نبشت رواية “ميكرفون كاتم صوت” للكاتب اللبناني محمد طرزي، الفائز بجائزة نجيب محفوظ للأدب 2024، في ظلمات المهمّشين في لبنان والعالم، ولامست حياة الفقر وأحلام الهجرة والرغبة في مواجهة أعداء الحياة.
فاز طرزي بجوائز عدّة، مثل جائزة غسان كنفاني للرواية، وتوفيق بكار للرواية العربية، وجائزة “كتارا”، وأخيراً جائزة نجيب محفوظ. معه كان هذا الحوار من القاهرة.
نبدأ معك من اسم الرواية، إذ كيف يكون ميكروفون وفي الوقت نفسه كاتماً للصوت؟
الميكروفون هو سلاح التضليل الإعلامي الذي يضخّم صوت قوى الأمر الواقع، على حساب المعترضين والأصوات الأخرى، وهو بذلك أي بسبب قوّة صوته وغطرسته، يغتال الرأي الآخر، بمعنى آخر هو عبارة عن مسدس.
قدّمت 9 روايات تدور أحداثها في شرق أفريقيا، فلماذا قرّرت أن تتناول الشأن اللبناني أخيراً؟
لدي اهتمام بالرواية التاريخية سواء كانت أحداثها في شرق أفريقيا أو في المنطقة العربية، وما حدث في لبنان لحظة تاريخية لكنها ما تزال قائمة، وكان لا بد من التقاطها وحبسها في طابع أدبي روائي، وخصوصاً بعد عام 2019، وما جرى من انهيار اقتصادي ومالي، وانهيار في القطاعين التعليمي والصحي.
لبنان مرادف للحياة والأمل في المنطقة العربية لكنك بدأت روايتك بالمقابر.
الرواية قائمة على التناقضات بداية من العنوان الذي يحمل تناقضاً بين الميكروفون وكاتم الصوت، والمكان بين المقابر والبحر، كذلك أشخاص الرواية يحملون تناقضات؛ فالسيدة عفاف هي عاهرة، وسلطان يقيم في المقابر، وغير ذلك من التناقضات التي تعكس الحالة التي وصل إليها المجتمع، بسبب الفساد والسلطة الحاكمة، التي شوهّت علاقة الإنسان مع نفسه ومع الآخر.
هذه الممارسات استمرّت طويلاً في البلد، وعلى مدار ثلاثين عاماً من حكم الزعيم، أصبح المواطن بوجهين؛ وجه يُظهره لمن يحمل الميكروفون، وآخر يُظهره في علاقاته العادية.
لماذا اخترت المهمّشين أبطالاً لروايتك؟
“ميكرفون كاتم صوت” هي رواية المهمّشين، وما حصل في لبنان زاد من عددهم، وفي الرواية صوّرتهم أشخاصاً يعيشون على حافة الحياة؛ على حافة المقابر، وهي دلالة على الدرك الذي وصل إليه اللبنانيون بسبب الطائفية، وبسبب زعماء الفساد، والشعارات التافهة.
تركز الأعمال الفنية والمسلسلات اللبنانية عادة على 1% من اللبنانيين، أولئك الذين يعيشون في القصور ويستقلون السيارات الفاخرة، لكن يحقّ للمهمّشين أن تكون لهم مساحة أكبر في الأدب.
الرواية اعتمدت على الصورة وتحفيز الحواس كيف تجد تأثير ذلك على القارئ؟
اعتمدت على الوصف السينمائي حتى يستطيع القارئ أن يعيش القصّة كما هي، وكما أن هناك لازمة في الأغنية أو الشعر تتكرر، كذلك في الرواية يتردّد صدى بعض المشاهد، من أجواء المقبرة، وصوت حفّار القبور، والكلاب الشاردة، وهذا جزء أساسي من النص الذي يصحب القارئ إلى الحيّز المكاني الذي تعيش فيه الشخصيات.
