في أكثر من مناسبة، تفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بأنه أوقف 50 مليون دولار كانت تُرسل إلى غزة لشراء الواقيات الذكرية، زاعماً أن حركة “حماس”، استخدمتها وسيلةً لصنع قنابل “بدائية الصنع”، ما أثار تساؤلات عديدة بشأن صحّة تلك الادعاءات.
وكررت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، الادعاءات نفسها خلال مؤتمرها الصحافي الأول الأربعاء، إذ ذكرت أن وزارة كفاءة الحكومة ومكتب الإدارة والميزانية “وجدا أن 50 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب كانت على وشك أن تُحوّل لتمويل واقيات ذكرية في غزة”، وتابعت: “إنه هدر غير معقول لأموال دافعي الضرائب”.
ولم يقدم ترمب، وليفيت أي دليل على مزاعمهما، بأن “الواقيات الذكرية” كانت تُرسل إلى غزة أو أن “حماس” تستخدمها لصنع القنابل.
وقال تقرير لمجلة “ذا تايمز” إنه عندما سألتها صحيفة “واشنطن بوست” عن مصدر معلوماتها، استشهدت ليفيت بقصة من “فوكس نيوز”، والتي ذكرت أن مسؤولاً لم يذكر اسمه في البيت الأبيض قال إن وزارة الخارجية “أوقفت عدة ملايين من الدولارات المخصصة للواقيات الذكرية في غزة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي”، ولكن ليس 50 مليون دولار، كما زعمت.
فهل فعلاً تخصّص الإدارة الأميركية 50 مليون دولار لشراء الواقيات الذكرية في غزة؟
“غزة فلسطين وغزة موزمبيق”
كان ترمب والمتحدثة باسم البيت الأبيض يشيران في حديثهما بشأن تكاليف الواقيات الذكرية، إلى المنحة التي تقدمها عادة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمجموعة تسمى “الهيئة الطبية الدولية” بقيمة 102.2 مليون دولار لتوفير الخدمات الطبية وخدمات الصدمات في غزة الفلسطينية.
ووصفت وزارة الخارجية، الأربعاء، هذه المنحة بأنها مثال على “إهدار غير معقول للأموال لا يتماشى مع المصالح الأميركية أو سياسات الرئيس ترمب”.
وقال مسؤولون إن إدارة ترمب أوقفت مساعدات بقيمة 50 مليون دولار كانت موجهة إلى غزة عبر هيئة الخدمات الطبية الدولية، والتي تشمل في العادة؛ برامج تنظيم الأسرة بما في ذلك وسائل منع الحمل الطارئة، والرعاية الصحية الجنسية؛ بما في ذلك الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وإدارتها؛ والصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين، حسبما نقلت “أسوشيتد برس”، ووكالة “رويترز”.
وقال المسؤولون إن مبلغ 100 مليون دولار لهذه البرامج يشمل وسائل منع الحمل، مضيفين أن الواقيات الذكرية كانت تستخدم تقليدياً دائماً لتنظيم الأسرة في البلدان النامية من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وبحسب الهيئة الطبية الدولية “لم يتم استخدام أي تمويل من الحكومة الأميركية لشراء أو توزيع الواقيات الذكرية، ولا تقديم خدمات تنظيم الأسرة”.
وفي تقرير لـ”رويترز” قالت الوكالة إن التقارير الخاصة بالسنوات المالية من 2007 إلى 2023 حول الواقيات الذكرية ووسائل منع الحمل التي أرسلتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى مختلف أنحاء العالم، لا تظهر أي سجل يتعلق بشحن واقيات ذكرية إلى غزة.
كما استعرضت مجلة “ذا تايمز” تقريراً شاملاً أصدرته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في سبتمبر، وكشف أنه تم تخصيص حوالي 60.8 مليون دولار من التمويل للواقيات الذكرية ووسائل منع الحمل الأنثوية في عام 2023، ولكن يبدو أن سنتاً واحداً من هذا المبلغ لم يذهب إلى غزة الفلسطينية.
