كشف باحثون عن جهاز جديد صغير للغاية يُمكنه الكشف مبكراً عن مرض السرطان. وينتمي الجهاز إلى مجموعة من الأدوات التي تُعرف باسم “معمل على رقاقة”، ويعتمد على تقنية الموائع الصوتية التي تتيح فصل الخلايا في الوقت الحقيقي بكفاءة عالية، واستهلاك منخفض للطاقة.
وتقنية “معمل على رقاقة” (Lab-on-a-Chip) هي ابتكار علمي وتقني يهدف إلى تقليص وظائف مختبر كامل، وتحويلها إلى جهازٍ صغير بحجم شريحة إلكترونية، أو رقاقة.
وتتيح هذه التقنية إجراء اختبارات معقدة، أو عمليات بيولوجية وكيميائية على نطاق صغير جداً باستخدام كميات ضئيلة من السوائل، قد تصل إلى بضعة ميكروليترات.
ولا تقتصر هذه التقنية المتطورة على تحسين دقة وسرعة تشخيص السرطان، بل تُتيح أيضاً التنبؤ بأنماط انتقال الخلايا الورمية إلى أماكن أخرى، ما يُمهّد الطريق لابتكارات جديدة في الطب الشخصي والتشخيص المبكر.
التشخيص المبكر للسرطان
والسرطان أحد أكثر الأمراض فتكاً على مستوى العالم، إذ تسبب في حوالي 10 ملايين حالة وفاة في عام 2020، أي ما يعادل حالة وفاة من بين كل 6 حالات على مستوى العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
والتشخيص المبكر واحد من أكبر التحديات في مواجهة السرطان، إذ غالباً ما يتم اكتشاف النمو غير الطبيعي للخلايا في مراحل متأخرة، ما يقلل من فرص العلاج الفعّال. ولذلك، يظل التشخيص المبكر للسرطان من أبرز الأولويات الطبية عالمياً.
في السنوات الأخيرة، ركَّز الباحثون على الكشف عن الخلايا الورمية النادرة المنتشرة في الدم، والتي تعد مؤشرات غير جراحية تساعد في تحسين تشخيص السرطان. وعملية فصل هذه الخلايا من الدم أمر بالغ الصعوبة نظراً لأنها تتطلب تقنيات دقيقة للتعامل مع كميات كبيرة من العينات، كما أنها تحتاج إلى معدات معقدة، وخطوات تحضيرية طويلة.
ولحل هذه المشكلة، اقترح العلماء نظاماً مبتكراً يستخدم موجات صوتية سطحية ثابتة لفصل الخلايا الورمية المنتشرة عن خلايا الدم الحمراء بكفاءة ودقة غير مسبوقتين.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية “فيزيكس أوف فلويدز” Physics of Fluids، يعتمد النظام الجديد على الجمع بين النمذجة الحسابية المتقدمة، والتحليل التجريبي، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الظواهر المعقدة المرتبطة بتقنيات الموائع الصوتية.
النمذجة الحسابية المتقدمة
بدأت الدراسة بتصميم النظام باستخدام النمذجة الحسابية المتقدمة، بهدف إنشاء نموذج دقيق لكيفية تفاعل الخلايا الورمية مع القوى الصوتية داخل النظام. ويتضمن هذا استخدام خوارزميات رياضية لتحليل حركة السوائل والجسيمات ضمن القنوات الدقيقة للجهاز، ما يساعد في فهم كيفية فصل الخلايا الورمية عن الخلايا الأخرى، مثل خلايا الدم الحمراء.
بعد ذلك، اختبر الباحثون النظام عملياً باستخدام عينات حقيقية، عبر إدخال العينة، التي تحتوي على خلايا ورمية، إلى الجهاز لتتعرض لضغوط صوتية ضمن قنوات ضيقة.
ويتم ضبط معايير الجهاز مثل الضغط الصوتي، وسرعة تدفق السوائل بدقة، للحصول على أفضل النتائج في فصل الخلايا الورمية عن الخلايا غير المستهدفة. كما يتم استخدام تقنيات مثل الموجات الصوتية الثابتة، والحقول الصوتية المزدوجة لتحسين فاعلية الفصل.
ودمج الباحثون خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الناتجة عن التجربة.
ويساعد الذكاء الاصطناعي في تقييم نمط حركة الخلايا داخل القنوات وتحديد الخلايا الورمية بدقة، كما تقوم الخوارزميات بتوجيه النظام لضبط الضغط الصوتي، وسرعة تدفق السوائل، وفقاً لتغيرات الظروف في الوقت الفعلي، ما يضمن تحقيق معدلات فصل واسترداد للخلايا تصل إلى 100% في الظروف المثلى.
منصة مختبرية كاملة
وأخيراً، حسَّن الباحثون النظام بحيث يحقق أقصى درجة من الفصل الدقيق بين الخلايا الورمية، والخلايا الأخرى.
وبفضل القدرة على التحكم في الضغط الصوتي، ومعدلات تدفق السوائل بشكل دقيق، تم تقليل استهلاك الطاقة، وضمان أن عملية الفصل تتم بكفاءة عالية دون التأثير على جودة البيانات المستخلصة.
ويقول الباحثون إن تصميم النظام، الذي يعتمد على تطبيق الضغط الصوتي داخل القنوات الدقيقة، أتاح إمكانية جمع بيانات دقيقة عن أوقات تفاعل الخلايا ومسارات حركتها، لتوقّع أنماط هجرة الخلايا الورمية.
وبفضل الابتكار، تم إنتاج منصة مختبرية متكاملة على شريحة (Lab-on-chip) تُتيح فصل الخلايا في الوقت الحقيقي بكفاءة عالية، واستهلاك منخفض للطاقة.