كشفت صور أقمار اصطناعية حديثة عن تكثيف روسيا لعمليات سحب معداتها العسكرية من سوريا، حيث أظهرت تحليلات أجرتها BBC Verify نقل مركبات وحاويات من ميناء طرطوس الرئيسي على ساحل البحر المتوسط.
وبعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، أظهرت مشاهد موثقة تحرك أرتال من المركبات الروسية باتجاه الشمال نحو الميناء، فيما أظهرت صور أقمار اصطناعية لاحقة تخزين معدات عسكرية هناك.
إلا أن صوراً جديدة، نشرتها شركة “بلانيت لابز”، الأربعاء، أظهرت اختفاء جزء كبير من تلك المعدات، بالتزامن مع مغادرة سفن مرتبطة بالجيش الروسي للميناء، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ويأتي ذلك في وقت أفادت وكالة “رويترز”، الأربعاء، بأن مسؤولين روس أجروا “مناقشات صريحة” مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق.
وأشارت BBC إلى تقارير تفيد بأن الحكومة السورية الجديدة ألغت عقد إيجار روسيا للميناء. وقالت إن الجهات الحكومية التي تواصلت معها لم تؤكد صدور قرار نهائي بهذا الشأن.
تراجع النفوذ الروسي في طرطوس
ظل ميناء طرطوس قاعدة رئيسية لروسيا خلال السنوات الأخيرة، حيث أتاح لها إمكانية تزويد سفنها بالوقود والذخيرة وإجراء أعمال الصيانة في البحر المتوسط. إلا أن صور الأقمار الاصطناعية لم تُظهر أي سفن حربية روسية راسية هناك منذ انهيار نظام الأسد، الذي دعمته موسكو طوال سنوات الحرب الأهلية السورية، حسبما ذكرت BBC.
وفي ديسمبر الماضي، أبدى الكرملين رغبته في الاحتفاظ بالسيطرة على القاعدة، مؤكداً أنه يجري محادثات مع السلطات الجديدة لضمان استمرار وجودها هناك.
وتشير الأدلة المتاحة إلى أن روسيا اتخذت بالفعل قراراً بسحب معداتها العسكرية الثمينة من الميناء. فقد كشفت الصور الفضائية أيضاً عن عمليات نقل معدات روسية من قاعدة حميميم الجوية القريبة خلال الأسابيع الماضية.
تحركات السفن الروسية
وبحسب مواقع تتبع السفن، رست سفينتان روسيتان، هما “سبارتا” و”سبارتا 2″، في ميناء طرطوس يومي 21 و22 يناير الجاري. وتعود ملكية السفينتين لشركة “أوبورونلوجيستيكا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية، وفرضت عليهما الولايات المتحدة عقوبات، كما ربطتهما أوكرانيا بعمليات نقل أسلحة روسية.
وتندرج السفينتان ضمن فئة سفن “رول-أون/رول-أوف”، ما يعني قدرتهما على نقل المركبات العسكرية.
وأظهرت بيانات موقع “مارين ترافيك”، أن السفينة “سبارتا 2” غادرت الميناء بحلول الاثنين الماضي، فيما كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن اختفاء عدد كبير من المركبات العسكرية التي كانت متوقفة بالقرب منها.
وبحسب البيانات، التُقطت إشارة نظام التتبع الخاص بالسفينة الثلاثاء الماضي، أثناء إبحارها غرباً عبر البحر المتوسط قرب سواحل قبرص، قبل أن تختفي الإشارة لاحقاً، ما يشير إلى احتمال تعطيل جهاز التتبع.
كما أظهرت صور أقمار اصطناعية، الأربعاء، مغادرة سفينة أخرى، يقول الخبراء إنها “سبارتا”، للميناء، إلى جانب إزالة كمية كبيرة من الحاويات التي كانت موجودة بالقرب منها. ولم تُرصد أي إشارة من جهاز التتبع الخاص بالسفينة منذ رسوها في طرطوس، ما يعزز احتمالات إيقاف تشغيله.
وجهة غير معروفة
وتنص لوائح المنظمة البحرية الدولية (IMO) على ضرورة أن تبث جميع السفن التي يزيد وزنها عن 300 طن إشارات التتبع الخاصة بها باستمرار، باستثناء حالات محدودة.
وقد تلجأ بعض السفن إلى تعطيل أنظمة التتبع لأسباب مشروعة، مثل الإبحار في مناطق معرضة للقرصنة، لكن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يرى أن ذلك قد يكون أيضاً مؤشراً على محاولة إخفاء أنشطة غير قانونية.
وفي هذا السياق، قال الخبير البحري فريدريك فان لوكيرين، وهو ملازم سابق في البحرية البلجيكية ومحلل، لـBBC، إنه “واثق تماماً” من أن السفينة التي غادرت الميناء هي “سبارتا”، وذلك استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية.
ولا يزال من غير الواضح الوجهة التي تتجه إليها السفن الروسية. لكن فان لوكيرين، رجح أن تكون ليبيا إحدى الوجهات المحتملة، حيث يمتلك الكرملين بالفعل وجوداً عسكرياً كبيراً لدعم المشير خليفة حفتر في طبرق.
وكانت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية قد أبلغت BBC، الأسبوع الماضي، بأن رحلات جوية روسية نقلت عسكريين ومعدات من قاعدة حميميم إلى قواعد جوية في ليبيا ما لا يقل عن 10 مرات منذ منتصف ديسمبر.
ومع ذلك، لم يستبعد فان لوكيرين أيضاً أن تكون السفن متجهة إلى روسيا، إذ أشار إلى “احتمال كبير” بأن تُستخدم المعدات العسكرية المنقولة لتعزيز الجبهة الروسية في أوكرانيا.
من جانبه، رأى ديمتري جورينبورج، الخبير في شؤون الأمن بمنطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي بجامعة هارفارد، أن التحركات الأخيرة تشير إلى أن الوجود الروسي في طرطوس بات على وشك الانتهاء.