية، وزيلينسكي ليس كذلك”.
وتابع سلوتسكي: “القضايا الأخرى الراهنة، بما في ذلك شروط روسيا مثل حيادية أوكرانيا ونزع السلاح منها وعدم امتلاكها للسلاح النووي ونزع النازية، لذا هناك الكثير من الأسئلة حول صيغة المفاوضات وجوهر المفاوضات المستقبلية”.
وقال: “من الممكن استئناف عملية التفاوض ورغبة ترمب أن يكون الراعي المشارك وربما المركزي لعملية التفاوض مهم جداً، لذا علينا أن ننتظر الاتصالات بين بوتين وترمب، بما في ذلك سننتظر مدى دقة العروض التي سيقدمها الجانب الأميركي بشأن المفاوضات حول أوكرانيا، وبعد ذلك سيمكننا تقييم بشكل مفصل جميع الأمور”.
رؤية بوتين لـ”مفاوضات السلام”
ومؤخراً، أكد بوتين استعداد وانفتاح بلاده على الانخراط في مفاوضات لتسوية الصراع الأوكراني المقبل على إنهاء عامه الثالث، مشدداً في الوقت ذاته على أن الاتفاق المحتمل بين موسكو وكييف يجب أن يضمن أمن كلا البلدين في المستقبل البعيد المدى.
وأكد بوتين كذلك على أن زيلينسكي أضحى الآن رئيساً غير شرعي، لذا فليس بإمكانه رفع الحظر المفروض على التفاوض مع موسكو، لافتاً في السياق ذاته إلى وجود طرق للقيام بذلك في حال توفرت الرغبة لهذا الأمر.
وقال في هذا الصدد: “سأقول إن هناك مشكلة، عندما وقع زيلينسكي هذا المرسوم، حينها كان رئيساً شرعياً نسبياً، أما الآن فلا يمكنه رفع الحظر، لأنه غير شرعي”.
وتابع: “من حيث المبدأ، وبشكل عام، إذا أرادوا (الجانب الأوكراني) القيام بذلك، فهناك طريقة قانونية، ووفقاً لدستور بلادهم يمكن لرئيس البرلمان فعل ذلك”.
وما يخص مشاركة زيلينسكي في التفاوض، أكد الرئيس الروسي أنه حال رغب المشاركة في عملية المفاوضات، فسيعين أشخاصاً لإجراء تلك المفاوضات، لكن السؤال متعلق بالتوقيع النهائي على الوثائق.
من جانبه، قال نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، دميتري سوسلوف، إن روسيا “أعلنت عن شروطها لكييف بشأن التفاوض بشكل علني وواضح، في حين لا تضع موسكو أي شروط مسبقة للتفاوض مع واشنطن”.
وأضاف في تصريحات لـ “الشرق”: “روسيا مستعدة للمفاوضات مع الولايات المتحدة في أي لحظة دون أي شروط مسبقة، وهنا الحديث يجري بالتحديد عن واشنطن وليس عن كييف، وبوتين أعرب عن ذلك مؤخراً، وقال إنه يعتبر زيلينسكي غير شرعي ولبدء المفاوضات مع أوكرانيا، يتعين على كييف تعديل الأمور القانونية، وليمثل كييف رئيس البرلمان الأوكراني وليس زيلينسكي”.
في الوقت نفسه، أوضح سوسلوف أن إعلان موسكو الاستعداد للتفاوض “لا يعني إطلاقاً استعدادها لإعلان الهدنة، الأمر الذي تعول عليه الإدارة الأميركية الجديدة”.
وأردف سوسلوف: “يجب الإشارة هنا إلى أن الاستعداد للمفاوضات لا يعني إطلاقاً الاستعداد للهدنة، وأقول أنه لن يكون هناك هدنة، وهذه مشكلة أخرى، كون أن واشنطن ستصر على أن تعلن الهدنة وبعدها أن تنطلق المفاوضات التي قد تستمر لفترة طويلة على القضايا الأساسية وهذا الأمر غير ممكن لروسيا”.
وأوضح أن الحرب ستستمر، طالما لم يتم الاتفاق على القضايا الرئيسية والأساسية، مشيراً إلى أن بوتين واثق من نفسه، ولكنه غير واثق من أن واشنطن ستقدم تنازلات على الفور، بل على العكس من ذلك هناك قناعة بأن الولايات المتحدة ستواصل فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، وترمب تحدث عن ذلك، ولدى روسيا الثقة بأنها تنتصر على أرض المعركة.
