نجح فريق من الباحثين في جامعة كولومبيا، بالتعاون مع مختبر لورانس بيركلي الوطني، في تطوير مستشعرات نانوية مبتكرة تستطيع قياس القوى الفيزيائية بدقة غير مسبوقة.
والمستشعرات النانوية أجهزة صغيرة جداً بمقياس النانو، تتمتع بقدرة فائقة على الاستجابة للأحداث الفيزيائية الدقيقة، مثل الضغط، أو القوى الميكانيكية المطبقة عليها.
وهذا التحسين في القياس يعني أنه يمكن لهذه المستشعرات اكتشاف التغييرات في القوى الفيزيائية التي كانت غير قابلة للرصد باستخدام التقنيات السابقة.
والمستشعرات الجديدة، التي تعتمد على بلورات نانوية مضيئة، تتمتع بقدرة على تغيير شدة الضوء، أو لونه استجابةً للقوى التي تتعرض لها، مما يتيح قياس القوى عن بُعد، دون الحاجة إلى أسلاك، أو وصلات.
تحسين تقنيات القياس
وفق البحث المنشور في دورية “نيتشر” Nature فإن هذه المستشعرات، التي تعتبر الأكثر حساسية من نوعها، تحمل إمكانيات كبيرة لتحسين تقنيات القياس في مجالات متعددة مثل الطب، والروبوتات، والبيولوجيا الخلوية، وحتى الرحلات الفضائية.
والبلورات النانوية المضيئة جزيئات صغيرة للغاية تتمتع بخصائص بصرية مميزة، بسبب حجمها الصغير والتركيب البلوري الفريد لها، وتتكون هذه البلورات من مواد شبه موصلة، أو مواد نادرة مثل اللانثانيدات -التي تشمل العناصر الأرضية النادرة مثل التوليوم- وهي مسؤولة عن إصدار الضوء عند تعرضها للطاقة، مثل الأشعة الضوئية.
وترتبط قدرة البلورات على تغيير شدة الضوء، أو لونه، بتفاعل البلورة النانوية مع القوى الفيزيائية التي تؤثر عليها، فعندما تتعرض هذه البلورات إلى قوى ميكانيكية مثل الضغط أو السحب، يحدث تغيير في ترتيب الذرات أو الأيونات داخل البلورة، مما يؤثر على الخصائص البصرية لها، ويمكن أن يظهر هذا التغيير في صورة تغيير في شدة الضوء -أي كم من الضوء يتم امتصاصه أو إصداره- أو حتى تغيير في اللون الذي تنبعث منه البلورة.
العمل في بيئات صعبة الوصول
وأظهرت المستشعرات الجديدة حساسية أعلى بمئة مرة مقارنةً بالمستشعرات السابقة، كما أن نطاق العمل يصل إلى أكثر من أربعة أضعاف من جانب القوة، أي نطاق أكبر بمقدار 10 إلى 100 مرة من أي مستشعر بصري نانوي سابق.
ويتوقع الباحثون أن تغير تلك المستشعرات حساسيات، ونطاقات القوة المتاحة للمستشعرات البصرية، بشكل جذري.
كما تتمتع المستشعرات الجديدة بقدرة على العمل في بيئات يصعب الوصول إليها سابقاً، مما يجعلها مفيدة لدراسة مجموعة واسعة من الأنظمة البيولوجية، والتكنولوجية، خاصة مع قدرتها على العمل عبر نطاق واسع من القوى من المستوى دون الخلوي، وصولاً إلى النظام الكامل، مثل الخلايا المتنقلة، أو البطاريات أو الأنظمة النانوية المهندَسة التي تحكم حركتها بنظام إلكتروني.
وما يجعل هذه المستشعرات فريدة ليس فقط قدرتها على استشعار القوى عبر مقاييس متعددة، بل أيضاً قدرتها على العمل باستخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء، الذي يخترق الأعماق ويعد آمناً بيولوجياً، مما يسمح بمراقبة الأنظمة المختلفة من مسافة بعيد.
اعتمد الفريق في بناء هذه المستشعرات على تأثير “الانهيار الضوئي” ضمن البلورات النانوية، وهي عملية يحدث فيها امتصاص فوتون واحد داخل المادة، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي تفضي في النهاية إلى إصدار العديد من الفوتونات.
وقد اكتشف الفريق هذا التأثير لأول مرة، ما فتح المجال لتصميم مستشعرات شديدة الحساسية للقوى، فعند تطبيق قوة بسيطة على الجسيمات النانوية التي تعتمد على ظاهرة “الانهيار الضوئي” لوحظت تأثيرات غير متوقعة على سلوك هذه الجسيمات؛ إذ تؤدي العملية التي يتم فيها امتصاص فوتون واحد من قبل الجسيم النانوي إلى سلسلة من التفاعلات، تؤدي إلى انبعاث العديد من الفوتونات، كما أظهرت حساسية شديدة للتغيرات في بعض العوامل، مثل المسافة بين الأيونات من مجموعة اللانثانيد، أو العناصر الأرضية النادرة.
مجهر القوة الذري
استخدم الباحثون جهاز مجهر القوة الذري وهو أداة دقيقة جداً تستخدم لقياس القوى والخصائص السطحية للجسيمات على المستوى الذري، وقاموا بالضغط على بعض الجسيمات النانوية الخاصة بهم، واكتشفوا أن سلوك الانهيار الضوئي تأثر بشكل كبير بهذه القوى الصغيرة.
بعد اكتشاف مدى حساسية الجسيمات النانوية لهذه القوى، قرر الفريق تعديل تصميم الجسيمات لتكون أكثر استجابة للقوى بطرق مختلفة.
وبحسب الدراسة، صمم العلماء جزيئات نانوية استجابةً للقوى بطرق مختلفة، مثل تغيير لون اللمعان، أو بدء الانهيار الضوئي فقط عندما يتم تطبيق القوة، مما يجعلها أكثر حساسية.
ويركز الفريق الآن على محاولة استخدام هذه المستشعرات في أنظمة مهمة، يمكن أن تحدث فيها تأثيرات كبيرة، مثل دراسة الأجنة النامية في الأنظمة البيولوجية، كما يخطط فريق الباحثين لإضافة خاصية المعايرة الذاتية للمستشعرات النانوية لتعمل كل وحدة نانوية كجهاز استشعار مستقل.