أثرت موضوع العلاقة المعقّدة بين المهاجر ووطنه وأنت بدورك مهاجر، فهل ترى وطنك بصورة مثالية؟
قاربت موضوع الهجرة من خلال تجربة الشاب سلطان، إضافة إلى صديقه قاسم وعائلته التي ركبت البحر، هؤلاء يريدون الهجرة ويعتقدون أن أياً ما كان خارج هذه المقبرة فهو مكان أفضل، من دون أن ينتبهوا إلى أن البحر نفسه قد يكون مقبرة أخرى، ومن تجربة حسن الذي هاجر بالفعل وعاد للبلاد مرّة أخرى، وهو شخصية عبثية في عمر الستين، ويبدو غير متحمّس لرغبة صديقه سلطان بالهجرة.
لماذا اخترت التركيز على محاولات الأمير فخر الدين بناء دولة مستقلة وخيانة الأمراء اللبنانيين له؟
بغض النظر عما يقوله بعض المؤرخين في لبنان والتقليل من قيمة فخر الدين، واعتباره مجرد جابي للضرائب، وهو ليس كذلك، لكني أهتم بالإجماع اللبناني حول فخر الدين، بصفته أوّل من حاول أن يؤسس دولة لبنان، البلد لم ينشأ بسبب قرار فرنسي في بداية القرن الماضي، إنما لبنان هو الأشخاص والطوائف وحتى الجبال، مثل جبل عامل وجبل لبنان وغيرها، كانت تتواصل مع بعضها البعض.
أما خيانة أمراء الطوائف اللبنانيين، فهذا أمر شائع، كانوا مشغولين بمصالحهم الخاصة، وبخيانة بعضهم حتى يسود أحدهم ويحكم الآخر، ويبدو أنه نمط شائع منذ أيام فخر الدين.
“ميكرفون كاتم صوت” كانت تسير من دون تحديد فترة زمنية، ثم انتقلت إلى مظاهرات “17 تشرين” وكرّرت شعار “كلّن”؟
حدّدت الفترة الزمنية من خلال الإشارة إلى الانهيار الشامل الذي يعرفه اللبنانيون، وفي الرواية استخدمت الشعارات التي رفعها الناس في المظاهرات “كلّن يعني كلّن”، لأن الرواية تصبح مع الوقت مستنداً تاريخياً، فكان من الضروري استخدام الشعار الذي ساد خلال مظاهرات “17 تشرين”.
هل تنطبق شخصيات الرواية وأحداثها على دول أخرى؟
في حيثيات فوز الرواية بجائزة نجيب محفوظ، ذكرت الدكتورة سارة عناني، رئيس لجنة التحكيم ذلك. أنا تعمّدت أن ألا أذكر اسم مدينة “صور” إلا مرّة واحدة، وبشكل عرضي، حتى تكون مثالاً لكل المدن في لبنان وخارجها، وسعيد فعلاً أن القرّاء وجدوا من يشاركهم قلقهم وربما مآسيهم.
كيف تنظر إلى الجوائز الأدبية وإلى جائزة نجيب محفوظ خصوصاً؟
الجوائز الأدبية مهمّة لأنها تعرّف القرّاء بالكتّاب أكثر، وتسهّل عليهم انتقاء الكتب. الجوائز كلها جيدة، وجائزة نجيب محفوظ فاز بها كُتّاب بمثابة أساتذة لي، ولم أتصوّر حين كنت أقرأ أعمالهم، أن اسمي سيقترن باللائحة ذاتها، كما أن نجيب محفوظ هو كاتب العرب؛ له قيمة أدبية وإنسانية عالمية، واختيار موعد إعلان الجائزة سنوياً في يوم ميلاده، له دلالة قوية.
كيف ترى أدب نجيب محفوظ؟
أقيم في أفريقيا منذ 18 عاماً بسبب عملي، ومنفتح على كافة الثقافات، وهو ما وظّفته في خدمة الأدب، لكني أبقى لبناني وثقافتي الأساسية هي العربية. هكذا استمتع بأدب نجيب محفوظ، وكنت مدهوشاً بفكرة الذهاب عميقاً في المحلية والتحوّل بسبب هذا إلى العالمية، إلى أن جاءت رواية ميكروفون وهي تناقش تفاصيل محلية قد يتصوّر البعض أنها لا تعني الآخر، لكن المشاعر الإنسانية هي نفسها في كل الأماكن.