اتفاق”إسطنبول 2022″
وإذا ما عدنا بالتاريخ إلى مارس عام 2022، حينها عقد الوفدان الروسي والأوكراني مفاوضات استمرت لحوالي ثلاث ساعات، وضعت الأطراف حينها الشروط والمبادئ الأولية لوقف إطلاق النار والتسوية السلمية اللاحقة.
وتضمنت مبادئ الاتفاق المستقبلي التزامات بشأن الوضع المحايد وعدم انحياز أوكرانيا ورفضها نشر أسلحة أجنبية، بما في ذلك الأسلحة النووية، على أراضيها، إضافة إلى إجراء مناورات عسكرية فقط بموافقة الدول الضامنة.
وفي المقابل، اعتمدت كييف على ضمانات أمنية دولية، مشابهة للمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي “الناتو” (باستثناء أراضي شبه جزيرة القرم، وإقليمي دونيتسك ولوجانسك).
وكان من المقرر أن تكون الدول الضامنة للاتفاقيات هي الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين)، إضافة إلى ألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وكندا وبولندا وتركيا.
في المقابل، تم سحب القوات الروسية من محوري كييف وتشرنيهوف، ولكن بعد ذلك تم إيقاف المفاوضات حول التسوية بالكامل، وأشار الرئيس الروسي إلى أن كييف تخلت عن الاتفاقات.
وفي أكتوبر من العام نفسه، أصدر الرئيس الأوكراني قراراً بشأن استحالة إجراء مفاوضات مع بوتين.
أما في أبريل عام 2022، ذكرت صحيفة “ذا تايمز” نقلاً عن مصادر، أنه خلال اجتماع وجهاً لوجه مع الرئيس زيلينسكي في العاصمة كييف، أعرب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون عن مخاوفه من أن الدول الغربية “حريصة للغاية” على إبرام اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
واليوم، مجدداً يلقي الرئيس الروسي اللوم عن فشل المفاوضات على كييف، وذكر في آخر تصريح له أن عملية التفاوض عام 2022 جرت أولاً في بيلاورس ومن ثم في تركيا، قائلاً: “تلقينا ورقة من كييف تحمل توقيع رئيس الوفد الأوكراني التفاوضي دافيد أراخاميا في نهاية مارس تقريباً، وكانت تلك المقترحات الأوكرانية بالذات، أود أن أؤكد هذا، كونه مهم للغاية، هي التي ارتكز عليها مشروع اتفاق السلام الذي وضع في إسطنبول”.
لهجة زيلينسكي المتبدلة
ومع ولاية ترمب الثانية، غير الرئيس الأوكراني لهجته تجاه الإدارة الأميركية السابقة التي ترأسها جو بايدن واصفاً إياها بـ”السيئة”، رغم حجم المساعدات والدعم الذي تلقته كييف خلال الفترة الماضية.
واختار زيلينسكي هو ومحيطه لهجة جديدة مادحة لترمب مفادها “كم سيكون رئيساً رائعاً للولايات المتحدة”، إذ قال إن خطاب ترمب تجاه بوتين بشأن المفاوضات لإنهاء الصراع أو زيادة الضغوط الاقتصادية “عادل وصادق”.
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن “هذا بالضبط ما يخشاه بوتين، وإنه لا يريد ترمب قوياً لدعم أوكرانيا، لأنها ستكون حينها قوية”.
في الوقت نفسه، اعتبر زيلينسكي أن نظيره الروسي لا يريد إنهاء الصراع، وأن بلده لا تعترف بالسيطرة الروسية على أراضيها، داعياً لزيادة الضغوط الدولية وخاصة من الصين، على بوتين للتوصل إلى اتفاق وتوفير “ضمانات أمنية أوسع”.
“100 يوم” لإنهاء الحرب
بعد يومين من مراسم تنصيب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، كلف ترمب مبعوثه الخاص إلى أوكرانيا كيث كيلوج بمهمة إنهاء الصراع خلال مدة لا تتجاوز 100 يوم، بحسب ما أفادت به صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وأشارت الصحيفة إلى أن إبرام اتفاق مع بوتين سيكون مهمة أصعب بكثير مما تخيله نظيره ترمب خلال حملته الانتخابية، إذ يعتزم ترمب شخصياً الإشراف على مسار عملية التفاوض بشأن أوكرانيا.
واعتبر أندريه كوشكين، الخبير السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بليخانوفا، أن إسراع ترمب في إنهاء الأزمة الأوكرانية يأتي بدافع الحصول على جائزة “نوبل للسلام”، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ترمب وجد الأزمة الأوكرانية “ملفاً معقداً”.
