رغم مرور نصف قرن على وفاتها، لا تزال كوكب الشرق أم كلثوم، صوتاً نابضاً بالحياة، ورمزاً خالداً للفن المصري، وهو ما دفع وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنّو، إلى الإعلان أن عام 2025 سيحمل اسم “كوكب الشرق”، بالتزامن مع الذكرى الخمسين لرحيلها.
وأحيت مبادرة “سيرة القاهرة” المناسبة بتنظيم معرض خاص في بيت السناري التاريخي، ضم دوريات ومجلات قديمة، تناولت سيرة أم كلثوم، وطوابع بريدية تذكارية، وعملات ومسكوكات احتفاء بكوكب الشرق.
وتخلل المعرض “ليلة سماع” مع مؤرخ التراث الموسيقي المصري هيثم أبو زيد، الذي تحدث عن محطات تاريخية نادرة في حياة “الست”، وعرض وتحليل بعض المقطوعات من أغنياتها، كما استعرض الكاتب الصحفي مصطفى طاهر أهم الإصدارات الصحفية والأدبية التي تناولت سيرتها.
وأكد عبد العظيم فهمي، باحث ومؤسس “سيرة القاهرة”، أن ليلة الست “تُظهر التقدير والاعتزاز بأحد الرموز المصرية الهامة، كما أن المعروضات في بيت السناري التاريخي، ومن ضمنها صور من حفلاتها، وجهاز جرامافون يعود تاريخه إلى 100 عام، مع أسطوانات لتسجيلات نادرة لحفلات أم كلثوم، تؤكد أن التأريخ للرموز المصرية يمكن أن يتم بأدوات مختلفة”.
وشرح المؤرخ هيثم أبو زيد، المناسبات التي التقطت فيها الصور ووثّقت حفلات أم كلثوم خارج مصر، وحصولها بشكل متفرد على تكريمات مثل “قلادة النيل العظمى”، التي تعدّ أرفع درجات التكريم المصرية.
وأشار إلى أن “غالبية الكتابات تناولت حياة أم كلثوم وشخصيتها القوية والحاضرة، وهناك جانب آخر يرتبط بتوثيق حياتها الفنية”، معتبراً أن “فترة المجد لأم كلثوم بدأت من الثلاثينيات، وما قدّمته في الستينيات والسبعينيات كان استثماراً للسنوات السابقة”.
ولفت إلى أن “جنازتها كانت واحدة من عشر جنازات هي الأكبر في العالم، وفي مصر كانت الثانية في ضخامتها بعد جنازة الرئيس عبد الناصر”.
وتحدث المؤرخ الغنائي عن الجانب الفني لأم كلثوم فقال: “كانت تتقن “القفلة” في الغناء، وهو ما يميّز المنشدين؛ لتسمح للجمهور بالتفاعل معها، كما أنها تستطيع تلوين صوتها ليعبّر عن الرقة أو العنفوان، لإبراز معنى الكلمة وهو ما يظهر في رباعيات الخيام مثلاً، وتعاملها مع كلمة “طيف” التي كررتها ثلاث مرات”.
واعتبر أبو زيد “أن كل ما تركته أم كلثوم يصلح للتوثيق، ومع مرور نصف قرن على رحيلها، نجد تفاعلاً كبيراً من جميع الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، ما يدلّ على أنها حيّة، كما نلاحظه في اهتمام الشباب بما قدّمته من إنتاج فني، واستغلال الهواة للإنترنت، فقدّموا جهوداً توثيقية جبّارة لأرشيف سيدة الغناء العربي واكتشاف عالمها الفني”.
وأوضح أن “التلفزيون لم يبدأ في نقل حفلاتها إلا عام 1961، وكانت حينها في الستين من عمرها تقريباً، لكن أعمالها القديمة مثل نهج البردة وغيرها، غير متلفزة، لذلك فإن التوثيق من خلال الإنترنت مهم، لتعريف الأجيال الجديدة بأهمية أم كلثوم وسبب تربّعها على عرش الغناء”.
أضاف: “كان يتم استقبال كوكب الشرق بشكل على مستوى الحكومات والشعوب، من بغداد حتى المغرب، وكان ذلك من أواخر العشرينيات، في عهد الملك فؤاد، ويظهر في زيارتها الأولى للعراق، ثم زيارتها الثانية عام 1946 في عهد الملك فاروق، وزيارتها إلى بيروت عام 1931، إذ خرجت الزوارق اللبنانية واستقبلتها بالأعلام المصرية”.
وقال الكاتب الصحفي مصطفى طاهر، محرر الشؤون الثقافية والفنية في بوابة الأهرام: “إن سيرة السيدة أم كلثوم واحدة من السير المهمة على المستوى الدرامي والفني والاجتماعي، وهي تمثّل صعود الفتاة الريفية البسيطة إلى عرش الفن، وتصدّر المشهد ليس في مصر فحسب، ولكن في الوطن العربي كله”.
وأشار إلى أن “كبار الأدباء والمثقفين اشتبكوا على مدار التاريخ مع سيرتها، حتى أن الأديب المصري الكبير عباس محمود العقاد، كان ينوي وضع كتاب عن سيرتها لكن لم يمهله الوقت، وظهرت كتب عنها منها “لغز أم كلثوم” للناقد رجاء النقاش، وقدّمت الدكتورة رتيبة الحفني، أول رئيس لدار الأوبرا المصرية، كتاب “معجزة الغناء العربي”.
واعتبر أن إحياء ذكرى أم كلثوم، ظهر في الصحافة من خلال الأعداد التذكارية، التي كان السبق فيها هذا العام لمجلة الأهرام العربي بعدد حمل عنوان “صوت العرب”، وعدد مجلة الثقافة الجديدة للهيئة العامة لقصور الثقافة.
أما في المجال الأدبي، فظهرت رواية “مجانين الست” للكاتب شريف صالح، وكتاب “صاحبة الجلالة” للناقد محمد شوقي، وهو ما يدل على أن أم كلثوم جزء من روح مصر، وحتى الآن لا تزال حياتها ملحمة تستحق التأمل.