أظهرت مجموعة من الباحثين فاعلية علاج جديد مضاد للبكتيريا مستخلص من مُركّب معدَّل يُعرف بـ”داروباكتين” (Darobactin)، وهو مستمد أساساً من بكتيريا.
وأُجريت تجارب ناجحة على الحيوانات تثبت فاعلية هذا العلاج ضد بكتيريا مقاومة للأدوية، بما في ذلك بكتيريا “إيشيريشيا كولاي” (Escherichia coli) المقاومة للمضادات الحيوية.
وتُشكل الأدوية المضادة للبكتيريا أداة حيوية في علاج العدوى، لكن ظهور مقاومة البكتيريا للأدوية الحالية يجعلها أقل فاعلية، أو حتى عديمة الجدوى في بعض الحالات.
وتُعتبر مقاومة المضادات الحيوية واحدة من أكبر التحديات الصحية العالمية التي تواجهنا اليوم، وفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية”.
وتنشأ هذه الظاهرة الخطيرة عندما تتطور البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات بمرور الوقت وتصبح قادرة على مقاومة الأدوية المصممة للقضاء عليها.
ونتيجة لذلك، تصبح العدوى أكثر صعوبة في العلاج، ويزيد خطر انتشار الأمراض والوفيات، وتُحذّر المنظمة الأممية من أن مقاومة المضادات الحيوية تهدد قدرتنا على علاج الأمراض المعدية الشائعة، وقد تعيدنا إلى عصر ما قبل اكتشاف المضادات الحيوية حيث كانت الأمراض المعدية تودي بحياة الكثيرين.
ما هو مُركّب داروباكتين المضاد للبكتيريا؟
واكتشف الباحثون المركب الجديد المعروف باسم “داروباكتين” في بكتيريا طبيعية، ويُعتبر من المضادات الحيوية الجديدة التي تُمثّل أملاً في مواجهة مشكلة مقاومة المضادات الحيوية التقليدية.
ويتميز هذا المركب بقدرته على مكافحة بعض أنواع البكتيريا الخطيرة التي طورت مقاومة للأدوية الموجودة حالياً، مما يجعله هدفاً مهماً للبحث والتطوير في مجال الأدوية.
ويعمل “داروباكتين” من خلال الارتباط ببروتين أساسي موجود في خلايا بعض أنواع البكتيريا، وهذا البروتين ضروري لاستمرار حياة البكتيريا.
وعند ارتباط “داروباكتين” بهذا البروتين، يُعطّل وظيفته، مما يؤدي في النهاية إلى موت البكتيريا، الأمر الذي يجعله فعالاً بشكل خاص ضد بعض البكتيريا المقاومة، والتي غالباً ما تكون محصّنة ضد المضادات الحيوية التقليدية.
تم اكتشاف “داروباكتين” في البداية في بكتيريا “فوتوهاديوس” (Photorhabdus)، وهي نوع من البكتيريا التي تعيش في أمعاء الديدان الخيطية.
نسخ معدّلة من “داروباكتين” تحقق نتائج إيجابية
وبعد هذا الاكتشاف، بدأ الباحثون في تطوير نسخ معدّلة من المُركّب لتعزيز فاعليته واستهداف أنواع محددة من البكتيريا، وتُعرف إحدى هذه النسخ المعدّلة باسم “D22″، وقد أظهرت نتائج إيجابية في التجارب المخبرية وعلى الحيوانات، بما في ذلك قدرتها على تثبيط نمو أنواع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وفي التجارب الأولية، تم اختبار فعالية المركب “D22” ضد بكتيريا “الراكدة البومائية” (Acinetobacter baumannii) باستخدام أجنّة أسماك الزينة، وأظهرت النتائج فاعلية مشابهة لمضاد حيوي معروف باسم “سيبروفلوكساسين” (Ciprofloxacin) وهو مضاد يُستخدم لعلاج العدوى المعقدة.
ثم انتقل الباحثون إلى تجارب على الفئران، حيث بيّنت الملاحظات أن الحقن بالمُركّب “D22” كان أكثر فاعلية من تناوله عن طريق الفم.
وفي اختبار الفاعلية ضد بكتيريا تسبب عدوى “الزائفة الزنجارية” (Pseudomonas aeruginosa) قللت الجرعات المتكررة من نمو البكتيريا بشكل كبير في أنسجة الفخذ، لكن لم يتم القضاء على العدوى بشكل تام.
وأظهرت التجارب ضد بكتيريا “إيشيريشيا كولاي” (Escherichia coli) أن إعطاء جرعات متعددة من المُركّب خلال فترة 25 ساعة قضى بالكامل على عدوى شديدة في تجويف البطن.
كما أظهرت جرعات مفردة نشاطاً ملحوظاً، في حين أن حقنتين يومياً لمدة 3 أيام قللت بشكل كبير من البكتيريا في حالة عدوى معقدة في المسالك البولية، ولكن ليس بنفس فاعلية المضاد الحيوي “جنتاميسين” (Gentamicin).
وأظهرت نتائج الدراسة قدرة المُركّب “D22” على تثبيط العدوى البكتيرية الحرجة، مما يسلط الضوء على إمكانيته كمُركّب مبتكر لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية.
وأكد الباحثون أن هذه النتائج تُعد خطوة أولى نحو تطوير عقار يمكن استخدامه في التجارب السريرية في المستقبل.