وأضاف في تصريحات لـ “الشرق”: “يجب القول إن الكرة في ملعب ترمب، إذ خلال حملته الانتخابية تحدث عن أنه سينهي الأزمة الأوكرانية في غضون 24 ساعة، وحينها قال هكذا لأنه كان يتوجب عليه الفوز على بايدن، ولتكون كل عبارة كان يقولها صحيحة ومقنعة للناخب الأميركي، فلذا كان يختار صيغاً مناسبة”.
وأردف: “وبعد فوزه، وضع أمام نفسه مدة تقدر بـ6 أشهر، فوفق حسابته خلال هذه الفترة سيتمكن من تسوية هذه الأزمة، بشكل شخصي، لأنني أعتبر أنه يعول على الحصول على جائزة نوبل للسلام في هذا السياق، لكن بعدما بدأ يعمق كثيراً في الملف الأوكراني توصل إلى استنتاج بوجود إمكانية لإنهاء الصراع الأوكراني بحلول الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية أي خلال مئة يوم، وكلف مبعوثه الخاص لتسوية الصراع”.
وأضاف كوشكين: “موسكو مستعدة لاتصال هاتفي ولقاء شخصي، ويجب ألا ننسى أن بوتين تحدث الصيف الماضي علناً عن الشروط الروسية، أمام ترمب فحتى اللحظة لم يكشف مطالبه”.
بدورها، أكدت موسكو عدم إمكانية تسوية الصراع خلال هذه المدة الزمنية، دون واقعية في النهج الأميركي، إذ لفت نائب وزير خارجيتها سيرجي ريابكوف إلى احتمالية بدء عملية معينة، منوهاً إلى صعوبة التنبؤ بوتيرتها في الوقت الراهن.
في حين، رأى مسؤولون روس أن هذه المفاوضات يجب أن تجري بين موسكو وواشنطن فقط، إذ اعتبر مساعد الرئيس الروسي نيقولاي باتروشيف أنه ينبغي إجراء المفاوضات بشأن أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة دون مشاركة دول غربية أخرى؛ مشدداً، على أنه ليس لدى موسكو ما تتحدث عنه مع لندن أو بروكسل.
من جانبه، أوضح السيناتور في مجلس الاتحاد الروسي ألكسي بوشكوف، أنه في حال كان ترمب جاداً بشأن إنهاء الصراع الأوكراني، فعليه أن يفهم أن مفتاح هذا هو “الحوار مع روسيا”.
وأضاف: “إذا كان ترمب جاداً بشأن إنهاء الصراع، فعليه أن ينطلق من حقيقة أن مفتاح هذا لا يكمن في بروكسل، ولا في لندن، ولا في باريس، ولا في كييف، بل في موسكو. يجب عليه أن يتوصل إلى صيغة تلبي مصالح روسيا الأمنية”.
وشدد على أن محاولات التحايل على هذه المصالح أو الضغط على روسيا “ستترك ترمب مع مشكلة لم يتم حلها وتجعله وريثاً لسياسة بايدن، وهي سياسة بالغة الخطورة وغير واعدة”.
وأكد سوسلوف استحالة إحلال السلام خلال فترة قصيرة، مشيراً إلى وجود قضايا شائكة خلال عملية تفاوضية مستقبلية فيما يخص الحرب الأوكرانية.
وقال: “أعتقد أنه سيكون من الصعب إنهاء الحرب خلال فترة زمنية قصيرة. ترمب يريد إنهاء الأزمة، وهذا يعني أن يتم وقف لإطلاق النار، وهو غير مهتم كثيراً على أساس أي شروط سيحدث ذلك، إذ إن الأهم بالنسبة له أن تتوقف الحرب”.
وأضاف سوسلوف: “بالنسبة لروسيا فمن الضروري ليس وقف إطلاق النار، كون بوسعها مواصلة القتال لفترة طويلة جداً أقلها عام، بل تحقيق تسوية شاملة للصراع التي ستعالج جذوره من بينها قبل كل شيء علاقات أوكرانيا ما بعد الحرب مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقوام وكفاءة الجيش الأوكراني بعد انتهاء الحرب”.
وتابع: “حالياً، لا أرى أي آفاق في إمكانية الاتفاق على مثل هذه الأسس المهمة على الأقل خلال فترة قصيرة، أظن أنه بإمكاننا الاتفاق مع ترمب بشأن تقسيم الأراضي والإدارة الأميركية تنطلق من أن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا تبقى لنا، وروسيا راضية عن هذا الأمر، كما بوسعنا الاتفاق على عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لكن سيكون من الصعب الاتفاق معه حول قوام وكفاءة القوات الأوكرانية، وقيود معينة على التعاون بين كييف والناتو في مجال الأمن”.
