بعد أقل من شهر على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أعلنت الولايات المتحدة في 6 يناير الجاري، تخفيف قيود مالية مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، اعتباراً من 8 ديسمبر 2024، يوم سقوط بشار، ولمدة 6 أشهر، وقالت إنها “ستواصل مراقبة التطورات على الأرض”.
وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً يسمح ببعض المعاملات مع الحكومة الانتقالية السورية، بما في ذلك مبيعات الطاقة المحدودة والمعاملات العرضية، دون أن يشمل رفع العقوبات بالكامل عن سوريا، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، التي قالت إن القرار يشير إلى إظهار “دعم محدود” من الولايات المتحدة للسلطات الجديدة.
لكن في الوقت نفسه، أبقت واشنطن على مجموعة واسعة من العقوبات، بينها قيود على الاستثمار في سوريا، أو تقديم دعم مالي للإدارة الجديدة.
وتتنوع العقوبات الأميركية التي لا تزال مفروضة على سوريا بين تشريعات أقرها الكونجرس، وأوامر تنفيذية أصدرها الرئيس، وعقوبات أصدرتها وزارة الخزانة بالتشاور مع وزارة الخارجية، وعقوبات تحظر التجارة لأغراض غير إنسانية بين سوريا والولايات المتحدة، فضلاً عن عقوبات أخرى تهدف إلى منع بلدان ثالثة من ممارسة أعمال تجارية مع سوريا.
وتختلف العقوبات من حيث الصادرة ضدهم، بين أفراد، وكيانات، ومؤسسات حكومية، وتعود بعض هذه العقوبات إلى ما قبل 011.
عقوبات أميركية لا تزال سارية
بحسب الخارجية الأميركية، فإن سوريا لا تزال مُصنفة كدولة راعية للإرهاب في الولايات المتحدة منذ ديسمبر 1979، عقب الاحتلال السوري للبنان وما اعتبرته واشنطن “دعماً للجماعات الإرهابية”.
ولا تزال العقوبات والقيود التي أضافتها الولايات المتحدة في 5 مايو 2004 بالأمر التنفيذي رقم 13338، سارية.
وأصدر هذا الأمر الرئيس السابق جورج بوش، عقب إقرار الكونجرس قانون “محاسبة سوريا في 2003″، وفرض الأمر قيوداً جديدة إلى جانب العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا، ومن بين القيود تصدير السلع الأميركية إلى سوريا باستثناء المواد الغذائية والأدوية، لكن الأمر سمح باستيراد أميركا بعض السلع مثل النفط، وسمح أيضاً بالاستثمارات الأميركية في سوريا.
ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، بدأت الحكومة الأميركية توسيع العقوبات على دمشق بهدف حرمان حكومة بشار الأسد من الموارد التي تحتاجها لمواصلة العنف ضد المدنيين، وللضغط على النظام السوري حتى يسمح بانتقال ديمقراطي تماشياً مع مطالب الشعب السوري.
ومن العقوبات التي أقرتها واشنطن عقب 2011 ولا تزال سارية، تجميد أصول المسؤولين السوريين وغيرهم ممن ثبت تورطهم في ارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، وحظر التعاملات التجارية الأميركية، والتي نص عليها الأمر التنفيذي رقم 13572 الصادر في 29 أبريل 2011.
وتشمل قائمة العقوبات التي لا تزال سارية أيضاً، الإجراءات الإضافية التي أصدرتها واشنطن في 18 مايو 2011، من خلال الأمر التنفيذي رقم 13573، بتجميد أصول مسؤولين سوريين إضافيين، بينهم بشار الأسد، ورئيس الوزراء، ووزيري الداخلية والدفاع، ومدير المخابرات العسكرية، ومدير فرع الأمن السياسي، رداً على تصاعد عنف الحكومة السورية.
ومن أشد العقوبات التي فرضتها واشنطن ولا تزال قائمة، تلك التي نص عليها الأمر التنفيذي رقم 13582 الصادر في 18 أغسطس 2011، بتجميد أصول الحكومة السورية، وحظر المعاملات المالية معها، ومنح سلطات إضافية لتصنيف أفراد وكيانات ضمن قوائم العقوبات، وحظر الاستثمارات الجديدة في سوريا من قبل الأشخاص الأميركيين، وحظر تصدير أو بيع الخدمات إلى سوريا من قبل أشخاص أميركيين، وحظر استيراد النفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري، ومنع أي شخص أميركي من الانخراط في معاملات تجارية تشمل النفط السوري أو مشتقاته.
عقوبات “أساسية” وأخرى “ثانوية”
وتشمل العقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا، العقوبات الثانوية التي وردت في “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، والذي يستهدف الأفراد والكيانات التي تدعم حكومة دمشق، بما في ذلك القطاعات العسكرية والإنشائية والطاقة.
