أظهر تقرير، صادر حديثاً عن “شبكة دراسة العبء العالمي للأمراض”، انخفاضاً كبيراً بنسبة 60% في الوفيات الناتجة عن أمراض الإسهال عالمياً منذ عام 1990.
ومع ذلك، تظل معدلات الوفيات مرتفعة بين الأطفال وكبار السن، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، بحسب التقرير الذي أجراه معهد القياسات الصحية والتقييم، ونُشر في دورية “لانسيت: الأمراض المعدية” The Lancet: Infectious Diseases.
في عام 2021، تسببت أمراض الإسهال في وفاة 1.2 مليون شخص حول العالم، مقارنة بـ2.9 مليون في عام 1990.
وسُجِّل أكبر انخفاض بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 79%، إلا أن هذه الفئة العمرية لا تزال تسجل أعلى معدلات الوفيات، مقارنة ببقية الأعمار، يليها الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 70 عاماً فأعلى.
وتكشف الدراسة عن تأثير كبير لأمراض الإسهال على الصحة العامة، إذ لا يزال هذا المرض يشكل عبئاً ثقيلاً على الأنظمة الصحية في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وتعد أمراض الإسهال، التي تسببها مجموعة متنوعة من العوامل الممرضة مثل البكتيريا والفيروسات، من القضايا الصحية العامة الكبرى على مستوى العالم، حيث تتسبب في أكثر من مليون وفاة سنوياً.
وتقول الدراسة إن هذه الأمراض من بين الأسباب الرئيسية للوفاة لدى الأطفال دون سن الخامسة، وخاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
الإشريكية القولونية
ومن أبرز العوامل المرتبطة بأمراض الإسهال هي الإشريكية القولونية المعروفة بإي كولاي (Escherichia coli)، وتحديداً السلالات المنتجة للتوكسين وهي مادة شديدة السمية تنتجها البكتيريا.
وأظهرت الأبحاث الدور الكبير الذي تلعبه تلك السلالات في الإصابة بالإسهال المعتدل إلى الشديد لدى الأطفال في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
في محاولة للحد من هذا العبء، أُطلقت مبادرات صحية عالمية للوقاية من الإسهال والسيطرة عليه، بهدف القضاء على الوفيات التي يمكن تجنبها الناتجة عن الإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة، بحلول عام 2025.
تشير الأدلة إلى أن عبء أمراض الإسهال يختلف بشكل ملحوظ بين الأطفال دون سن الخامسة في مناطق مختلفة، وذلك بسبب عوامل مثل اختلافات في قابلية الإصابة حسب العمر، وتطور جهاز المناعة.
ورغم الجهود العالمية للتصدي لهذا المرض، لا تزال الأعباء كبيرة في بعض الفئات العمرية، وخاصة الأطفال وكبار السن، الذين يعانون من نتائج صحية أشد سوءاً مقارنة بالبالغين.
وهذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تستعرض بشكل مفصَّل عبء الإسهال بسبب 13 نوعاً من الميكروبات، بما في ذلك سلالات “إي كولاي” المسؤولة عن الإسهال الحاد، ويساهم هذا التحليل في تحديد مسببات الأمراض ذات العبء الثقيل بشكل منفصل، ما يساعد في توجيه التدخلات الصحية بشكل أكثر دقة.
وفيات الإسهال عالمياً
وتُظهر البيانات تفاوتاً إقليمياً واضحاً في معدلات وفيات أمراض الإسهال؛ ففي البلدان ذات الدخل المرتفع، تقل الوفيات عن حالة واحدة لكل 100 ألف طفل دون سن الخامسة، بينما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يتجاوز المعدل 150 وفاة لكل 100 ألف طفل في نفس الفئة العمرية، وهو الأعلى عالمياً. أما جنوب آسيا، فسجَّلت أعلى معدلات وفيات بين كبار السن (476 وفاة لكل 100 ألف شخص).
في عام 2021، تسبَّبت أمراض الإسهال في جميع أنحاء العالم، في 59 مليون سنة حياة معدلة بالإعاقة، وكان من الممكن تقليل هذا الرقم إلى 4.99 مليون سنة لو تم إزالة جميع عوامل الخطر المقيّمة.
سنة الحياة المعدلة بالإعاقة وحدة قياس تُستخدم لتقييم العبء المرضي على الصحة العامة، وهي تجمع بين عدد السنوات التي يفقدها الشخص بسبب الوفاة المبكرة؛ نتيجة مرض، أو حالة صحية، وعدد السنوات التي يعيشها الشخص مصاباً بحالة صحية تؤثر على نوعية حياته.
ومن خلال مقارنة هذه البيانات مع الدراسات السابقة، استمر فيروس الروتا وبكتيريا الشيجيلا في كونهما العوامل الممرضة الرئيسية المسؤولة عن وفيات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة عالمياً في عام 2021، بينما كان أحد أنواع بكتيريا الأمعاء السبب الرئيسي لوفيات الإسهال في البلدان ذات الدخل المرتفع، وخاصة في الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 70 عاماً.
الإسهال وعوامل الخطر
تشمل عوامل الخطر الرئيسية من أمراض الإسهال انخفاض وزن المواليد، والولادة المبكرة، وسوء التغذية لدى الأطفال، والمياه غير الآمنة، والصرف الصحي السيئ.
ويرجع الانخفاض في معدلات الوفيات، ومعدلات الإعاقة إلى تدخلات صحية فعّالة مثل العلاج بالإماهة الفموية، وتحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وحملات التطعيم العالمية ضد فيروس الروتا.
رغم التقدم المشجع في مكافحة وفيات الإسهال، تقول المؤلفة الأولى للدراسة، هوي هوي كيو: “نحتاج إلى نهج متعدد الجوانب يجمع بين الحلول العلاجية، والوقائية لتخفيف الضغط على الأنظمة الصحية”.
لقاحات الروتا والإسهال
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن لقاحات فيروس الروتا، التي تُعطى الآن في أكثر من 100 دولة، ساهمت في خفض كبير في معدلات دخول المستشفيات، والوفيات المرتبطة بالإسهال.
ويرى الباحثون ضرورة توسيع جهود تطوير اللقاحات، لتشمل مسببات الأمراض الأخرى المسببة للإسهال، ودمج اللقاحات لتوفير حماية أوسع بتكاليف أقل.
للمرة الأولى، تتضمن الدراسة بيانات محددة عن مسببات الأمراض من شبكة منظمة الصحة العالمية لمراقبة الإسهال لدى الأطفال في البلدان ذات العبء العالي.
وتُعد دراسة العبء العالمي للأمراض (GBD) التقييم الأكثر شمولاً للصحة العامة، حيث تقدم تقديرات دقيقة للعبء عبر جميع الفئات العمرية والجنس والمواقع، مع تحليل عوامل الخطر في 204 دول، ومناطق بين عامي 1990 و2021.
وبينما يُظهر التقرير تقدماً ملموساً، يظل هناك الكثير لتحقيقه للحد من عبء أمراض الإسهال عالمياً، وخاصة في المناطق الأكثر تضرراً.