وأوضح أن روسيا تصر على أن تكون أوكرانيا ما بعد الحرب منزوعة السلاح، وألا يكون لها أي علاقة مع الغرب، ما يعني عدم إمكانية إجراء مناورات مشتركة، والإمدادات الغربية وتدريب القوات الأوكرانية من قبل دول الغرب ونشر قوات أجنبية على أراضي أوكرانيا. هذه الأمور مرفوضة من قبل موسكو، ما يعني أن وقف إطلاق النار لم يحدث قبل أن يتم قبول هذه الشروط الروسية، وسيكون من الصعب الاتفاق عليها.
دول ربما تجمع بوتين وترمب
وأعرب ترمب عن رغبته في لقاء نظيره الروسي، والكرملين بدوره صرح بأن بوتين مستعد للقاء دون أي شروط، مشيراً إلى أن تنظيم مثل هذه الاتصالات يتطلب الرغبة والإرادة السياسية من الجانب الأميركي.
ومن الجدير بالذكر أن اللقاء الأخير بين بوتين وترمب عقد في عام 2019، على هامش قمة مجموعة الـ20 في أوساكا، إلا أن اليابان في الوقت الراهن أصبحت بالنسبة لموسكو في قائمة الدول غير الصديقة، والأمر نفسه مع سويسرا، والتي احتضنت لقاء بوتين والرئيس الأميركي السابق جو بايدن في جنيف عام 2021.
ومع ترقب العالم لاتصال بين الرئيسين والذي من الممكن خلاله الاتفاق على مكان وتوقيت عقد اللقاء الشخصي بينهما في ظل الظروف الجيوسياسية المعقدة والعلاقات الروسية- الأميركية الصعبة والفقيرة، تصدر تساؤلات كثيرة حول ما هي الدولة التي بإمكانها احتضان القمة المحتملة، وهنا يرى مراقبون روس أن هناك أكثر من دولة مرشحة لاحتضان اجتماع مهم على المستوى العالمي.
دولة مرشحة لاحتضان لقاء ترمب وبوتين:
- ماليزيا: حيث أن بوتين مدعو للمشاركة في قمة “آسيان” المرتقب عقدها مارس المقبل.
- الهند: زار رئيس الوزراء ناريندرا مودي أوكرانيا وروسيا عام 2024.
- تركيا: الدولة التي احتضنت المفاوضات بين موسكو وكييف عام 2022 بعد بدء الحرب الأوكرانية
- السعودية والإمارات وقطر: الدول الثلاثة تلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لتسوية القضايا الإنسانية، بما في ذلك ملف تبادل أسرى الحرب.
- فيتنام: وتجمعها علاقات جيدة مع كل من روسيا والولايات المتحدة.
منصة أممية وميدان متغير
بدوره، قال دميتري سوسلوف بأنه “مقتنع بأن قمة بوتين وترمب لن تعقد في دول غربية، بل على الأرجح قد تجرى في دولة الإمارات”.
وأضاف: “أعتقد أن لقاء بوتين وترمب بالطبع لن يحدث في هلسنكي (فنلندا) أو جنيف (سويسرا)، كون أن موسكو تعتبرها دولاً غير صديقة، لذلك أعتقد أنها لن تكون دولة غربية وغير مرتبطة كثيراً بأميركا، وهنا الخيارات واسعة، ربما الهند، وإندونيسيا، والإمارات، والسعودية، ومصر، لكنني أعتبر أن ربما من كل الخيارات ستكون الإمارات”.
ومع غياب آفاق لتسوية دبلوماسية وسليمة للصراع الأوكراني، يواصل الجيش الروسي تقدمه على كافة الجبهات شرق وشمال شرق وجنوب أوكرانيا إلى جانب التقدم على محور كورسك الروسية ويضيف إلى رصيده السيطرة على 20 بلدة منذ بداية العام الحالي وحده، بما في ذلك على مناطق استراتيجية تفتح الطريق أمامه لفرض السيطرة الكاملة على دونيتسك.
وبحسب مستشار حاكم إقليم دونيتسك، إيجور كيماكوفسكي، فإن أقل من 3 كيلومترات تفصل القوات الروسية في دونيتسك عن الوصول إلى الحدود مع مقاطعة دنيبروبيتروفسك (أو دنبيرو بالأوكرانية)، مع مواصلة الأعمال القتالية على الجبهات، إذ تعرضت 14 منطقة روسية مؤخراً لهجوم أوكراني واسع النطاق بطائرات مسيرة خلال يناير الجاري.