وذكرت المجلة أنه لم يتم إرسال أي واقيات ذكرية إلى أي جزء من الشرق الأوسط، وتم إرسال شحنة صغيرة واحدة فقط 45 ألفاً و680 دولاراً أميركياً من وسائل منع الحمل الفموية والحقن إلى المنطقة، وتم توزيعها بالكامل على حكومة الأردن.
وقالت الهيئة الطبية الدولية، في بيان صحافي، إنها تلقت 68 مليوناً و78 ألفاً و508 دولارات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لدعم عملياتها في غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
وأوضحت أن الموارد استُخدمت لتشغيل مستشفيين ميدانيين كبيرين يقعان حالياً في وسط غزة- أحدهما في دير البلح والآخر في الزوايدة- يوفران سعة إجمالية مجتمعة تزيد عن 250 سريراً، بما في ذلك 20 في غرفة الطوارئ و170 في قسم الجراحة، وقدمت هذه المرافق رعاية طبية على مدار الساعة لحوالي 33 ألف مدني شهرياً.
كما دحض رئيس منظمة اللاجئين الدولية جيريمي كونينديك، الذي أشرف على حقيبة مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمكافحة فيروس كورونا لإدارة الرئيس السابق جو بايدن، ادعاءات ترمب، وليفيت.
وكتب كونينديك على “إكس”: “تشتري الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الواقيات الذكرية بحوالي 0.05 دولار للقطعة الواحدة.. 50 مليون دولار ستكون مليار واقي ذكري، ما يحدث هنا ليس مليار واقي ذكري لغزة.. ما يحدث هو أن الرفاق في وزارة كفاءة الحكومة لا يستطيعون على ما يبدو قراءة جداول البيانات الحكومية”.
وبعد الجدل الذي خلقته ادعاءات ترمب، ظهر تفسير محتمل أكثر موثوقية، إذ أشارت مجلة “ذا تايمز” إلى أن الرئيس الأميركي قد وقع ضحية خطأ في قراءة التقارير المتعلقة بالمساعدات، فبدلاً من أن يشير إلى مقاطعة غزة في موزمبيق، ربط موضوع المساعدات والواقيات الذكرية، بقطاع غزة الفلسطيني.
فيروس نقص المناعة في موزمبيق
وقال تقرير “ذا تايمز” إنه في غزة الموزمبيقية، ومقاطعة إنهامبان المجاورة، يعاني حوالي ربع السكان البالغين من فيروس نقص المناعة البشرية، ومنذ عام 2021، تلقت مؤسسة إليزابيث جلاسر لطب الأطفال أكثر من 82 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالتعاون مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، لتشغيل مشاريع الصحة الإنجابية هناك، ومن المتوقع أن يستمر الدعم حتى عام 2026.
وكان الشكل الأكثر شيوعاً لوسائل منع الحمل التي تم دفع ثمنها بأموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هو غرسات منع الحمل للنساء (23 مليون دولار)، تليها الحقن (17 مليون دولار)، وتم تخصيص حوالي 7 ملايين دولار فقط لـ”الواقيات الذكرية للذكور”.
كما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن الولايات المتحدة لديها برنامج، خطة الرئيس الأميركي الطارئة للإغاثة من الإيدز، أو المسماه “بيبفار”، إذ توزع الواقيات الذكرية في بلدان أخرى للمساعدة في منع انتشار عدوى فيروس نقص المناعة البشرية، ولكن “بيبفار” لا تعمل مع أي دولة في الشرق الأوسط.
ووفق تقرير “ذا تايمز” يتم تسليم وسائل منع الحمل والواقيات الذكرية في جميع أنحاء العالم من خلال دعم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وفي أحدث تقرير أصدرته الوكالة في أبريل 2024، فإن القيمة الإجمالية لوسائل منع الحمل والواقيات الذكرية المقدمة دولياً في السنة المالية السابقة بلغت 60.8 مليون دولار.
وقال التقرير إن 89% من تمويل وسائل منع الحمل ذهب إلى إفريقيا، و9% إلى آسيا، و2% إلى دول أميركا اللاتينية، وتلقت دولة واحدة في الشرق الأوسط، الأردن، شحنة بقيمة 45681 دولاراً.