ومكن التشريع الذي أقره الكونجرس في عام 2019، ودخل حيز التنفيذ في منتصف عام 2020، الحكومة الأميركية من فرض نوع ثالث من العقوبات بخلاف العقوبات “الأساسية” القائمة على القوائم والقطاعات.
وتمتد “العقوبات الثانوية” المسموح بها بموجب القانون، إلى الأفراد غير الأميركيين، والكيانات التي تشارك بشكل كبير مع أي كيانات أو أفراد خاضعين للعقوبات الأساسية.
447 سورياً على قائمة العقوبات
بناءً على بيانات جمعها مركز كارتر، بحلول نهاية عام 2010، كان عدد الأفراد المدرجين تحت العقوبات الأميركية المتعلقة بسوريا، 11 شخصاً؛ وارتفع العدد بنهاية أبريل 2021، إلى 178 شخصاً، إلى جانب 269 موظفاً في مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في دمشق، فرضت عليهم واشنطن عقوبات جماعية في أبريل 2017.
ولا تزال العقوبات المرتبطة بما يعرف بـ”قانون كبتاجون 2″ الذي وقعه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في 24 أبريل 2024، لمكافحة تجارة النظام السوري في المخدرات، واستهداف مهربي المخدرات خاصة الذين يديرون تجارة مخدر “الكبتاجون”، سارية أيضاً.
وفرض القانون عقوبات على 8 شخصيات بارزة، من بينهم ماهر الأسد، شقيق الرئيس السابق وقائد الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش السوري، وعماد أبو زريق، أحد أبرز القيادات المحلية بالجنوب السوري، ورجل الأعمال عامر تيسير خيتي، عضو مجلس الشعب السابق، ورجل الأعمال طاهر الكيالي، إلى جانب قيادات في الأمن العسكري.
عقوبات لم يشملها إعفاء بايدن
في 6 يناير الجاري، أصدر مكتب OFAC (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية) ترخيصاً يسمح بمجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية التي كانت محظورة بموجب العقوبات الأميركية، بما في ذلك التعامل مع مؤسسات حكومية مدنية، وتوريد الطاقة إلى سوريا، والحوالات المالية الشخصية حتى عبر البنك المركزي في سوريا، لمدة 6 أشهر.
ومع ذلك، لا تزال بعض العقوبات سارية بالكامل، ولم يشملها الإعفاء المؤقت، ومنها القيود المفروضة بموجب تصنيف سوريا “دولة راعية للإرهاب”، إذ لا يزال التصنيف وراء فرض عقوبات محددة لا تتأثر بالترخيص العام، ومنها حظر صادرات الأسلحة والمعدات الدفاعية، والتحكم في تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، إضافة إلى قيود مالية أخرى.
ولا يسمح الإعفاء المؤقت بالمعاملات المالية أو التجارية مع المؤسسات العسكرية أو الاستخباراتية السورية، إذ لا تزال هذه التعاملات محظورة تماماً، كما أن “قانون قيصر” لا يزال سارياً، وهو ما لا يسمح بالاستثمار في سوريا أو تقديم قروض لها.
ولا تزال العقوبات على البنك المركزي السوري قائمة، ما يمنع وصول النظام المالي السوري إلى النظام المصرفي العالمي، ويعيق أي محاولة لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري من خلال النظام المالي الدولي.
ولا يسمح الإعفاء المؤقت بأي تحويلات مالية إلى أي شخص سبق حظره بموجب لوائح العقوبات السورية SYSR، ولوائح عقوبات الإرهاب العالمي GTSR، ولوائح عقوبات المنظمات الإرهابية الأجنبية FTOSR، ما لم يتم التصريح بذلك صراحة، ما يعني أن الإعفاء المؤقت لا يُعفي من العقوبات المفروضة على “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية أجنبية، وبالتالي فإن أي تعامل مع الحكومة السورية الجديدة يعرض الشركات والمنظمات غير الحكومية لأخطار قانونية.
ولم يرفع الإعفاء المؤقت، القيود المفروضة على التصدير وإعادة التصدير، ولا يعفي الأفراد أو الشركات من الامتثال للوائح الفيدرالية الأخرى، مثل لوائح إدارة الصادرات.
ويسمح الإعفاء للحكومات أو الشركات الأجنبية بالتبرع أو تقديم الوقود المدعوم إلى سوريا، دون التعرض للعقوبات الأميركية، إلا أنه لا يعفيها من قيود لوكالات أميركية أخرى، إذ تحتاج تلك الشركات والحكومات إلى الحصول على إذن إضافي من وزارة التجارة الأميركية، إذا كانت تلك المواد من منشأ أميركي أو خاضعة للوائح إدارة التصدير EAR.