معضلة المساعدات
عقبة جديدة أمام زيلينسكي، بعد تعليق المساعدات الأميركية لمدة 90 يوماً، والتي تعول عليها كييف كثيراً، لتبدأ بشكل عاجل مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، في محاولة لإقناع بروكسل بتقديم الدعم المالي، بحسب البرلمان الأوكراني.
واعتبر سوسلوف أنه إلى جانب الانعكاس السلبي على الداخل الأوكراني، فهو إشارة لكييف أنها ليست ضمن أولويات إدارة ترمب، على عكس وضع إسرائيل ومصر.
وقال في هذا السياق: “تجميد المساعدات الأميركية سيؤثر على أوكرانيا نعم ولا. كون أنها غير مرتبطة بالمساعدات العسكرية، وهذا لن يؤثر على الوضع على الجبهات، لكنه سينعكس على الداخل الأوكراني، لأن جميع المدفوعات غير العسكرية، المعاشات التقاعدية وأجور الأطباء ممولون من قبل الغرب، بما في ذلك الأموال التي جمدتها واشنطن.
وجزء كبير من الشعب الأوكراني قد لا يحصل على رواتب، وهذا يعقد وضعها الداخلي والاقتصادي، أما الأمر الثاني المهم، هي الأولويات التي وضعتها واشنطن مستثنية إسرائيل ومصر، أما أوكرانيا فهي غير موجودة في هذا الاستثناء. وهذا يدل على أن دعم أوكرانيا لا يمثل أولوية كبيرة لإدارة ترمب، على عكس ما كان عليه في حقبة إدارة بايدن.
وبحسب بعض المراقبين، فإن ناقوس الخطر لكييف يكمن في أن أوكرانيا لم تدرج في قائمة البلدان التي يستمر تقديم المساعدات لها، كما لا يعرف أي شيء عن استعداد الكونجرس للتصويت على حزم جديدة من الدعم المالي والعسكري لها.
ويعترف زيلينسكي بنفسه، أنه من دون الولايات المتحدة، لن تكون أوروبا قادرة على تقديم المساعدة الكاملة لأوكرانيا، وخاصة في ظل المشاكل المالية المتزايدة في الاتحاد الأوروبي.
بدوره، لفت أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية، هشام عوكل، في حديث لـ”الشرق” إلى المخاوف الأوروبية بشأن مستقبل المساعدات الأميركية لكييف.
وقال: “أصبح ترمب رئيساً مجدداً، يختلف عن ترمب خلال الحملة الانتخابية والشعارات التي رافقته خلال حملته الانتخابية التي كانت ذات بعد شعبوي كبير وتستميل مشاعر اليمين المتطرف على مستوى عالمي.. تصريح ترمب، كان ضمن التوقعات بشأن وقف الدعم لتمويل الحرب الأوكرانية”.
وأضاف: “أي تغيير عسكري واقتصادي في دعم أوكرانيا عملياً، سيؤثر على ديناميكية الحرب التي لا نضمن إنهاؤها، وفي المقابل سيكون هناك مخاوف أوروبية، فتصريحات ترمب، حقيقة أثارت قلقاً ورعباً كبيراً تجاه مستقبل المساعدات الأميركية، كوننا نعلم أن الدعم الغربي هو أساس استمرار أوكرانيا في مواجهة روسيا وبالتالي قدرة ترمب تعتمد على مدى استعداده للضغط على الطرفين، ومدى قبول موسكو وكييف لأي تسوية للحرب”.
واعتبر عوكل أن الرئيس الأميركي اليوم يركز أكثر على الشرق الأوسط وأقل على الحرب الأوكرانية، قائلاً: “أي ضعف في موقف أوكراني يشكل تهديداً مباشراً لأمن أوروبا، اقتصادياً استمرار الحرب أو تصعيدها بسبب نقص الدعم لأوكرانيا قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية في أوروبا، مثل ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة تدفق اللاجئين وهذا ما تخشاه أوروبا”.
كما أضاف: “نحن أمام سيناريوهات مفتوحة بعناوين غير مقروءة، وترمب اليوم يركز أكثر على الشرق الأوسط لترتيبه كما يريد، لذلك لا أرى أنه سيكون هناك تركيز مباشر على روسيا وأوكرانيا، بل سيكون هناك ضغوط التي لن تؤدي إلى وقف هذه الحرب”.
ومع وجود بعض الإشارات غير المباشرة بشأن مستقبل إمكانية إنهاء الصراع الأوكراني، يجري طرح تساؤلات عما إذا سيتكمن ترمب من إطلاق المفاوضات بين موسكو وكييف في القريب العاجل، وهل سترضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتنتهي الحرب خلال العام الحالي؟