ولا يشمل الإعفاء المؤقت أيضاً، العقوبات ضد الأفراد والكيانات المدرجين على قائمة عقوبات الأصول المجمدة، ويحظر عليهم إجراء أي معاملات مالية مع الأشخاص الأميركيين، إلا بتصريح خاص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
ولا يزال الاستثمار الأميركي في سوريا، محظوراً بالكامل، ما يمنع الشركات الأميركية من الدخول في مشروعات اقتصادية أو تجارية طويلة الأمد في البلاد.
وتواصل وزارة التجارة الأميركية، فرض حظر صارم على الصادرات إلى سوريا، باستثناء الغذاء والأدوية الأساسية، ما يعني أن الطاقة والمعدات التكنولوجية والسلع الحيوية الأخرى لا تزال ممنوعة من التصدير إلى سوريا، على الرغم من أن الترخيص العام سمح ببعض الأنشطة المتعلقة بالطاقة.
ويستمر إدراج الشركات السورية على قوائم العقوبات، ما يمنع التعامل التجاري معها، حتى لو كانت جزءاً من الاقتصاد الجديد الذي تحاول الإدارة السورية الجديدة إنعاشه.
عقوبات على داعمي دمشق
على الرغم من بعض الإعفاءات، إلا أن هناك قيوداً رئيسية لا تزال قائمة تمنع الدول العربية من تقديم دعم مالي مباشر للحكومة السورية المؤقتة، ومنها تصنيف سوريا “دولة راعية للإرهاب” لأن هذا التصنيف يحرم أي دولة تقدم مساعدات لدمشق من تلقي مساعدات أميركية.
وقبل انتهاء ولاية بايدن، أعلنت الخارجية الأميركية، بعض الإعفاءات من قانون المساعدات الخارجية، يسمح بتدفق المساعدات إلى دول محددة هي البحرين، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والسعودية، وتركيا، والإمارات، وأوكرانيا، إذا قدمت دعماً لسوريا.
وعلى الرغم من أن هذا الإعفاء يزيل عقبة أمام شركاء واشنطن الذين يرغبون في دعم تعافي سوريا، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما هو تأثير هذا الإعفاء على نوع المساعدات التي يمكن أن تقدمها هذه الدول لسوريا.
“قانون قيصر”
ويعغد “قانون قيصر”، أحد أكثر القوانين صرامة، إذ يمنع أي دولة أو كيان من التعامل مع الحكومة السورية أو دعمها مالياً أو اقتصادياً.
ويفرض القانون عقوبات على الشركات والمصارف الأجنبية التي تتعامل مع سوريا، ما يجعل من المستحيل تقديم دعم مالي رسمي للإدارة السورية الجديدة دون التعرض لأخطار قانونية، كما يحظر الاستثمارات الأجنبية في سوريا.
وكان الكونجرس مرر موازنة وزارة الدفاع للعام المالي 2025 في 12 ديسمبر 2024، ما أدى بالتبعية إلى تجديد “قانون قيصر”.
الإعفاء المؤقت الذي أصدرته إدارة بايدن، لم ينص على إزالة القيود على المعاملات المصرفية مع سوريا، ما يعني أن البنوك لا تزال غير قادرة على تنفيذ تحويلات مالية مباشرة للإدارة السورية الجديدة.
وعلى الرغم من أن واشنطن منحت إعفاءات للمساعدات الإنسانية، إلا أن الإعفاءات لا تشمل المساعدات المالية الحكومية المباشرة، ما يعني تعرض أي دولة تريد دعم الإدارة السورية الجديدة مالياً، لعقوبات أميركية.
لم ترفع واشنطن العقوبات عن البنوك الحكومية السورية، ما يجعل من الصعب إجراء تحويلات مالية أو إقامة معاملات تجارية بين البنوك العربية والنظام المصرفي السوري.
تصنيف “هيئة تحرير الشام”
يهدد استمرار تصنيف “هيئة تحرير الشام” التي قادت فصائل المعارضة في معركة إسقاط نظام بشار الأسد، كـ “منظمة إرهابية”، أي تعامل معها، إذ يحظر تقديم أي “دعم مادي” لها، وهو مصطلح واسع يشمل أكثر من مجرد المال، ليشمل التدريب والدعم والمساعدة.
ولا يزال التصنيف سارياً على الرغم من أن الولايات المتحدة أزالت إعلان تخصيص 10 ملايين دولار مكافأة لمن يبلغ عن زعيم الهيئة، أحمد الشرع، الذي أصبح رئيساً انتقالياً للبلاد.